فكر

من صدمة الحضارة إلى صدمة التخلف

ابتداءً فإن تعبير (الصدمة) تعبير إشكالي ينطوي على الاستخفاف بأمة ما وبتاريخها ومساهماتها الحضارية بقدر ما ينطوي على قدر من التشخيص الموضوعي.

وإذا كان الوجه الأول يمثل شكلًا من المقاربات العنصرية في مرحلتها الأنثروبولوجيةوالاستشراقية، كما في مراحلها اللاحقة (الداروينية الاجتماعية والمركزية الأوروبية)، فإن الوجه الثاني ينطلق من الغيرة وحث الأمة على النهوض من سباتها والقوى المعيقة لهذا النهوض.

وفي كل الأحوال فإن الصدمات التي مرت بها الأمة وفق القراءات المختلفة، صدمات متباينة في طبيعتها ودلالاتها وفي استهدافاتها وتداعياتها،ومنها:

  1. كانت الصدمة الأولى الموصوفة بصدمة الحضارة، قد ترافقت مع الحملة الفرنسية والبعثات التالية إلىفرنسا، وقد أخذت بعد (الصدمة الحضارية) بسبب النتائج والمظاهر الكارثية للتخلف الناجمة عن قرون السيطرة العثمانية وممثليها من المماليك.

كماارتبطت باهتمام خاص من فرنسا الاستعمارية بمصر فيما عرف (بالولع المصري) للفرنسيين، فلم يحمل نابليون إلى أوروبا نفسها كما حمل معه خلال احتلال مصر بما في ذلك المثقفين والرسامين والعلماء والمعماريين وكذلك المطبعة وأدوات صناعية متطورة.

وقد أظهرت الدراسات أن (جماعة السان سيمونيين) المتحمسينلمزيجمن التصنيع وتحويل الرقّ في الإقطاع العثماني المملوكي إلى قوة عاملة، كانوا خلف هذا الولع فعلًا عما قيل حولهم من اهتمامات ماسونية حول مركز مصر في الحضارة الكونية.

ويبدو أن الصدمة المذكورة سرعان ما تلاشت عندما ارتدت فرنسا نفسها عن مشروعها وتخلت عن دعم محمد علي في حروبه المشرقية بعد أن دعمته في إحداث ثورة صناعية برجوازية داخل مصر.

فمع تراجع فرنسا وحلول بريطانيا مكانها أخذ الاقطاع في مصر شكلًا جديدًا ترافق مع (انتعاش)الخطاب السلفي.

  • الصدمات التالية التي واجهتها الأمة كانت صدمات سياسية تمثلت في عدة محطات:
  • كذبة وعود الاستعمار البريطاني بدعم العرب من أجل إنشاء دولة موحدة في المشرق العربي مقابل مشاركتهم في الإجهاز على الرجل التركي المريض وإمبراطورية الإقطاع العثمانية التي جثمت على صدور العرب قرونًا من الزمن.
  • نكبة (1948) وسقوط فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني بدعم أوروبي أمريكي.
  • هزيمة حزيران (1967) وسقوطالمزيد من الأراضي العربية تحت الاحتلال الصهيوني ثم اندلاع المقاومة.
  • سقوط بيروت (1982) وبغداد (2003) ونجاح المقاومة اللبنانية والعراقية بطرد المحتلين الصهاينة والامريكان واسقاط (صدمة الترويع) التي انتهجها العدوان في المرتين لفرض استسلام على العرب.
  • مقابل كل ما سبق من صدمات حضارية وسياسية فإن (الصدمة المروعة) حقًا هي صدمة التخلف التي طالت هذه المرة سيكولوجيا الأعماق في الشارع العربي وأعادت الأمة إلى عهود الظلام الاقطاعي العثماني ونوستالجيا الأموات وحنين الرقّإلى زمن الباب العالي وصورة الجواري مع العبيد وسياط فرسان الجباية العثمانية.

وتساعدنا كتابات فرويد وخاصة في الطوطم والتابوتإلى استجلاء هذه الاستدعاءات، كما هي واضحة ونافذة في أيامنا هذه، حيث يتحول (قتل الأب) (العثماني) والاستيلاء على حريمه وجواريه وقطعانهإلى ندم مركب شخصي وجماعي، سلبي عبر الإخصاءالروحي (استعادة روح وثقافة العبد) وعبر هذيانات قطيعيه غاشمة تصيب بالسعار كل من حولها.

فتتحول النستالوجيا إلى ترميزات معروفة تنتقل من اللاشعور إلى أحلام اليقظة، ومن العام المبهم إلى اسقاطات محددة، على هذا الزعيم أو ذلك مثل إردوغان كصورة للأب القتيل.

بواسطة
د.موفق محادين
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى