لماذا الفتور الخليجي بشأن القمة مع أوباما؟
قبل 37 عاماً «بارَك» منتجع «كامب ديفيد» الرئاسي في ولاية ميريلاند على بعد 100 كيلومتر من العاصمة واشنطن، الاتفاقية التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن.
منذ ذلك الحين، بات اسم المنتجع الشهير الذي يحمل اسم حفيد الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة دوايت أيزنهاور، يرمز إلى تلك الاتفاقية التي وصفها وزير الخارجية المصري الاسبق محمد إبراهيم كامل بـ «مذبحة التنازلات».
تلك هي الصورة التي ترتبط بـ «كامب ديفيد»، الذي يترقّب بعد غد الخميس، قِمةً أميركية ـ خليجية، تسبقها اجتماعات يوم غدٍ الأربعاء في البيت الأبيض، سيغيب عنها أربعة من قادة دول الخليج، على رأسهم الملك السعودي سلمان، الذي سيحلّ مكانه ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان، ليقتصر بذلك الحضور الخليجي من الصف الاول على أميري الكويت صباح الأحمد الصباح وقطر تميم بن حمد.
وبالإضافة الى الملك سلمان، سيغيب عن قمة «كامب ديفيد» كل من سلطان عُمان قابوس بن سعيد، الذي سيمثله نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الذي سيمثله ولي العهد سلمان بن حمد. أمّا عن الجانب الاماراتي فسينوب عن الشيخ خليفة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.
هذا الغياب المفاجئ عن القمة التي دعاهم اليها الرئيس باراك أوباما لطمأنة الخليجيين بشأن الاتفاق النووي بين ايران والغرب، أثارت ضجة في الصحافة الأميركية التي سارعت الى تحليل أبعادها.
وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الى أن قرار الملك السعودي يعتبر دلالة واضحة على عدم رضاه عن سعي الرئيس باراك أوباما إلى علاقات أفضل مع إيران.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين عرب قولهم إنّهم يعتبرون أنّ قرار سلمان بعدم الحضور الى «كامب ديفيد»، إنّما هو دلالة على إحباطه تجاه ما كان يستعد البيت الأبيض إلى عرضه خلال اجتماع القمة، وهو تأكيد دعم واشنطن لحلفائها العرب ضدّ الدور الإيراني المتصاعد في الشرق الأوسط.
ولا بد من التذكير بأن أوباما حدد ما يشبه إطاراً لجدول أعمال «كامب ديفيد» حين قال، في مقابلة مع الصحافي طوماس فريدمان في الخامس من نيسان الماضي، أي عقب توقيع الاتفاق الإطاري بين ايران ومجموعة «5+1»، إنّه سيُجري «حواراً صعباً» مع الخليجيين، معتبراً أن أكبر خطر يتهدّدهم ليس التعرّض لهجوم محتمل من إيران، بل السخط داخل بلادهم بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين من العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم. وأكّد أنّه يتعين عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية والأزمات الإقليمية.
ويبدو أن تصريحات أوباما قد أثارت غضب الخليجيين، في وقت اعتبرت مصادر خليجية أن توقيت هذه التصريحات «لم يكن مناسباً».
وفي تقرير نشرته «نيويورك تايمز» في وقت متأخر أمس الأول، أوضح مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية أنّ سلمان أعرب خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في الرياض يوم الخميس الماضي، عن تطلّعه إلى حضور القمة، ولكن في مساء الجمعة الماضي، وتحديداً بعد إعلان البيت الأبيض أنّ أوباما سيلتقي الملك في واشنطن، تلقّى مسؤولون في الإدارة الأميركية اتصالاً من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يؤكد فيه عدم حضور سلمان.
مسؤولون عرب شاركوا في تنظيم الاجتماع قالوا لصحيفة «وول ستريت جورنال» إنّ أيّ تقدم لم يتحقق في تضييق الخلافات مع واشنطن بشأن قضايا مثل إيران وسوريا، «لجعل رحلة حاكم السعودية تستحق كل هذا العناء».
ويعتبر نائب رئيس «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» جون ألترمان أنّ غياب سلمان عن تلك القمة، يعبّر عن تجاهل، لكنّه يشير إلى أنّ غيابه «يحمل في طياته فرصة خفية، لأن مسؤولي واشنطن ستكون لديهم فرصة استثنائية لأخذ انطباع عن محمد بن سلمان».
غير أن ألترمان يشرح ذلك باعتباره «إشارة واضحة إلى البيت الأبيض، خصوصاً عندما يقول أحد الشركاء إنّ لديه ما هو أهم من الذهاب إلى قمة كامب ديفيد للقاء أوباما».
