هل تغرق حماس في وحل أوسلو ثاني بنكهة إسلامية؟؟؟!
خبر مقتضب نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية في منتصف شهر تموز الماضي، يتحدث عن قيام “مسؤولين بحركة حماس بإجراء محادثات سرية مع إسرائيل بشأن المحتجزين لديها، وهما “إسرائيلي” من أصول أثيوبية يدعى أبراهام منغيستو، وآخر عربي من النقب، أرفقته بفقرة صغيرة في آخره تؤكد أن “وسطاء دوليين، بينهم مبعوث الرباعية السابق، توني بلير، نقلوا رسائل إلى إسرائيل مفادها أن حماس معنية بالتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد”.
لم يمر الخبر مرور الكرام، فلأول مرة يتم الحديث عن قبول حماس بفكرة “التهدئة طويلة الأمد”. وبدأ الخبر والحديث عن هذه المفاوضات يكبر مثل كرة الثلج في ظل صمت حمساوي زاد من مخاوف المتابعين بصدقية هذا الطرح.
حماس ومحاولات للتوضيح أم للتبرير
حركة حماس اضطرت بعد ما يقارب الشهر على تسريبات “هآرتس”، إلى تقديم توضيحات حول هذه المفاوضات، لم يقتنع بها كثيراً حلفاؤها في الوطن. ففي رده حول الحديث عن اتصالات تهدئة تجريها أطراف دولية، تتوسط بين حماس وإسرائيل، للوصول إلى «تهدئة طويلة الأمد» في غزة تمتد لعشر سنوات أو أكثر مقابل رفع الحصار عن غزة، وتسهيل الإعمار، وإقامة ممر مائي يربط القطاع بجزيرة قبرص، أكد زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن الحركة وصلها العديد من العروض عن طريق بلير ممثل الرباعية الدولية السابق، ومن قبله المبعوث الأممي روبرت سيري.
وأبلغت الحركة الفصائل الفلسطينية أنها لم تتلق أي شيء مكتوب بخصوص التهدئة، وأن ما يطرح هو مجرد أفكار، وأنها ستعرض عليهم الأمر إذا طرح عليها رسمياً. إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبدت مخاوفها من تداعيات خطيرة وسلبية لهكذا مفاوضات على القضية الفلسطينية.
لاحقاً، اضطرت حماس لإصدار توضيح ثاني عبر القيادي في الحركة أحمد يوسف، فآخر ثالث من خلال خالد مشعل رئيس الحركة نفسه. فصرّح يوسف في منتصف آب الماضي، أن لقاءات استضافتها الدوحة وجمعت خالد مشعل، رئيس حركة “حماس” بتوني بلير، مؤكداً حدوث تقدم كبير سيتم الإعلان عنه قريباً. ولفت إلى أن “إقامة دولة في قطاع غزة، ليس أمراً وارداً (في المفاوضات)، وأن (حماس) أكدت أنه لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة”.
توني بلير وشبهات أهداف المفاوضات
تردد إسم توني بلير كوسيط للمفاوضات أثار المزيد من الأسئلة لدى المراقبين حول الهدف من هذه المفاوضات وما يمكن تحقيقه من خلال وسيط معروف بانحيازه للكيان الصهيوني.
صحيفة الـــ “تلغراف” البريطانية، أكدت أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، هو من يقود الوساطة السريّة بين حركة “حماس” وإسرائيل، وأن الهدف من هذه المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق سلام، وبأنه التقى برئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، لبحث هدنة مع إسرائيل.
وتطرقت الصحيفة إلى أن المحادثات انصبّت حول سبل التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل لمدة عشرة أعوام، مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة. كما أضافت الصحيفة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت أن توني بلير أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل زيارته الأولى للقاء خالد مشعل بالدوحة.
ويؤكد الرفيق عبد العزيز خضر “أبو فؤاد” العضو القيادي في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في حديثه لنداء الوطن، أن مجرد وجود وسيط كتوني بلير في الصورة، يدلل على مدى اﻻنحدار الذي وصلت إليه القيادة السياسية لحماس، آخذين بالاعتبار طبيعة تحالفاتها وحاضنتها السياسية القطرية التركية الجديدة بعد اندﻻع الأزمة السورية، ويتساءل أبو فؤاد: كيف لثورة لم تحقق أيّاً من أهدافها أن تصنع هدنة طويلة الأمد مع عدوها ؟؟.
