عن النكبة وصنائع الإمبريالية
مثلت النكبة الفلسطينية التجسيدَ الأساسيّ لوقع المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية، لكن هذا المشروع بات اليوم أكثر استفحالًا وخطرًا، لا على الفلسطينيين فحسب، بل على الوطن العربي ككل؛ فما بدأ بتشكيلاتٍ من العصابات الصهيونية بات اليوم جيشًا ومجتمعًا استعماريًا مسلحًا نوويًا، ويلعب أدوارًا متقدمة ضمن المنظومة الإمبريالية العالمية.
إنّ العجز العربي الجمعي عن إنهاء التهديد الصهيوني طيلة هذا القرن، أو عن إعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة بفعل النكبة منذ ٧١ عامًا، تفتضح أسبابُه اليوم في ظل الانكباب العربي على التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل ومحاولةِ إنتاجِ منظومة أمنية مشتركة تجمع في مظلتها بين النظم العربية والكيان الصهيوني.
بجانب الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية، قدم الشعب الفلسطيني من خلال كفاحه الطويل خدمة كبيرة لهذه المنطقة من العالم، فلقد وقف الصمودُ الفلسطينيّ الطويل كسدٍ منيعٍ أمام الاختراق الصهيوني للمنطقة العربية؛ وهو ما يتضح في ضوء السعي المتواكب لجهود تصفية القضية الفلسطينية مع جهود تصعيد أشكال الهيمنة الصهيونية، التي تستهدف البلدان العربية؛ فبينما تمضي النظم الأكثر رجعية في عالمنا العربي في جهودها المساندة لتصفية القضية الفلسطينية، والتبشير بما يُسمّى “صفقة القرن”، تفتح هذه النظم حدودَ بلادها أمام الأدوات الصهيونية وتُيسّر لها سبلَ تهديدِ المصالح الحقيقية لشعوب هذه الدول.
يمضي الكفاح الفلسطيني قدمًا، رغم كل ما يعترضه من صعوباتٍ وعثرات وتهديدات؛ من انقسامٍ وغيابٍ للإستراتيجية الوطنية، وضعفٍ عامٍ في البنية والأدوات السياسية الفلسطينية، وبينما يبدو أمام الشعب الفلسطيني فرصةً للصمود بواسطة هذا الكفاح، تبدو المنطقة مهددة أكثر في ضوء تعاظم مظاهر التبني الإمبريالي للمصالح والرؤى الصهيونية، بل وتحويل هذا التبني لبرامجَ للعدوان على دول المنطقة، تهدد اليوم إيران بعمل عسكري أمريكي.
هذا كله يستدعي إدراكًا أكثر عمقًا وجذريةً لما حدث منذ عام ١٩٤٨ على أرض فلسطين، حين ألقت المنظومة الاستعمارية بقاعدتها على أرض فلسطين، ثم تطورت هذه القاعدة لتشكل رأسَ الحربةِ في مرحلةٍ جديدةٍ من الهيمنة الاستعمارية في هذه المنطقة، عنوانُها إنهاءُ كلَّ شكلٍ من أشكال الاستقلالية الوطنية للشعوب، وتدمير كل بقعة رفض للهيمنة الإمبريالية في المنطقة كما في العالم.