خالد محي الدين.. فارس الديمقراطية/ بقلم: د. رفعت السعيد
منذ إشراقة ثورة 1952 والتى لعب خالد محي الدين دوراً أساسياً فى الإعداد لها وفيتنفيذ استيلاء الثوار على السلطة، اكتسب خالد محي الدين لقب فارس الديمقراطية، فخالد كان من أوائل المؤسسين لتنظيم الضباط الأحرار، وكان واحداً من ثمانية تولوا قيادته ممثلاً لسلاح الفرسان، وهو الاسم الذى كان يطلق على سلاح المدرعات والدبابات. وليلة 23 يوليو ترك طفلته المريضة مرضاً خطيراً انتهى بشلل أطفال، ليتمركز بقواته فى ميدان روكسي، وهو النقطة الحاكمة المؤدية إلى مقر هيئة أركان حرب الجيش، ومن هناك أمكنه اصطياد أغلب أعضاء هيئة الأركان ليقبض عليهم ويسوقهم إلى السجن الحربي. ومنذ أول جلسات مجلس قيادة الثورة كان خالد محي الدين متميزاً فى الدفاع عن الديمقراطية وعن حقوق العمال والفلاحين. وعندما كان متغيباً عن أحد جلسات المجلس، أمر محمد نجيب بتنفيذ حكم الإعدام فى العاملين خميس والبقري اللذين حوكما بتهمة التظاهر، فأسرع خالد بتقديم استقالته من المجلس مؤكداً “ليس هذا ما اتفقنا عليه، ولا ما صنعنا الثورة من أجله، ولن أسمح لنفسي أن يقتل عامل متظاهر باسمي”.
واستدعى جمال عبد الناصر مجلس الثورة، ورفضت الاستقالة، واتخذ قرار بألا يعدم أي شخص معارض إلا بموافقة جماعية من كل أعضاء المجلس. والمثير للدهشة أن خالد هو الذي أنقذ إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الوزراء الذي اغتيل في عهده حسن البنا من الإعدام رافضاً مبدأ إعدام أي خصم سياسي.
وفي بدايات عام 1954، طالب خالد وأغلب ضباط سلاح الفرسان بالديمقراطية وإجراء انتخابات حرة، وتسليم السلطة للفائز في الانتخابات والعودة للثكنات. وكانت ما أسمي “هبّة مارس”. وبعدها كتب خالد في مذكراته (والآن أتكلم) بعد أيام من اجتماع الصالون الأخضر (وهو أحد صالونات دار المدرعات) والذي احتشد فيه كل ضباط سلاح الفرسان تقريباً مطالبين بذلك، أدركت أن الشعارات الجميلة إذا أطلقت دون تروٍ يمكنها أن تتحول إلى كارثة، فقد كان المرجح هو فوز حزب الوفد وانتهاء الثورة.
ونبدأ من البداية: وُلد خالد محي الدين فى 18 أغسطس 1922 وهي مصادفة مثيرة للدهشة، فهو ذات يوم إعلان تأسيس الحزب الاشتراكي المصري، والذي أصبح فيما بعد الحزب الشيوعي المصرى. ولأن الأسرة كانت تعيش فى كفر شكر، حيث لا مدارس فى ذلك الوقت، فقد أرسلته الأسرة ليعيش مع جده لأمه الشيخ خالد عاشق أفندي، وهنا تبدأ قصة خالد محي الدين الحقيقية.. فالشيخ خالد والذي أسمى خالد محي الدين باسمه، هو شيخ تكية النقشبندية بالحلمية في القاهرة. وفي التكية، عاش خالد فى كنف جده، وهناك رأى وتعلم كيف أن شيوخ النقشبندية يَهِبون وقتهم، بل كل حياتهم، لخدمة الوافدين إليهم مجاناً. ولقّنه جده خالد عاشق أفندي، أن العبادة الحقيقية هي أن يتفانى فى خدمة ومحبة خلق الله. وهكذا ظل خالد محي الدين متفانياً في خدمة الوطن والشعب كامتداد لعبادة الله. ويمكن القول أن هذا هو الملمح الأساسي الذي كوّن على الدوام تصرفات ومواقف خالد محي الدين.
انتسب خالد محي الدين إلى الكلية الحربية ودرس في كلية التجارة، وتخرج منها، لينضم إلى سلاح الفرسان.
ونمضي سريعاً عبر مراحل أساسية من حياته..
