عندما يوحد ترامب العالم! / ماجد توبة
بعد المعارضة شبه التامة دوليا على مستوى الحكومات والدول لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها، تظهر نتائج استطلاع دولي جديد للرأي العام على مستوى العالم، معارضة أخرى، لكن شعبيا هذه المرة، للقرار الأميركي الذي يناقض القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية.
الاستطلاع الذي تنشر “الغد” اليوم ملخصا لنتائجه وأعدته مؤسسة “غالوب” الدولية للدراسات والأبحاث ومقرها سويسرا، أظهر أن نحو ثلثي من استطلعت آراؤهم حول العالم يعارضون قرار ترامب، ويبدون تعاطفا مع الشعب الفلسطيني وحقه في عاصمته ودولته بوجه الاحتلال الإسرائيلي وداعمه الأميركي.
وأشار الاستطلاع ومعدوه إلى أن معارضة قرار ترامب لم تقتصر على الدول العربية والإسلامية بل تعدتها إلى شعوب دول تعد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة كالمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية، والتي قد لا تكون شعوبها معنية كثيرا بتفاصيل وتعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن الانحياز الأميركي الفاقع للاحتلال الإسرائيلي في ثنايا قرار ترامب وإدارته اليمينية المتطرفة لم يترك مجالا إلا لخلق معارضة واسعة على مستوى شعوب كثيرة، خاصة عند وضع هذا القرار الأميركي في سياق المتوقع من قرارات متطرفة وغريبة وعنصرية لترامب.
نعم؛ قد يكون من السذاجة اليوم المراهنة كثيرا على موقف الرأي العام الدولي الذي أظهرته نتائج الاستطلاع، لإسقاط قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، لكن هذه الواقعية لا تمنع من التأكيد على أهمية تبلور مثل هذه القناعات الشعبية الدولية تجاه الصراع مع أبشع وآخر الاحتلالات. كما أن مثل هذه المواقف تعزز من عزلة المواقف الأميركية المنحازة للعدوان والاحتلال وضد خرقها الفاضح للقانون الدولي، وهي تسند أيضا مواقف الدول والحكومات والمنظمات الأممية المعارضة للنهج الأميركي بنسف أسس التسوية والسلام في الشرق الأوسط باتخاذ مثل هذه القرارات اليمينية.
رغم ضراوة وخطورة قرارات إدارة ترامب الأميركية التي اتخذت ضد حقوق الشعب الفلسطيني أو التي يمكن أن تتخذ باتجاه قطع المساعدات وفرض المزيد من الحصار والخطوات العدائية في محاولة لتركيع هذا الشعب، فإن المواقف الدولية، رسميا وشعبيا ومن قبل المنظمات والمؤسسات الأهلية والشعبية العالمية، تخفف من وطء هذا الموقف الأميركي، بل وتعزله ويمكن للشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية البناء عليه، وتعزيزه بمزيد من الصمود والتمسك بالحقوق الوطنية المشروعة والشرعية الدولية وقراراتها، وبمزيد من المقاومة الشعبية، بكل أشكالها، على الأرض.
العالم اليوم أمام لحظة فارقة بتاريخ القضية الفلسطينية، حيث تلتقي حكومة أميركية يمينية متطرفة وهوجاء بحكومة إسرائيلية غارقة، هي الأخرى، في اليمينية والتطرف الدموي، حيث تلتقي إرادتاهما العدائيتان، في هذه اللحظة التي تميل فيها موازين القوى لصالح الاحتلال أمام التشرذم والضعف العربي، بمحاولة استغلالها لفرض حقائق على أرض الصراع ونسف الأسس التي تقوم عليها العملية السلمية وبالتضاد مع الشرعية التاريخية والدولية!
الشعب الفلسطيني، وكما كان دائما، قادر على إسقاط وإفشال إرادة الشر الإسرائيلية الأميركية التي تسعى لمصادرة حقوقه وأرضه ومستقبله، وهو لا يتسلح فقط بالحق والشرعية وقوة عزيمته وإيمانه بحقه بالاستقلال والتحرير، بل وأيضا يتسلح برأي عام دولي وشرعية دولية لا يمكن لهما أن يقبلا بشرعنة الاحتلال والعدوان وسياسات الأبارتايد والفصل العنصري.