لمصلحة من تتم “شيطنة” صورة المقاومة؟! حزب الله نموذجاً
في صيف عام 2006، لم يكن شارع عربي يخلو من حديث مؤيدٍ للمقاومة الإسلامية اللبنانية ممثلة بـ “حزب الله”بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله، كترجمة معقولة لما يحدث على الأرض من حرب وقف بها الحزب طرفاً وحيداً في مواجهة الكيان الصهيوني بعدوانه على لبنان، فالصمود التاريخي للحزب طوال 34 يوماً، جعلت منه رمزاً مقاوِماً يحظى بتأييد شعبي عربي، انعكس بوضوح في المسيرات المؤيدة التي خرجت في العديد من العواصم العربية، حاملة رايات حزب الله، وهو ما شكّل لاحقاً حالة من القلق لدى الكيان الصهيوني وحلفائه.
لاحقاً، بدأت وسائل إعلامية تذكّر فجأة بالمرجعية الدينية والمذهبية للحزب، وباستناده للمذهب الشيعي، ومن ثم الترويج تدريجياً للمخاوف على السنة في المنطقة، ما انعكس على نقاشات المواطن العربي اليومية، حتى ظهر ذلك جلياً في الشارع بعد 4 أشهر فقط من انتصار الحزب على الكيان، عندما خرجت مسيرات منددة بإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين؛ حاملة معها شعارات تتهم حزب الله والشيعة عموماً بالوقوف وراء الإعدام صبيحة عيد الأضحى لعام 2006. إعدام صدّام وما روّجته وسائل إعلامية من اتهام للشيعة، أدخل العراق في مرحلة جديدة من العنف، لكن على أساس طائفي هذه المرة، لحقته في ذلك سورية فالبحرين فاليمن، وبات الخوض في الخلفيات المذهبية نقاشاً مألوفاً للمواطن العادي الذي لم يكن يسبق له التفكير بذلك، ما زعزع من متانة الموقف الذي كان مؤيداً لحزب الله، إثر تصاعد العداء لإيران شعبياً، وباتت حماية السنة من “خطر الهلال الشيعي” واجباً يتبناه الكثيرون ممن كانوا غير آبهين مسبقاً للخلفيات الطائفية، حتى اعتنق البعض مبدأ “المسلم شيعي أخطر على المسلم السني من دولة الاحتلال الصهيونية!”
انقسام طائفي.. برعاية أمريكية
لم يخدم كسر التأييد للحزب “وشيطنته” أحداً كما خدم الكيان والولايات المتحدة التي “سعت” لذلك باعترافها بحسب الباحث والكاتب اللبناني قاسم قصير، مؤكداً أنهما لعبتا الدور الأساسي وراء “تشويه وشيطنة” صورة الحزب عقب حرب تموز عام 2006، بالأخص “بعدما رفعت صور حسن نصرالله في الميادين العربية” .ويُذكر قصير في حديثه لنداء الوطن من بيروت، بالإفادة التي أدلى بها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط والسفير الأمريكي السابق في لبنان جيفيري فيلتمان في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2010، والتي أكد بها إنفاق الولايات المتحدة مئات الملايين داخل لبنان لغايات تشويه صورة حزب الله والحد من النظرة الإيجابية له من قبل الشباب اللبناني. تصريحات قصير تتوافق مع ما يلمح له أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك د. وليد عبد الحي من استهجان لتضخيم الخطر الشيعي في المنطقة، مع أن “الشيعة منتشرون في أماكن عدة في العالم دون أن يتشكل تجاههم ذات العداء والخوف“! ويضرب أستاذ العلاقات الدولية بجمهورية أذربيجان مثالاً، موضحاً أن 87% من سكان الجمهورية من الطائفة الشيعية دون أن يكون ذلك يشكّل أي قلق، “بل بالعكس، في الأزمة الأذربيجانية الأرمينية إيران سلّحت أرمينيا السنية وتركيا سلحّت أذربيجان الشيعية“. إلا أن عبد الحي يربط ” تشويه صورة حزب الله ” بالعداء القديم مع إيران، والذي تصاعد بعد الثورة الإيرانية خوفاً من تقديم نموذج سياسي قد يصبح جاذباً لقطاعات من شعوب المنطقة.
أدوات التشويه
عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية فايز الشريف يوضح بأن ما جرى من ترسيخ “للانقسام الطائفي الذي تعمق وتزايد مع الأزمة السورية” قادته وسائل إعلامية يديرها الغرب، بعدما كرّس الإعلام “حزب الله” كطرف أساسي في معادلة الانقسام، “نتيجة لمبادئه كونه في محور المقاومة، وتمسكه بموقفه الإستراتيجي من الصهيونية وأمريكا، بالإضافة إلى كونه لا يزال رقماً صعباً ليس من السهل تجاوزه“. ولا يستغرب الشريف من “الإعلام السائد التابع للغرب” محاولته التأثير على شعبية الحزب، معتبراً أن “أي تغيير في مواقف السيد حسن نصرالله لصالح الغرب سنشهد بعده مباشره تغييراً في الخطاب الإعلامي في المنطقة الذي سيزيد من شعبيته“.
الطائفية خدمة لـ يهودية الدولة
من وجهة نظر من يبررون العداء لحزب الله حالياً، فإن الحزب تخلّى عن موقفه وعدائه للكيان الصهيوني، بحسب ما يقول النائب في البرلمان الأردني خليل عطية، الذي يوضح بأنه كان مؤيداً للحزب عندما كان يحارب الكيان، لكن تدخله في سورية ومنعه اختيار رئيس وزراء لبناني وقيامه بحرب معلنه ضد السنة أدت لتراجع التأييد له”، بحسبه.لكن عبد الحي يستغرب تصاعد الخطاب الطائفي في المنطقة، مع تناسي العدو الحقيقي لها، متسائلاً عن سبب تناسي ما قدمته إيران من دعم مادي للمقاومة الفلسطينية في المعركة مع العدو، ” إيران كانت تدفع سنوياً 250 مليون دولار لحركتي حماس والجهاد لدعم المقاومة” بالرغم من كونهما واجهتين للمقاومة السنية”، متسائلاً عبد الحي ” لماذا نتناسى ذلك؟” وبحسب عبد الحي، فإن تقسيم المنطقة على أساس طائفي كما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية من خلال ما عرف بـ “الشرق الأوسط الجديد”، يتلاءم تماماً مع الدعوات الصهيونية والغربية لإنشاء دولة على أساس عقائدي يهودي. وبطبيعة الحال، سيؤدي قبول المواطنين العرب للتقسيمات الطائفية إلى تسليمهم بيهودية الدولة كمبدأ شرعي لوجود الكيان الصهيوني.
حزب الله انتصر في تموز مرتين، عندما ألحق الأضرار في عمق الكيان الصهيوني أولاً، وبكسره أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” أمام المواطن العربي ثانياً، مثبتاً بأن النصر قد يكون خياراً محققاً بعدما كان حلماً مستحيلاً، ليفسح المجال أمام المواطن العادي في تونس بأن يهنئ أخاه باليمن عن نصر تحقق جنوب لبنان. اليوم، بات الحزب في مواجهة معركتين، الأولى وهي معركة المقاومة الثابتة ضد العدو، والثانية في طمس مخلفات الصهيونية بتشويه صورته وشيطنتها باستخدام الأدوات الطائفية، أملاً في عودة “الخوف والرهبة” من صورة الكيان، ولإعادة المواطن العربي لمربع اليأس والتسليم بخيارات السلام لا المقاومة.