محادين والزرو وخضر يتحدثون لنداء الوطن عن بلفور ووعده المشؤوم
قدّم كل من الكاتب الدكتور موفق محادين الرئيس الأسبق لرابطة الكتاب والأستاذ نواف الزرو الباحث المختص بالشؤون الفلسطينية والرفيق عبدالعزيز خضر مسؤول لجنة الرقابة في حزب الوحدة الشعبية المداخلات التالية الخاصة لنداء الوطن حول الذكرى الــ 98 لوعد بلفور الذي يصادف اليوم.
الأستاذ نواف الزرو
اذا كان وعد بلفور قد منح بلادنا للدولة الصهيونية، وانتج النكبة والتهجير والتضحيات والمعاناة الفلسطينية المفتوحة منذ ذلك الوقت، فان الاجماع السياسي الاسرائيلي اليوم على ضرورة”اجبار الفلسطينيين والعرب على الاعتراف باسرائيل دولة يهودية نقية”، انما يراد من ورائه استكمال وعد بلفور، واستكمال تهويد فلسطين، وشطب القضية الفلسطينية بكافة عناوينها وحقوقها التاريخية والحضارية والتراثية، لصالح تلك الرواية الصهيونية المستندة الى الاساطير المزيفة التي تعتبر ان”فلسطين هي ارض الميعاد لشعب الله المختار –اليهود، بناء على وعد الهي”..!.
صراع مفتوح حتى التحرير
فالحاصل الاستراتيجي في المشهد الفلسطيني اليوم، في ظل كل هذه الوعود والمؤامرات البلفورية، وفي ظل تكاثر بلافرة النكبة والتشريد والتهويد، ان فلسطين العربية من بحرها الى نهرها عبر التاريخ، تتحول هكذا، بفعل البلافرة، الى بلاد صهيونية، والحقوق العربية التاريخية في فلسطين، باتت تختزل اليوم في عملية مفاوضات عقيمة، لم يكن من شأنها وتداعياتها سوى اهدار الوقت، وتمدد وتكريس الاستعمار الاستيطاني، والمطالب العربية بالتحرير الكامل لفلسطين، تتقلص كل يوم، لتغدو بحجم قطعة من مساحة الضفة الغربية، وحق العودة لملايين اللاجئين، بات اليوم في مهب الرياح الصهيونية، بل ان المدينة المقدسة، اخذت تتحول هويتها العربية الاسلامية، الى هوية صهيونية يجري ادلجتها وتغطيتها بالاساطير التوراتية، فالقدس تتهود بنصوص توراتية على مرأى من العالمين العربي والاسلامي.
والحاصل الاستراتيجي اليوم ايضا، ان كل القرارات الاممية المتخذة في القضية الفلسطينية، لصالح العودة واقامة الدولة، تساقطت تباعا بفعل السطوة الصهيونية-الامريكية على هيئة الامم المتحدة، فبات حتى مجرد التوجه الفلسطيني للامم المتحدة لنيل الاعتراف ب”دولة غير عضو-تصوروا…!-يقيم الدنيا الصهيونية-الامريكية والاوروبية ولا يقعدها، اعتراضا على هذه النية الفلسطينية ..!.
لا شك ان كبرى الكبائر العربية هنا، ان الدول والسياسات العربية الرسمية، تأقلمت مع الامر الواقع البريطاني اولا، ثم الامريكي الصهيوني ثانيا، لتنتقل في السنوات الاخيرة ثالثا، من موقع اللاءات الى موقع النعمات، في التعاطي مع المشروع الصهيوني وتفريخاته التهويدية على الارض.
فلم يكن “الوعد البلفوري”ليرى النور، ولم تكن فلسطين لتقسم وتضيع وتغتصب وتهوّد، لو تصدى العرب آنذاك للوعد ولمشروع التقسيم البريطاني – الصهيوني كما يجب.
ما يعيد القضية والاوضاع كلها الى بداياتها، ففلسطين تبقى عربية رغم التهويد الجارف، ورغم بلفور والبلافرة الجدد، والصراع سيبقى مفتوحا حتى التحرير، والبشائر في ذلك كثيرة متزايدة.
موفق محادين
ترافق وعد بلفور مع اتفاقية سايكس بيكو وقوى الاستعمار القديم وتمزيق سوريا الطبيعية ” والمشرق العربي خصوصاً والوطن العربي عموماً. وقد لاحظ المفكر والقائد السياسي انطون سعادة أنه كلما تقدم مشروع وعد بلفور (المشروع الصهيوني) خطوة في فلسطين المحتلة في الإطار العدواني التوسعي المعروف بإسم (إسرائيل الكبرى)، جرى قضم قطعة أخرى من سوريا الطبيعية. فمن تقسيم بلدان الشام 1920 إلى أربعة كيانات، سوريا الحالية، جبل لبنان، إمارة شرق الأردن، وفلسطين في الانتداب البريطاني مقدمة لتسليمها للغزوة الصهيونية. إلى تكبير (جبل لبنان) بأراضي سورية نهاية عشرينيات القرن الماضي، إلى سلخ الإسكندرون من قبل الاستعمار الفرنسي ووضعها تحت الاحتلال التركي، إلى قضم أراضي سورية أخرى وضمها إلى لبنان الكبير 1943، إلى احتلال الجولان السوري 1967.
يضاف إلى ذلك الآليات والوظائف الأخرى للكيان الصهيوني في المنطقة وعلى رأسها تشكيل رأس حربة في المصالح الإمبريالية وأدواتها من الرجعيات العربية وإعادة إنتاج دول سايكس بيكو كبُنىً اجتماعية وهويات فرعية تقطع الطريق على آمال الوحدة والهوية القومية وبناء مجتمعات مدنية معاصرة.