قرار الملك السعودي عدم حضور القمة لا يعني أن السعودية تخلّت عن الولايات المتحدة، وذلك لأنّه ليس لديها بديل من واشنطن، وفقاً لكريم سجادبور من «معهد كارنيغي للسلام الدولي». وبحسب سجادبور فإنّ «ثمة اعتقاداً متزايداً في البيت الأبيض أنّ واشنطن والرياض صديقتان لكنهما ليستا حليفتين.. بينما تتجه واشنطن وطهران الى أن تصبحا حليفتين لا صديقتين».
التحضيرات لتلك القمة بدأها جون كيري بزيارة إلى الرياض، الأسبوع الماضي، تبعها لقاء تحضيري مع نظرائه الخليجيين في باريس. ووعد الوزير الأميركي خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي بـ «سلسلة من الالتزامات المتبادلة بين أميركا ودول مجلس التعاون، من بينها مبادرات أمنية جديدة سوف تنقلنا إلى وضع مختلف عما كنا عليه في السابق».
لقاء كيري – سلمان، يوم الخميس الماضي، ناقش أجندة القمة، وفقاً لمسؤولين أميركيين أكدوا لـ «وول ستريت جورنال» أنّ الوزير الأميركي عرض خلال لقائه مع نظرائه الخليجيين إعطاء دول الخليج وضع حليف رئيسي «لا – أطلسي».
على أنّ أحد أهم أهداف قمة «كامب ديفيد» سيكون تشكيل بنية دفاع مشتركة في الخليج تشمل «مكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن الإلكتروني ومنظومات الدفاع البالستية المضادة للصواريخ»، وفقاً لمسؤول خليجي.
في السياق ذاته، يؤكّد مسؤولون في الإدارة الأميركية أنّ المسؤولين العرب مارسوا ضغوطاً من أجل توقيع معاهدة دفاع مشتركة بين الولايات المتحدة ودول الخليج لحمايتهم من أي تهديدات خارجية.
ولكن القبول بالتزامات دفاعية إضافية سيحمل، على الجانب الآخر، خطر تورّط الولايات المتحدة في صراعات جديدة في المنطقة، فيصبح في حكم المؤكد أنّ أوباما لن يصل إلى حدّ إبرام معاهدة أمنية كاملة مع السعودية أو أي دولة خليجية أخرى، لأنّ ذلك سيتطلّب موافقة الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، إلى جانب أنّه يمثل مجازفة بتأجيج التوترات مع إسرائيل الحليف الرئيسي لواشنطن.
ولأنّ دول الخليج تخشى أن يغلّف أوباما أيّ تعهدات أمنية جديدة بالغموض، فقد أوضحت أنها تريد ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة.
ويعتقد مسؤولون عرب أنّ جدول أعمال القمة ليس فيه ما يُبدّد مخاوف الخليجيين تجاه إيران. «إنّ دول الخليج كانت تأمل توقيع معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن على غرار كوريا الجنوبية واليابان»، وفقاً لما نقلته عنهم «وول ستريت جورنال».
أما رغبة دول الخليج شراء أسلحة أميركية متطورة، فدونها الكثير من العقبات، خصوصاً أنّ الهدف يبقى أولاً وأخيراً الحفاط على تفوّق إسرائيل العسكري، وهو ما يجعل الولايات المتحدة مضطرة إلى وضع قيود على نوعيّة الأسلحة التي تبيعها للدول العربية.
وتسعى كل من السعودية والإمارات وقطر إلى الحصول على أسلحة متطورة تتضمّن معدّات المراقبة وصواريخ «كروز» وطائرات من دون طيار، إلى جانب أنّها أبدت رغبتها في الحصول على مقاتلات «أف 35».
لكن واشنطن ستتمسك بقرارها حجب مبيعات مقاتلات «أف 35» من تصنيع شركة «لوكهيد مارتن»، التي وعدت بتسليمها لإسرائيل العام المقبل.
كما أنّ إدارة أوباما تشعر بالقلق بشأن أوجه القصور في قدرات العمليات المشتركة لدول الخليج والتي كشفت عنها الحرب التي يقودها «التحالف» على اليمن، وإخفاقه في تغيير المعادلة الميدانية التي بقيت لمصلحة «خصومه».
ويعتبر قرار سلمان، بحسب «وول ستريت جورنال»، مؤشراً على أنّ الدول العربية ليست على الموجة الأميركية ذاتها، وستستمر في التحرك منفردة بهدف التصدي لإيران، تماماً كما فعلت في اليمن.