قرار نهائي لـ «اليونيسكو»… القدس الشرقية إسلامية
تبنّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، بشكل نهائي أمس، قراراً تقدّمت به فلسطين ودول عربية أعضاء في المنظمة، يؤكد أن القدس الشرقية «تراث إسلامي خالص» وأن لا علاقة لليهود بالمسجد الأقصى.
وجرى اعتماد القرار بعد تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة عليه بشكل نهائي، ليُصبح قراراً نافذاً لا رجعة عنه، على الرغم من الضغوطات الإسرائيلية الكبيرة على الدول الأعضاء بالمنظمة لثنيها عن دعم القرار.
وقال نائب السفير الفلسطيني في «اليونيسكو» منير انسطاس إن القرار «يُذكّر اسرائيل بأنها قوة محتلّة للقدس الشرقية ويطلب منها وقف جميع انتهاكاتها» بما في ذلك عمليات التنقيب حول المواقع المقدسة.
وينصّ القرار الذي تقدّمت به كلٌّ من فلسطين المحتلة والجزائر ومصر ولبنان والمغرب وسلطنة عُمان وقطر والسودان على «الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية، واعتبار المسجد الأقصى وكامل الحرم الشريف موقعاً إسلامياً مقدساً ومُخصّصاً للعبادة» وأن «ساحة البراق وباب الرحمة وطريق باب المغاربة أجزاء لا تتجزأ منه»، وأن «دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية هي السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد».
وكانت لجنة المدراء التابعة للمنظمة اعتمدت، الخميس الماضي، مشروع القرار بأغلبية 24 صوتاً في مقابل ستة أصوات معارضة وامتناع 26 عضواً عن التصويت وغياب ممثلي دولتين. لكنّ المديرة العامة للمنظمة ايرينا بوكوفا نأت بنفسها عن مشروع القرار، مُشدّدة على أهمية طابع القدس بالنسبة للمسيحية والإسلام واليهودية والتعايش بين الأديان السماوية الثلاثة الذي أدى إلى إدراج المدينة على قائمة التراث العالمي للإنسانية.
كما استبقت اسرائيل التصويت بتعليق تعاونها مع المنظمة الدولية، الجمعة الماضي، احتجاجاً على النصّ الذي اعتبرته يُمثّل «إنكاراً للتاريخ ويُعطي دعماً للإرهاب».
واعتبرت الحكومة الفلسطينية أن القرار «إنصاف وتأييد للحقّ الفلسطيني غير القابل للتصرّف»، مُحذّرة من أن يكون موقف بوكوفا مُقدّمة لحشد الجهود المناهضة للمنظمة الدولية وإخضاعها للضغوط الإسرائيلية.
كما اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» أن القرار «انتصار للقضية الفلسطينية ونسف للرواية الإسرائيلية بشأن الأقصى».
«اليونيسكو»: لا علاقة لليهود بـ«الأقصى»
في صفعة جديدة لمحاولات الكيان الإسرائيلي تزوير التاريخ وفرض حقائق مزيفة تلائمه على الفلسطينيين ومدينة القدس المحتلة، أقرّت لجنة المدراء التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، في باريس أمس، بأن لا علاقة أو رابط تاريخي أو ثقافي لليهود في مدينة القدس والمسجد الأقصى المُبارك، على أن يُصوّت المجلس التنفيذي للمنظمة، الثلاثاء المُقبل، على قرارين جديدين حول «فلسطين المحتلة».
وكانت اسرائيل بذلت جهوداً ديبلوماسية لمنع القرار، الذي قدّمته دولة فلسطين لمجلس المدراء التابع للمنظمة المكوّن من 58 دولة، أو تخفيفه، ولكنّها لم تنجح سوى بتغيير مواقف عدد قليل من الدول. وصوّتت 24 دولة لصالح القرار الفلسطيني في مقابل ستّ دول فقط عارضته، و26 دولة امتنعت عن التصويت فيما تغيبت دولتان.
وبشكل عام، تعتمد الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي، التصويت بنفس الطريقة كما حدث في اللجنة خلال الإقرار الرسمي للنصوص.
وحدّد القرار هوية المسجد الأقصى، وتضمّن بنداً خاصّاً يتعلّق بالحرم القدسي، ويعرض فيه المكان على أنه مُقدّس للمُسلمين فقط، من دون أي اشارة الى قدسيته بالنسبة لليهود.
كما لا يظهر في مشروع القرار أي ذكر لكلمات «جبل الهيكل» (Temple Mount)، وإنما يُكنّى فقط بأسمائه الإسلامية، المسجد الأقصى، والحرم الشريف. كما تُسمى منطقة الحائط الغربي باسمها العربي الاسلامي ـ ساحة البراق، التي سعت إسرائيل بشكل مستمر لتزوير هويته الإسلامية بإطلاق مسمى «حائط المبكى» عليه.
كما قرّرت المنظمة إرسال لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول مساس تل أبيب بالأماكن المقدسة للمسلمين في مدينة القدس المحتلة. واشار القرار الى اسرائيل باعتبارها «قوة احتلال»، كما جرى في القرار الذي اتخذه منتصف نيسان الماضي المجلس التنفيذي لليونسكو. لكن خلافا للنص الذي اقر في نيسان، فان القرار الجديد «يؤكد اهمية مدينة القدس القديمة واسوارها للديانات السماوية الثلاث» كما اشار مصدر ديبلوماسي فلسطيني.
