هل أصبح الحسم العسكري الخيار الأوحد لدى سورية للحفاظ على وحدتها؟
مع انطلاقة الأزمة السورية، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع لها أن تستمر حتى هذه اللحظة. فبعد خمس سنوات وستة أشهر من الدمار والقتل والتشريد، لا يزال المواطن السوري يدفع ثمن مخططات الغرب وأهواء بعض “الأشقاء”.
ويتذكر الجميع كيف خرج وزير الخارجية القطري مع بداية الأزمة السورية ليتحدث عن بضعة أيام أو أسابيع كحد أقصى للتخلص من “بشار ونظامه”، فيما كان المسؤولون الغربيون والصهاينة وبعض العرب يتنافسون في تحديد موعد نهاية حقبة البعث في سورية. وعلى الرغم من صمود الرئيس الأسد والدولة السورية والجيش العربي السوري، إلا أن الثمن الذي دفعته سورية كان ولا يزال باهظاً من كافة النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية أيضاً.
ورغم اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت تحت شعار “حل الأزمة في سورية” ابتداءً من جنيف 1 مروراً بجنيف 2 فجنيف 3 فمحادثات فيينا، وانتهاءً باللقاءات الروسية – الأمريكية المشتركة، إلا أن كافة هذه المحادثات لم يكتب لها النجاح أو حتى الاستمرارية. ولا يختلف الواقع العسكري عن الواقع السياسي كثيراً فعلى الرغم من النجاحات التي يحققها الجيش السوري في هذه المحافظة أو تلك، إلا أنها تبقى نجاحات محدودة، يقابلها تراجع أحياناً وهدنة تحول دون مواصلة هذه النجاحات أحياناً أخرى.
الخيار العسكري تمهيداً للحل السياسي
استمرار الأزمة السورية وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا واقترابها من حدود روسيا، أمر لم يعد يتقبله المجتمع الدولي أو على الأقل أطراف رئيسية فيه، كما لم يعد محور المقاومة (سورية-إيران-حزب الله) قادراً على تقبل واقع استنزاف قدراته بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني. لذلك كان خطاب السيد حسن نصرالله في 24 حزيران الماضي والذي أكد فيه أن معركة الحسم في سورية قد بدأت وأن عنوانها سيكون مدينة حلب.
ويرى الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني أن الخيار العسكري بدأ يتحول إلى ضرورة وشرط استراتيجي لإنفاذ الحل السياسي القابل للديمومة والاستقرار، وفقاً للقراءة الدقيقة والعلمية لحالة الاستقطاب التي تعيشها سورية، معتبراً أن الحل السياسي ليس خياراً بديلاً أو مقابلاً، بل هو نتيجة للحسم العسكري في الميدان.
ويلفت الخواجا إلى أن الصراع الدائر في سورية في جوهره صراع عليها تجسيد للمواجهة المحتدمة بين مشروعين ومعسكرين ، معسكر المقاومة ونواته سوريا وحزب الله وإيران وحليفهم الجيواستراتيجي روسيا الاتحادية إلى جانب الصين، والمعسكر المقابل الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وتركيا وقطر وأدواتها من مئات المجموعات المسلحة المدعومة والمرتبطة بالأجهزة الأمنية لهذه الدول التي تشكل المرجعية والقرار لهذه المجموعات .
مشيراً إلى أن المواجهة بين أهداف ومساقات المشروعين الجيوسياسية تحتم على المهزوم عسكرياً إذعانه لشروط الحل السياسي التي يفرضها الطرف المقابل .
فيما يعتبر الدكتور موفق محادين الباحث والخبير السياسي أنه بسبب الحجم المتواضع للمعارضه المدنيه في سوريا وهيمنة الجماعات الاجرامية التكفيرية، وقوامها من المرتزقه الاجانب، لم يعد هناك من خيار في سوريا سوى الخيار العسكري مع جماعات لا تؤمن أصلا بالحوار والتسويات .
وحذر محادين من أن الخيار العسكري هو خيار شائك بالنظر الى تعدد الأطراف الدولية الأطلسية والرجعية والصهيونية الراعية للإرهاب وجماعات المرتزقه المسلحه، وبالنظر إلى أن سوريا صارت حلقه مهمه من حلقات رسم مستقبل المنطقه وخرائطها، وهي الخرائط المبرمجه على إيقاع ما يعرف بحدود الدم والطوائف.
