هل تحبط انتصارات الجيش السوري مخططات مشروع نقسيم سورية؟
وما هي حقيقة الموقف التركي من التقسيم؟
في الوقت الذي تسرب فيه مشروع «تقسميي» لسورية نتج عن اجتماعات ضمت الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية رجعية إضافة إلى بريطانيا وفرنسا، يواصل الجيش السوري تقدمه في الغوطة الشرقية بثبات، فيما سيطر الجيش التركي على مدينة عفرين في محاولة منه لقطع الطريق على إقامة دولة كردية في الشمال السوري، ليس باتجاه الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وإنما لإقامة منطقة موالية للأتراك تكون بديلة عن دولة أو مشروع دولة كردية في هذه المنطقة.
مشروع أمريكي بدعم صهيوني رجعي عربي
هذه الأحداث أعادت إلى الذاكرة المشروع الأمريكي التقسيمي للمنطقة العربية برمتها، والذي كانت قد بدأته في العراق، وهو الأمر الذي أشار إليه الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في حديثه لـ نداء الوطن. ويرى ذياب أن الحديث عن السياسة الأمريكية في سورية بمعزل عن المشروع الذي يخطط للمنطقة (مشروع الشرق الأوسط الجديد) من شأنه أن يقودنا إلى الوقوع في الخطأ، مشيراً إلى أن بدايات المشروع الأمريكي الصهيوني تتمثل في السعي نحو تقسيم المنطقة والدولة الوطنية الواحدة بقصد إضعافها وتسهيل عملية الهيمنة عليها ونهب ثرواتها.
ويضيف الدكتور ذياب أن سورية كانت في دائرة الاستهداف وذلك لما تمثله من دور في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، لذلك راحت الولايات المتحدة الأمريكية وبعد الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري تعمل على تعزيز وجودها العسكري في شمال وشرق سورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب لكنه في الجوهر يستهدف تعطيل إمكانية إقامة ممر آمن يربط بين طهران ودمشق وبيروت عبر العراق. الأمر الذي يحقق هدفها في إضعاف الحضور الإيراني ويعطل من إمكانية تواصل محور المقاومة. وهذا ما بدا واضحاً من خلال سعيها إلى تشكيل قوة حرس حدود بحوالي 30 ألف مقاتل تحت قيادة قوات سورية الديمقراطية.
ويرى ذياب أننا ضمن هذا الفهم يمكن قراءة المصلحة الصهيونية من محاولات تقسيم سورية والأقطار العربية الأخرى. بل إني أعتقد أن القراءة المعمقة لاتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور يدلل أن تنفيذ الوعد لم يكن ممكناً بدون عملية التقسيم التي حصلت قبل 100 عام. والآن وبعد مئة عام من سايكس بيكو فإن القوى الاستعمارية والكيان الصهيوني تسعى لتقسيم المقسم بما يسهل عملية التسيد الصهيوني على المنطقة العربية وبما يمكنهم من الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية.
ويتفق الباحث الدكتور إبراهيم علوش مع ما ذهب إليه ذياب ويضيف في حديثه لـ نداء الوطن أن مشروع تقسيم سورية هو مشروعٌ قديمٌ، لأن تفكيك سورية والعراق ومصر هو وحده ما يحقق الأمن الاستراتيجي للكيان الصهيوني، ويخفض فرص قيام نزعة وحدوية في الوطن العربي، وبعد العدوان على العراق، والعدوان على ليبيا، وقفت سورية في مواجهة مشروع تقسيمها، وتفكيك دولتها المركزية وشطبها، وقفةً أقل ما يمكن أن يقال فيها هو أنها بطوليةٌ، وأنها وقفة دفاع عن كل الإقليم، لا عن نفسها فحسب.
ويرى علوش أنه من الواضح في الحالة السورية تحديداً أن الطرف الأمريكي، والطرف الصهيوني، والطرف التركي، لا يزال يسعى لإطالة أمد الحرب، في مسعى لاستنزاف الدولة المركزية وجيشها، لوضع اليد على النفط في شرق البلاد بالنسبة للأمريكيين، ولتأسيس «منطقة عازلة» جنوب البلاد بالنسبة للصهاينة، ولقضم أجزاء من شمال البلاد بالنسبة للأتراك، وتلك الأطراف الثلاثة قوى كبيرة لا نستطيع الاستهانة بها، ولكن إرادة سورية وحلفائها أثبتت أنها أكبر، وأثبتت أن سورية ليست لقمة سائغة، وأنها عصية على التفكيك، لذلك فإن معركة الدفاع عن وحدة سورية في وجه مشاريع التقسيم سوف تستمر، حتى دحر مشاريع التقسيم.
