عام على انتفاضة القدس
مرّ عام على الانتفاضة التي فجّرها الفلسطيني ذو الـ21 عاماً بعمليته في البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، في 2 تشرين أول 2015، لم يكن مهند حلبي يعلم أن ثأره لاستشهاد صديقه ضياء تلاحمة وزميله في جامعة القدس أبو ديس حيث يدرس، وعمليته البطولية التي أسفرت عن مقتل اثنين من الصهاينة وإصابة آخرين بجراح ستكون شرارة انتفاضة القدس، أو كما يُحب أن يُسميها البعض بانتفاضة السكاكين، وذلك نظراً لأن أغلب العمليات البطولية التي نفّذها وينفّذها الفلسطينيون تكون باستخدام السكاكين.
خلال عام، اتسعت رقعة الانتفاضة لتشمل مناطق متعددة في الضفة الفلسطينية المحتلة، وبعض المناطق في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48. وتنوّعت العمليات البطولية التي ينفّذها الشباب الفلسطيني بين عمليات طعن، أو دهس أو إطلاق نار، ولكن الطابع العام للانتفاضة كان عمليات الطعن، وهو الأمر الذي دفع البعض لتسمية هذه الانتفاضة – كما ذكرنا آنفاً – بانتفاضة السكاكين.
وتشير الإحصائيات أنه خلال العام المنصرم، أدت تلك العمليات البطولية ضد قوات العدو الصهيوني إلى مقتل ما يزيد عن 40 صهيونياً، وإصابة نحو 460. أما العمليات المختلفة التي شهدتها مختلف المدن الفلسطينية، والتي تنوّعت بين 123 عملية طعن، و27 عملية دهس و80 عملية إطلاق نار، فقد أسفرت عن استشهاد أكثر من 240 فلسطيني برصاص الاحتلال.(*)
استمرارية الانتفاضة والحاضنة الوطنية المقاومة
تتواصل المواجهات الأخيرة مع الاحتلال بشكل يومي، منذ عام، وعلى مدى شهور، واعتبرها البعض انتفاضة، والبعض الآخر اعتبرها اشتباك مع الاحتلال أو هبّة جماهيرية. تقول الأسيرة المحررة رلى أبو دحو لنداء الوطن؛ لتكن ما تكون المسميات ولكن جوهر هذه المسألة هو هذا الفعل المقاوم دون أية مقومات مقاومة سوى إرادة الفلسطيني المقاوم ورفضه للاحتلال، دون أي دم حقيقي من الحركة الوطنية الفلسطينية، التي من المفترض أنها أيضاً مقاومة، وتضيف؛ بالمقابل كانت هناك علامات فارقة من محاولات طعن ودهس واشتباك، منها المحاولة الأبرز للشهيد علاء أبو جمل، وعملية الشهيد بهاء عليان مع صديقه الأسير بلال غانم.
من جانبه يرى عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الرفيق أحمد مراغة، أنه ليس غريباً أن تكون هذه الانتفاضة متواضعة في أدائها كمّاً ونوعاً، لأنها لم تجد الإسناد الضروري لتتصاعد، وذلك نتيجة اختلاف ظروفها عن ظروف الانتفاضتين السابقتين، فهذه الانتفاضة محاطة بجملة من الاختلافات السياسية محلياً وإقليمياً؛ ابتداءً بسلطة الحكم الذاتي المتمسكة باستراتيجية التفاوض والتنسيق الأمني، وليس انتهاء بالإقليم العربي المنهك في صراعاته الدموية والذي بالكاد يستطيع إدارة أزمته الخاصة.
ويتابع مراغة، أن هذه الانتفاضة كما سابقاتها، تؤكد أن الشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم ما دام يرزح تحت ظل احتلال غاضب، ويقول: “إن الشعب الفلسطيني في انتفاضة دائمة، عمرها من عمر الاحتلال، وتختلف في زخمها باختلاف الظروف التي تحيط بها محلياً وإقليمياً”.
بدورها تُعلّق المحاضرة والباحثة في معهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت، رلى أبو دحو، أن المؤشرات لمن يعيش الواقع الاحتلالي الحالي والوضع الفلسطيني الداخلي لا تشير أن الأمور تتجه إلى الهدوء وإن بدت كذلك، بل إن حالة احتقان تسود في المجتمع الفلسطيني وهي ناتجة عن ممارسات الاحتلال القمعية المتصاعدة، والتضييقات وخنق الحياة اليومية للفلسطينيين، ويقابلها أداء سيء للسلطتين في غزة ورام الله، وبالتالي يُترجم هذا الاحتقان إلى هبّات متفرقة، ومع ذلك مستمرة، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة اشتباك مع قوات الاحتلال وارتقاء شهداء، وأيضاً على المستوى الداخلي، مثلاً قمع المسيرات في رام الله والمواجهات مع الأجهزة الأمنية في نابلس ومخيم بلاطة.