فيما يرى القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق مروان عبدالعال من لبنان في اتصال أجرته معه نداء الوطن، أن مضمون التفاوض وغايته لا ينفصل عن أهداف الحروب المتسلسلة التي شنت على قطاع غزة، والتي لها غاية سياسية، غير تلك الأهداف المعلنة والتي غالباً ما تكون أهداف مباشرة تحت تبرير الأمن. الآن السياق الإستراتيجي الذي بدأ مما سمي بــــ (خطة الانطواء)، أو فك الارتباط، أو الانسحاب الأحادي، أراد العدو من خلالها تكبيل غزة ليتمكن من تحقيق هدفين: أ_ هضم الضفة. ب_ صناعة دولة غزة. الغاية المضمرة وبعيدة المدى، هي خلق دينامية سياسية تفكك وحدانية التمثيل وتخلق إزدواجية كيانية.
ويختلف الأستاذ جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط مع ما ذهب إليه كل من عبدالعال وخضر، فيؤكد خلال حديثه لنداء الوطن أن مبدأ الانفتاح الدولي على حماس في هذه المرحلة هو محاولة لتبريد البيئة الفلسطينية من جهة، ولتسهيل الجو الفلسطيني على الرئيس محمود عباس للتقدم في المفاوضات حتى بدون تحقيق أي شروط، سواء رغبة منه أو خوفاً من تقدم المفاوضات بخصوص غزة مع حماس بدلاً منه.
أوسلو ثانية برداء إسلامي؟؟!!
المفاوضات السرية بين حماس والكيان الصهيوني تعيد إلى أذهان الفلسطينيين ما آلت إليه مفاوضات حركة فتح مع الصهاينة برعاية غربية في عام 1993، وتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك لاتفاقية أوسلو التي مضى عليها ما يقارب الــ 22 عاماً دون أن تحقق شيئاً للشعب الفلسطيني.
ويشير مروان عبدالعال إلى أن نهج التفاوض، وهي المفاوضات غير المباشرة ويراد به إغراق حركة حماس بشبهة المفاوضات السرية، وأنها تقوم اليوم بما كانت قد عارضته بالأمس. وبذات الأسلوب الذي يقول ” أن الطبخة لم تنضج بعد وعندما تنضج نذهب للكل الوطني”. هكذا جرى يوم وضعت طبخة أوسلو جاهزة أمام الفصائل! من العبث تصديق الذين غطوا الحروب والعدوان والحصار على شعبنا، هم ذاتهم بوجوههم الكالحة يحضرون إلى غزة اليوم، ليقدموا لنا السم في الدسم، عبر معادلة خطة (التنمية مقابل الأمن)، وهي الوجه الآخر لما سمي بــ (السلام الاقتصادي)، أي فك الحصار عن غزة مقابل فصلها عن الضفة الغربية، ومما يؤدي إلى تأبيد الانقسام عبر تحويله إلى انفصال. مسألة بهذه الخطورة، لا نقبل لحماس أن تنقلها للفصائل دون أن تحدد موقفاً واضحاً وعلنياً منها، لأنها فصيل مقاوم وليس ساعي بريد ينقل الرسائل.
تكتيك حمساوي
ويختلف جواد الحمد مع عبدالعال، حيث يلفت مدير مركز دراسات الشرق الأوسط إلى أنه المؤكد أن حماس لا تستطيع أن تذهب باتفاق أوسلو ثانية ولا غيرها، فهي تحصر نفسها بقضية لها سوابق تقوم على فك الحصار وإعادة الإعمار في غزة، مقابل تثبيت وقف إطلاق النار لمدة تصل إلى 2_4 سنوات، وهو أمر تكتيكي بالأساس، سبق وأن حصل عامي 2009 و2012.