ذلك ما شهده القرن العشرون المعروف أيضاً بحقبة النفط والذي يمكن تلخيصه بالمعادة التالية: دولة وعد بلفور – دول سايكس بيكو – النفط – الهويات الفرعية بإسم (الخصوصيات الوطنية) وثقافة الحرس البيروقراطي القديم بكل تعبيراتها.
اليوم وبعد مرور عقد ونصف على القرن الجديد أو (حقبة الغاز) والثورة المعلوماتية والاستعمار الجديد تترافق محاولات العدو الصهيوني لتجديد نفسه ووظيفته الإقليمية مع بدائل أخرى لدولة سايكس بيكو المتهالكة والغاربة أو الآفلة. فمع يهودية الدولة وعلى إيقاعها، أطلقت دوائر الموساد والاستخبارات الأطلسية والرجعية العربية والعثمانية الجديدة، أشكالاً من إسلاموية متوحشة تكفيرية تشكل التوأم الأيديولوجي والسياسي مع تل أبيب.
وتحت عنوان وذريعة مواجهة الفساد واحتكار السلطة، أطلقت أوسع حملة أو عملية استخباراتية صهيونية إسلاموية لتفكيك (الدولة القطرية العربية) واستبدالها بأشكال من الكانتونات الطائفية، كما رافقها استبدال روافع ونواظم الدولة العربية القطرية مثل الجيوش والطبقة الوسطى والهويات الجامعة الهشة، بأشكال من المليشيات الإجرامية والخطابات التكفيرية والدهماء.
وكما ظلت الدعوة للوحدة القومية بمقاربات تقدمية علمانية مقاومة ضد دولة وعد بلفور وسايكس بيكو والاستعمار القديم، فإن هذه الدعوة تتكرر اليوم لمواجهة المستجدات الجديدة ولا بديل عنها.
الرفيق عبدالعزيز خضر
للأسف حالنا لم يتغير كثيراً منذ وعد بلفور حتى اللحظة، بل بات أسوأ مما كان عليه، ففي ذلك الوقت كنا نشتم بريطانيا على وعدها وفعلتها، والآن بات الاعتراف بالعدو الصهيوني بعد أن أصبح له دولة مجرد وجهة نظر لا يخجل الكثير من العرب منها ولا حتى بعض الفلسطينيين. بريطانيا التي كانت منتدبة على فلسطين آنذاك من قبل عصبة الأمم تجاوزت حدود التفويض وفعلت ما فعلت لتمكين العصابات الصهيونية من إتمام الجريمة باغتصاب فلسطين وتشريدأهلها وإقامة الكيان الموعود فوق أرضها، كل ذلك بتواطؤ مفضوح مع الدول الاستعماريةآنذاك ومن خلفهم الأمم المتحدة، وبين جريمة بلفور واعتذار توني بلير عن احتلال أو تدمير العراق، خيط رفيع يصل بين تاريخين من العار الذي يجلّل جبين بريطانيا، فإن كان اعتذر عما فعل بالعراق وذرف عليه دموع التماسيح، فإن جريمته بحق شعبنا الفلسطيني لا زالت بدون اعتراف بها، او اعتذار عما ألحقته بنا وبأمتنا من خراب ودمار وتفتيت وفرقة وتخلّف ونهب لثرواتنا واستلاب لقرارنا الوطني المستقل وصناعة أنظمه عميلة رهنت مستقبلنا ومقدراتنا للرأسمالية العالمية.
بريطانيا هي الاستعمار الأسوأ بالتاريخ، وهي سبب معظم المشاكل العالمية فلم تترك مستعمرة من مستعمراتها القديمة قبل أن تزرع فيها فتنة متنقلة تتوارثها الأجيال، فبريطانيا كما يقال بالأمثال مثل البرد سبب كل علّة وجبينها مكلّل بالعار على فعلتها بشعبنا الفلسطيني وما فعلته بالعراق .
بريطانيا لم تكتفِ بالوعد، فطيلة المدة الفاصلة بين إطلاقه وإعلان قيام الكيان الصهيوني، عملت بريطانيا على المحاور التالي:
1_ تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين دون قيود ودعم بناء القرى الزراعية اﻻستيطانية الكيبوتسات.
2_ تسهيل عمليات شراء وبيع الأراضي عن طريق السماسرة والعائلات الإقطاعية السورية واللبنانية وتمكين اليهود منها.
3_ تسليح العصابات الصهيونية كالهاجاناه وشتيرن والأرغون وغيرها وتدريبها تمهيداً لتسليمها السلطة عند انسحابها المبرمج مع ترك معظم سلاحها لهم.
4_ قمع الشعب الفلسطيني وضرب اقتصاده الوطني ونزع سلاحه مهما كان نوعه وتركهأعلاً أمام العصابات الصهيونيةأو بمستوى تسليحي أدنى.
هذه هي تجليات وعد بلفور على الأرض، وهكذا صنعت بريطانيا دولة للحركة الصهيونيةأو “اليهود” على اأرض الفلسطينية. وأما احتلال العراق الذي يعتذر عنه بلير فقد أسهمت به بريطانيا إسهاماً كبيراً عبر التضليل والتزييف الإعلامي وعبر التحريض المباشر للأمريكان طمعاً في حصة من كعكة مستعمرتها السابقة.
بريطانيا ذيل الإمبريالية الأمريكية الحالي ووريثتها في كل مستعمراتها السابقة عملت الكثير من أجل حشد التأييد لغزو العراق وإسقاط صدام حسين ونظامه كعادتها لها في كل عرس قرص وكما يقول المثل المصري بموت الزمار وايده بتلعب.