تركيا بين العداء للدولة السورية ورفض الدولة الكردية
مشروع التقسيم الأمريكي يعتمد بشكل أساسي على النزعات الانفصالية لبعض الأحزاب الكردية، وهو الأمر الذي يستحيل تسويقه تركياً، الأمر الذي جعل المشروع الأمريكي يواجه صعوبات مركبة. ويؤى الدكتور إبراهيم علوش أن التناقض الرئيسي مع القوى التكفيرية المدعومة من الرجعيات العربية راح يفسح المجال تدريجياً، من دون أن يختفي، لبروز تناقضين جديدين، إلى جانب التناقض الدائم مع العدو الصهيوني كحاضنة لكل مشاريع التفكيك الجغرافي والاجتماعي-السياسي في الوطن العربي، هما التناقض مع المشروع التوسعي العثماني من جهة، والمشروع التوسعي الكردي من جهة أخرى، وهما مشروعان يتناقضان بضراوة مع بعضهما أصلاً، حتى لو اجتمعا موضوعياً علينا، مما لا يجوز أن يغيّب عنا تناقضهما، وإمكانية الاستفادة من ذلك التناقض بينهما، ولا نستطيع أن نفهم، من دون إدراك هذه الجدلية، لماذا سلّمت «قسد» بعض مواقعها للجيش العربي السوري إبان المرحلة الأولى من التغلغل التركي في شمال سورية، وهي الطريقة الوحيدة فعلياً لنزع أي ورقة توت عن عورة الأطماع التركية وقتها واليوم لو يدرك إخواننا الأكراد ذلك، ولتجنيب أي جزء من سورية ويلات الاحتلال التركي البغيض.
ويضيف علوش سورية تواجه إذاً، عبر شمالها وشمالها الشرقي، مشروعين توسعين عنيدين، متناقضين، أحدهما يحظى بدعم غربي، ويتلفّح زوراً بالمعطف اليساري ليروج تحت عنوان «شعوبي» لنزع صفة العروبة عن سورية ولـ»تقويض» دولتها المركزية بذرائع «ديمقراطية» و»مجالسية» (من «مجالس» أو «هيئات الحكم المحلي»)، والآخر، التركي، لا يتورع عن توظيف العصابات التكفيرية والإرهابية في محاولة «تقويض» الدولة العربية السورية من دون أن يخفي مطامعه القذرة في العراق وبلاد الشام وبعودة إمبراطورية البلاهة العثمانية. لكن أود في هذه العجالة أيضاً أن ألفت النظر لما قامت به «قوات سورية الديمقراطية» من تأسيس لألوية تزعم أنها «أممية» في صيف عام 2015، في رأس العين في محافظة الحسكة، مستدرجةً إلى هذا التشكيل مئات من اليساريين حول العالم تحت عنوان مقاتلة «داعش»، فيما الهدف الحقيقي هو تحقيق مشروع توسعي شوفيني معادٍ للعرب أصحاب الأرض الأصليين، ومعادٍ للدولة العربية السورية صاحبة السيادة على كل رقعة من الجغرافيا العربية السورية.
ذياب: بعد مائة عام على سايكس بيكو، القوى الاستعمارية تسعى لتقسيم المقسم بما يمكنهم من الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني
ويحذر علوش من أن النظام التركي يطمح إلى تحسين وضعه ووضع القوى المنهارة التي يدعمها على طاولة المفاوضات في مفاوضات فيينا وجنيف ومؤتمر سوتشي والمسار التفاوضي بشكلٍ عام، ولعله تذرّع بالتواجد الكردي الضعيف «غرب الفرات» ليحقق هذا الهدف، فخطوته الأخيرة باتجاه عفرين التي قد يبدو كأن إعلان «التحالف» عن تأسيس «قوة أمنية حدودية» كردية استفزها، والتي يبدو أن أردوغان رأى أن إعلان وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون (المعزول) بأن التواجد العسكري الأمريكي في سورية سيستمر لـ»مواجهة إيران والدولة السورية» قد يغطيها سياسياً من جهة، وأن الموقف الروسي والإيراني والسوري المناهض لتأسيس التحالف «قوة أمنية حدودية» كردية ربما يتساهل معها مؤقتاً على مضض من جهة ثانية، كل هذا يكشف ولا يغطي حقيقة الأطماع التركية في سورية، على مستوى استراتيجي، وعلى مستوى محاولة استغلال «الفرصة» المتمثلة في خريطة التقاطعات والتعارضات المتحولة لـ»وصل» مناطق العصابات الإرهابية في أرياف حماة وإدلب وحلب عبر عفرين، في مسعى للتغلغل أكثر في شمال سورية، كهدف تاريخي، ولـ»احتواء تقدم» الجيش العربي السوري، والوجود الكردي، في آنٍ معاً.