ويشير الحمد إلى أنه ونظراً للعجز الذي تبديه الحكومة الفلسطينية إزاء إعمار غزة أو فك الحصار، سواء كانت تقصده أم لا تستطيعه، فهو يضعف من دورها في هذا المضمار، ويدفع حماس للبحث عن خيارات أخرى فيما يتعلق بقطاع غزة، خاصة وأنها تشعر بقوة بحجم الإنجاز العسكري الذي حققته في الحرب عام 2014 من جهة، ولإمكاناتها المتجددة عسكرياً من جهة أخرى، ولحجم الإشكال الذي أصاب الفكر العسكري الإسرائيلي بخصوص قطاع غزة، حيث يشجع كبار العسكريين على فك الحصار وإعادة الإعمار وتسيير الاقتصاد وإيجاد ميناء بعيداً عن التفكير بشن حرب على غزة.
ولذلك فإنه ما دام الأمر محصوراً في قطاع غزة ووفق المعطيات أعلاه، فلا يحمل أي خطورة سياسية على القضية من حيث المبدأ، ولا يمكن مقارنته بالمفاوضات السياسية مع إسرائيل، أو التنسيق الأمني معها، أو تطبيق اتفاقات أوسلو سيئة السمعة!
فيما يحذر الرفيق أبو فؤاد “عبدالعزبز خضر” أنه في حال استمر الوضع الفلسطيني الرسمي على هذا الحال من التراجع، واستمر الوضع العربي الرسمي باﻻنحدار والتآكل، فإن فرص عقد حماس ﻻتفاق مع العدو الصهيوني ستتزايد بتشجيع إقليمي صهيوني أوروبي. كل هذا يقود إلى وضع داخلي فلسطيني بالقطاع مشابه لذاك القائم بالضفة بعد أوسلو، من استبعاد لخيار المقاومة إلى تنسيق أمني وتغليب مبدأ التفاوض بديلاً عن الثوابت الوطنية.
مصير حكومة الوحدة الوطنية في ظل مفاوضات حماس
يعتبر أبو فؤاد مسؤول الرقابة في حزب الوحدة الشعبية، أن موضوع حكومة الوحدة الوطنية متعثر منذ اليوم الأول و”ﻻ أرى إمكانية لنجاحه في ظل أي اتفاقات أحادية بين حماس والعدو، والذي أراه في ضوء ذلك، هو إعادة إحياء حكومة حماس المنحلّة وتصبح الحكومة الحالية مسؤولة فقط عن إدارة الضفة الغربية”.
أما عبدالعال فيذهب إلى أبعد من ذلك، ويشير إلى أن مجرد وضع الاتفاق المفترض في التداول السياسي فقط وبدون وجود سيولة سياسية، ستكون مؤذية، فهو أشبه بمادة ناسفة، الهدف منها خلق ديناميات تدمير تودي بكل أساسات القضية الفلسطينية. وأبعد من موضوع الحكومة التي هي ليست أكثر من ديكور وطني إداري وتسير على قدم واحدة. المسألة تتعدى ذلك إلى طرح مصير النظام السياسي برمته، ومستقبل الكيان السياسي الفلسطيني، وأقول أكثر أن تشظياته ستطال دولاً مجاورة.
المقاومة خيار
“لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، مقولة علينا أن نضعها نُصب أعيننا ونحن نتابع مصير مفاوضات حماس مع الكيان الصهيوني. وفي الانتظار، فإن المطلوب من قوى المقاومة في القطاع “مزيداً من الوحدة والتمسك بخيار المقاومة والبندقية والثوابت الوطنية، ورفض أي هدنة يتم عقدها مع الصهاينة كمقدمة لتصفية المقاومة”، كما يؤكد الرفيق عبدالعزيز خضر.
والشعب الفلسطيني الذي عرف أن أقصر الطرق للتحرير هو طريق البندقية، يعي تماماً أن “أوسلو الثاني” لن يكون أفضل حالاً من أوسلو الأول الذي ولد ميتاً، مهما كانت ألوان الأزياء التي يرتديها”. على حد قول القيادي الجبهاوي مروان عبدالعال.
يقول ماركس التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة والثانية سيكون هزلياً. على أمل أن تعي كافة الفصائل الفلسطينية وتستفيد من تجاربها وتميز – وهو الأهم – الصديق من العدو.