وصوّت لصالح القرار الفلسطيني كلٌّ من البرازيل، الصين، مصر، جنوب افريقيا، بنغلادش، فييتنام، روسيا، ايران، لبنان، ماليزيا، المغرب، ماوريتسيوس، المكسيك، موزنبيق، نيكاراغوا، نيجيريا، عمان، باكستان، قطر، جمهورية الدومينيكان، السنغال، السودان.
وعارض القرار كلٌّ من الولايات المتحدة، بريطانيا، لاتفيا، هولندا، استونيا، المانيا.
ولم تدعم أي دولة أوروبية القرار الفلسطيني، حيث انتقلت فرنسا والسويد وسلوفينا إضافة لدول الهند والأرجنتين وتوغو، من موقف المؤيد إلى الممتنع عن التصويت فيما تغيّب ممثلوا جمهورية تركمنستان وصربيا. وكانت فرنسا واجهت انتقادات حادة من اسرائيل والطائفة اليهودية لدعمها القرار الصادر في نيسان، وهي امتنعت هذه المرّة عن التصويت.
نصّ القرار
وأكد المجلس التنفيذي في القرار المُدرج تحت اسم «فلسطين المحتلة»، بطلان جميع إجراءات الاحتلال التي غيّرت الواضع القائم بعد 5 حزيران العام 1967.
وبشأن المسجد الأقصى، أكد المجلس التنفيذي في القرار أن المسجد الأقصى/الحرم الشريف موقع إسلامي مقدس مُخصّص للعبادة للمسلمين، وأن باب الرحمة وطريق باب المغاربة والحائط الغربي للمسجد الأقصى وساحة البراق جميعها أجزاء لا تتجزأ من المسجد الأقصى/الحرم الشريف، ويجب على إسرائيل تمكين الأوقاف الإسلامية الأردنية من صيانتها وإعمارها حسب الوضع التاريخي القائم قبل الاحتلال عام 1967. وبيّن القرار أن هناك فرقاً بين ساحة البراق و»ساحة الحائط الغربي» التي تمّ توسعتها بعد عام 1967 ولا تزال قيد التوسعة غير القانونية المستمرة على حساب آثار وأوقاف إسلامية، كما طالب الاحتلال بعدم التدخل في أي من اختصاصات الأوقاف الأردنية الإسلامية في إدارة شؤون المسجد الأقصى، ووجه إدانة شديدة لاستمرار اقتحامات المتطرفين وشرطة الاحتلال وتدنيسهم لحرمة المسجد الأقصى.
وطالب المجلس التنفيذي بوقف اعتداء وتدخّل رجال ما يُسمى بـ»سلطة الآثار الإسرائيلية» في شؤون الأقصى والمُقدّسات. كما أكد على صون التراث الثقافي الفلسطيني والطابع المميز للقدس الشرقية، وأعرب عن أسفه الشديد لرفض إسرائيل تنفيذ قرارات «اليونيسكو» السابقة وعدم انصياعها للقانون الدولي، وطالبها بوقف جميع أعمال الحفريات والالتزام بأحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الخصوص، ووقف إعاقة وصول الفلسطينيين لمساجدهم وكنائسهم، مستنكراً الاعتداءات المتواصلة ضدّ رجال الدين المسلمين والمسيحيين.
وشدّد المجلس مجدداً على الحاجة العاجلة للسماح لبعثة «اليونيسكو للرصد التفاعلي» بزيارة مدينة القدس وتوثيق حالة صون تراث المدينة المُقدّسة وأسوارها.
وفي إطار حملتها الديبلوماسية الدعائية ضدّ مشروع القرار الحالي، وزّعت وزارة الخارجية الإسرائيلية صوراً لما زعمت أنها آثار قديمة تُثبت وجود علاقة تاريخية بين اليهودية والقدس عموماً وبين اليهودية والحرم القدسي خصوصاً، وأن الهيكل المزعوم كان قائماً في المكان الذي يتواجد فيه المسجد الأقصى اليوم.
ورأت الرئاسة الفلسطينية أن القرار «رسالة هامّة للولايات المتحدة بضرورة مراجعة سياساتها الخاطئة المتمثلة بتشجيع اسرائيل على الاستمرار باحتلالها للأراضي الفلسطينية، ولإسرائيل بضرورة إنهاء احتلالها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بمقدساتها المسيحية والإسلامية، وإنهاء سياستها التي لا تُساهم سوى في استمرار أجواء ومناخات سلبية انعكست على المنطقة، وهي مرفوضة من قبل المجتمع الدولي».
في المُقابل، وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يجري داخل المنظمة الدولية بـ «المسرح الهزلي السخيف». وقال: «مسرح العبث في اليونسكو مستمر واليوم تبنّت المنظمة قرارا مضللا آخر يقول إن الشعب الإسرائيلي ليس له ارتباط بجبل الهيكل والحائط الغربي، إعلان أن إسرائيل ليس لها علاقة بجبل الهيكل والحائط الغربي أشبه بالقول إن الصين ليس لها علاقة بسور الصين العظيم أو أن مصر ليس لها علاقة بالأهرام».