من جهته، يرى الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية أن قراءة الدور التركي يجب أن يأتي في سياق توافق حزب العدالة والتنمية التركي مع المشروع الأمريكي الصهيوني (مشروع الشرق الأوسط الجديد) وقيام تركيا بأن تقدم نفسها الدولة النموذج وبصورة الإسلام المعتدل حتى تتمكن من تحقيق نفوذها ضمن رؤية الإستراتيجية العثمانية الجديدة.
وأعادنا ذياب بالذاكرة إلى الدور التركي في الحرب على سورية، وفتحها حدوها كاملة كي يتدفق المسلحون إلى سورية من كل بقاع الأرض، حيث وفرت لهم فرص التدريب والتسليح وبدعم قطري وسعودي وأمريكي كل ذلك مرتبط باستهداف النظام والدور الذي تلعبه سورية.
أما فيما يتعلق بموضوع التقسيم، فيستبعد ذياب أن تكون تركيا مع تقسيم سورية لأن التقسيم سيقود إلى انهيار الوضع في سورية وهذا لا يتناسب وأمن تركيا نفسها التي تمتلك حدوداً مع سورية بأكثر من 900 كيلو متر. إضافة إلى ذلك أن موضوع تقسيم سورية من شأنه أن يشجع الأطراف الغربية إلى استهداف تركيا ذاتها مستقبلاً.
وحدة سورية والرهان على محور المقاومة
مع كل انتصار يحققه الجيش السوري المدعوم من محور المقاومة وبالتحالف مع روسيا، وع كل بقعة يقوم بتحريرها، فإن فرص التسويق الأمريكي لمشروع التقسيم تصبح أكثر صعوبة.
ويؤكد الدكتور سعيد ذياب أن سورية تخوض معركتها بنجاح وثبات وتحقق يومياً انتصارات وإنجازات على الأرض بدعم كامل بل ومشاركة كاملة من محور المقاومة الذي يرى في صمود سورية وانتصارها صموداً وانتصاراً له فالمعركة واحدة سيبقى الرهان على الجيش السوري بالأساس والشعب السوري والقوى الحليفة الأمر الذي ستثبته الأيام القادمة بمزيد من الصمود والإنجاز على الأرض.
ويرى الدكتور إبراهيم علوش أن الشعب السوري، الذي لو لم يمنح دولته وجيشه وقيادته دعماً غير محدود، لما تمكّنت من الصمود والاستمرار في أصعب الظروف في مواجهة ألقت فيها قوى دولية وإقليمية كبرى بكل ثقلها ضد سورية. وهذا الشعب تحمّل ويلات تلك الحرب عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، وبالرغم من ذلك، فإنه استمر يقدم الغالي والنفيس دفاعاً عن بلده ودولته. كذلك فإن الروح القتالية للجيش العربي السوري واستعداده اللامتناهي للتضحية شكّلت سدّاً منيعاً في وجه العدوان الكوني على سورية وأدواته الداخلية والخارجية.
علوش: سورية تواجه مشروعين توسعين متناقضين: كردي مدعوم غربياً، وتركي يطمع بعودة إمبراطورية البلاهة العثمانية
ويشير علوش إلى أن الجيش العربي السوري قدم عشرات آلاف الشهداء، ولنتذكر أن الجيش العربي السوري يدير حرباً غير تقليدية على مدى آلاف نقاط الاشتباك عبر الجغرافيا السورية، كما أن القوى الأمنية السورية تواجه حرباً إستخبارية تديرها أحلاف معادية إقليمية ودولية، ليس الكيان الصهيوني إلا أحد مكوناتها، وقد أثبتت الدولة السورية كفاءةً عالية في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية، كما أثبتت القيادة السورية تميزاً نوعياً في الإدارة السياسية والإستراتيجية، كما أثبتت الدبلوماسية السورية تميزاً غير عادي، وعلى رأس كل هذه المنظومة نجد الرئيس بشار الأسد هادئاً واثقاً ثابتاً صلباً جريئاً متبصراً في آنٍ معاً، يدير الدفة عبر النقاط الحرجة في المياه المضطربة إلى شاطئ النصر والأمان بكفاءةٍ وجدارةٍ، ولكننا لا نستطيع أن ننسى بكل تأكيد وقوف شرفاء الأمة مع سورية، وعلى رأسهم أبطال حزب الله الذين هزموا الكيان الصهيوني مرات في لبنان، ليعودوا ويهزموه ويهزموا أدواته كرةً أخرى على أرض سورية، ولا ننسى الدعم الإيراني بكل تأكيد، ولا الدعم الروسي، وكل شرفاء الأرض الذين وقفوا مع سورية، ممن يبقى دعمهم مقدراً ومهماً، لكن ما لا شك فيه يبقى أن النصر هو نصر عربي سوري بامتياز، صنعته سواعد السوريين ودماؤهم وتضحياتهم وعقولهم، بالتعاون مع كل حليف مخلص في الإقليم وعلى الصعيد الدولي.