أما فيما يتعلق بدور الحركة الوطنية الفلسطينية في الانتفاضة، فيرى مراغة أن الانتفاضة الدائمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي نتاج الحركة الفلسطينية المقاومة بشكل مباشر أحياناً، وغير مباشر أحياناً أخرى، فالحركة الوطنية الفلسطينية تعيش أيضاً هي الأخرى حالة مد وجزر تبعاً للظروف السياسية المحيطة بالمنطقة؛ فمثلاً “في الانتفاضة الحالية كان هنالك عدد من الاستشهاديين المنتمين إلى فصائل المقاومة، بالإضافة إلى الجهد التعبوي والتحريض الشعبي الدائم الذي تمارسه الفصائل.
في ذات السياق، تقول الأستاذة أبو دحو أن السبب الكامن وراء عدم استمرار هذه الانتفاضة بشكل تصاعدي هو “الغياب التام للحاضنة الوطنية المقاومة لكل هذه المواجهات، وبالتحديد غياب التنظيمات عن هذا الفعل، وإن كان البعض حاول التواجد، وإن كانت القواعد الشبابية للكثير من التنظيمات حاضرة وبقوة في الميدان”، وترى أبو دحو، أيضاً، أن الحركة الوطنية الفلسطينية ليس فقط لم تساند الانتفاضة، بل لم تمتلك قوة المساندة للفعل الحاصل في الميدان؛ وهذا عائد لحالة الترهل والضعف حد الهشاشة التي تعاني منها الحركة الوطنية الفلسطينية، وحالة فقدان الحالة الحقيقية للنضال، والارتهان ضمن سقف سياسي سواء للسلطة أو لمنظمة التحرير المرتهنة أصلاً للسلطة وتنسيقها الأمني مع العدو الصهيوني.
مستقبل الانتفاضة… ومرحلة ما بعد عباس
وحول مستقبل انتفاضة القدس، يؤكد الرفيق أحمد مراغة؛ أن الانتفاضة مستمرة ما دام الاحتلال الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين وشعبها، وهذا ما أثبتته الأجيال المتعاقبة، فاستمرارية الانتفاضة، على حد تعبيره؛ “ضرورة أثبتت بأنها استنزاف لهذا العدو، رغم امتلاكه كل أدوات القوة، والعنف المبالغ في مواجهة الانتفاضة دليل قاطع على الرعب الذي يعيشه المحتل”.
ويتابع قائلاً؛ “نتطلع إلى تحسن الحالة الإقليمية، وزوال أسباب المشاغلة الغربية، الأمر الذي بدوره سينعكس على أداء الشعب الفلسطيني في مقاومته الدائمة للمحتل الصهيوني.
الأسيرة المحررة رلى أبو دحو، تقول إن مستقبل هذه الانتفاضة مرهون بأمرين؛ “إما بتحول جدي وجذري تجاه الفعل المقاوم لدى الحركة الوطنية؛ أي نفض أوهام الحلول السلمية وتجاوز أوسلو، والكثير من معايير العلاقة الفلسطينية والوطنية البيروقراطية، نحو إعادة بناء جدي لهذه الأحزاب والتنظيمات تكون رأس حربتها المقاومة فعلاً، وليس مجرد خطاب ممجوج فاقد الأهلية والصلاحية على الأرض”، والثاني؛ “أن يتبلور على الأرض من القاعدة الشبابية المنتفضة أدوات وإرادة فعلية تفرض موقف على تنظيماتها، أو تقود الطريق لتفتح مسار وصفحة تاريخ جديد للمقاومة الفلسطينية لا يكون سقفها أوسلو”.
وفي سياق متصل، تتابع أبو دحو؛ نحن في حالة ترقّب منذ أوسلو وحتى الآن، “المسألة ليس لها علاقة بالفرد، أي بشخص الرئيس محمود عباس، بل بمجمل البنية السلطوية الحاكمة الآن، بمعنى من سيأتي سيكون ضمن مسار أوسلو بموافقة الأمريكان والصهاينة معاً، وسقفه وخياره أوسلو، وبالتالي فإن انتطار لمعجزة تغيّر الحال لمجرد تغيير رئيس بآخر لا يعني شيء، ولا يعدو كونه مجرد وهم، طالما أن البنية الحالية هي مجموعة من نخبة ارتبطت مصالحها بمشروع أوسلو وتتقاسم الأدوار وفق الحاجة لذلك، وما يدور في الفترة الأخيرة من مناورات المصالحة الداخلية لفتح والأسماء المتداولة يؤكد ذلك”.
(* ملاحظة: الإحصائيات الواردة في التقرير هي حتى تاريخ 3 تشرين أول 2016)