أمريكا: تقسيم سورية مقابل بقاء الأسد
في شهر نيسان من العام الحالي قدمت مؤسسة راند – أحد أهم مراكز التفكير المدعومة والقريبة من وزارة الدفاع الأميركية- خطة للحل في سورية تحت عنوان “خطة سلام من أجل سورية” وفق ما ذكر الكاتب الدكتور محمد أبو رمان في مقال له في جريدة الغد. وتنص الخطة على تخلي الإدارة الأمريكية عن تنحية الرئيس بشار الأسد، وتثبيت الهدنة مبدئياً، واعتبارها ضرورة أولى وشرطاً لنجاح المفاوضات السياسية؛ وتقسيم سورية إلى أربع مناطق.
ويرى الباحث العسكري اللبناني العميد المتقاعد أمين حطيط في حديث لـ نداء الوطن أن أمريكا دفعت نحو استراتيجيتها الخامسة في سورية بعد فشل الاستراتيجيات الأربعة السابقة. وهذه الاستراتيجية هي استراتيجية التقسيم، والتي تقوم على إنشاء قوى عسكرية تأتمر بإمرة أمريكا، وهي ثلاثة بشكل مباشر، هي قوات سورية الجديدة أو جيش سورية الجديد، وقوات سورية الديمقراطية، وجبهة النصرة عن الطريق التركي.
ويضيف حطيط أن هذه الاستراتيجية بدأ العمل بها في شباط 2016 وروّجت أمريكا لهذه الاستراتيجية على أساس أنها ستمكنها من فرض مشروع التقسيم، ولهذا السبب ألقت أمريكا بثقلها بدعم خطة التقسيم عن طريق قوات سورية الديمقراطية، فأرسلت 2000 من قوات الأطلسي لدعم هذه الاستراتيجية. وحققت استراتيجيتها هذه عن طريق قوات سورية الديمقراطية بعض الإنجازات في بداية العملية لكن قراراً سورياً مدعوماً من محور المقاومة اتخذ بشكل حازم ومدروس أدى إلى توجيه قوات نحو تدمر، وقوات نحو حلب، والتحضير لمعركة حلب.
ويعتبر الخبير العسكري حطيط أنه كان من شأن ذلك أن يسقط الخط الأحمر الذي رسمته أمريكا بين البوكمال وعفرين، والذي كانت تعوّل على المنطقة شمال الخط لتكون منطلقاً للتقسيم. وصول القوات إلى مشارف الرقة وبدء التحضير لمعركة حلب، أسقط الخطة الأمريكية. وبالتالي بهذا التصرف بتنا أمام المشهد التالي: خطة التقسيم سقطت، أمريكا لا تستطيع أن تطلق عملاً عسكرياً جديداً الآن، سورية ومحورها مصرون على تطهير حلب، المعركة السورية تختصر الآن في حلب.
ويرى الباحث الدكتور موفق محادين في حديثه لـ نداء الوطن أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعولون على خلق حالة من البافر ستيت، المنطقة العازلة، شبيهة بحالة إسرائيل في المنطقة. حيث يعول هذا المعسكر على العصابات التكفيرية لداعش والنصرة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي الرجعي في استكمال هذا البافر ستيت. لافتاً إلى ما كررته مقررات مؤتمر هرتسليا الصهيوني الأخير لحضور ممثلين عن أطراف المعسكر المذكور، حول ضرورة كسر المحور الذي يمتد من المجالات الحيوية للبركس وتجمع شنغهاي مرورا بايران وانتهاء بساحل البحر المتوسط عبر سوريا وحزب الله .
ويعتبر محادين أن قوات سوريا الديموقراطية تلعب دور مماثلاً ولكنه دور محدود، فالبافر ستيت المطلوب بافر ستيت طائفي لا قومي، وذلك دون أن نقلل من شأن المحاولات الأمريكية الصهيونية لاستخدام الورقة الكردية في إطلاق حاله تشظي أخرى في عموم المنطقة. ويعتقد الدكتور موفق محادين أنه وبالمحصله فالحرب لا تزال أبعد من أن تضع أوزارها قريباً، لكن منحنى العمليات العسكرية يميل يوماً بعد يوم لصالح سوريا وتحالفاتها .
ويتفق الدكتور عصام مع ما ذهب إليه كل من حطيط ومحادين، معتبراً أن فرص خيار التقسيم تراجعت ، وسَيُمنع تطبيق خيار التقسيم بالنار، بالرغم من أن هذا هو جوهر المشروع الأمريكي – الصهيوني والهدف الاستراتيجي الذي يفسر كل السلوك السياسي والعسكري الأمريكي طوال عمر الأزمة وحتى الآن.
من الناحية العسكرية يبدو أن دمشق وحلفاءها الإيرانيين وحزب الله مصممين على إنهاء ملف حلب قبل الدخول في أية مفاوضات أو هدنة، وذلك لقناعتهم أن حلب هي عنوان حسم الأزمة السورية وإجبار المعسكر المقابل على العودة لطاولة المفاوضات وفق الشروط التي فرضتها العطيات الجديدة على الأرض.