_ بعد ابتعاد خالد محي الدين عن الإخوان، انضم وعن طريق زميله فى سلاح الفرسان عثمان فوزي إلى تنظيم ايسكرا (شراره) والذي اتحد بعد ذلك مع تنظيم الحركة المصرية للتحرر الوطني(ح . م) ليكوّنا الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو).
_ لكن خالد ما لبث أن تباعد تنظيمياً وإن ظل متمسكاً بما تلقّنه من أفكار ماركسية، ويفسر تباعده في مذكراته بأنه مع جمال عبد الناصر وثروت عكاشة وعبد الحكيم عامر، كانوا يتدارسون أوضاع مصر ودورهم إزائها، ولم يشأ أن يربك هذا التوجه الجديد بارتباطه التنظيمي الذي شكّل عليه عبئاً نفسياً لعدم رضائه عن أساليب وتصرفات أعضاء وعضوات إيسكرا.
_ وبعد مأساة الجيش المصري خلال حرب فلسطين، وقضية الأسلحة الفاسدة وعجز القيادة السياسية والعسكرية، كانت الاجتماعات الجدية لتأسيس تنظيم الضباط الأحرار.
_ ثم كان التحرك فى ليلة 23 يوليو.. وما كان بعدها من أحداث.
_ وأعطاه عبد الناصر فرصة إصدار جريدة المساء كجريدة ذات توجه يساري. وضم خالد محي الدين إليها عديداً من اليساريين منهم عبد العظيم أنيس، سعد التائه، وشهدي عطيه الذي كان يكتب باسم (أحمد نصر).
_ وكانت خلافات كبيرة مع عبد الناصر بسبب الخلاف حول الموقف من ثورة العراق. واستقال خالد محي الدين.
_ ثم ومرة أخرى عاد الصفاء بينهما، فعيّن خالد رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم (وكانت أكبر مؤسسة صحفية في الشرق الأوسط) وأتى خالد إلى الدار بعدد من الصحفيين اليساريين وكنت أنا من بينهم وكنت خارجاً لتوي من السجن، بعد فترة امتدت لسنوات طويلة، وبعد عدة أسابيع أصبحت مديراً لمكتبه ولم أزل حتى الآن تلميذاً له.
_ ولأن خالد قد عيّن أيضاً أميناً للصحافة في الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي كانت هناك صراعات عديدة مع محمد حسنين هيكل انتهت بأن قدم خالد استقالته. وبعدها بقليل طرد هيكل من أتى بهم خالد وأنا منهم.
_ بتكليف من عبد الناصر، أعاد خالد محي الدين تأسيس المجلس المصري للسلام. ولعب المجلس المصري دوراً هاماً في حركة السلام العالمية، سواء في التضامن مع شعب فيتنام، أو في مواجهة التهديد النووي أو دفاعاً عن شعب فلسطين.. وأصبح خالد محي الدين نائباً لرئيس المجلس العالمي للسلام.
_ وعند تشكيل المنابر في الاتحاد الاشتراكي كُلِّف خالد بتشكيل منبر اليسار الذي أصبح فيما بعد حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (1976).
_ وأصبح خالد رئيساً للحزب الذي ما لبث أن تعرّض للعصف في أحداث يناير 1977، حيث قبض على أكثر من ألفي عضو وتعرض الحزب لحملة إعلامية ضارية لاتهامه بأنه خلف هذه الأحداث.
_ وكانت خلافات عديدة مع السادات من أهمها معارضة زيارة السادات للقدس. وقد ألح عليه السادات أن يصطحبه معه في الزيارة ولكنه رفض بشدة، وعندما نجح يوسف والي في إقناع أحد أعضاء مجلس الأمة من حزب التجمع بالسفر مع السادات، أسرع خالد بإصدار قرار بفصله وتوزيع قرار الفصل على وكالات الأنباء، ليتلقى السادات النبأ وهو في الطائرة إلى القدس، بما اعتبره تحدياً شديداً. وزادت العلاقات تعقيداً بعد كامب ديفيد.
_ واستمر خالد محي الدين رئيساً للحزب حتى تعديل لائحة الحزب، بحيث يمتنع على أي مسؤول أن يبقى في موقعه أكثر من دورتين .. وبعد انتهاء دورته الثانية جلست معه وألححت عليه أن نعيد تعديل المادة التي تقرر ذلك كي يبقى رئيساً مقبولاً من إجماع الحزب. ظل خالد محي الدين صامتاً ثم قال لي “هل نسيت أنني تنازلت عن سلطة السيادة في مجلس الثورة من أجل الديمقراطية؟” ثم قال “لن أقبل إهدار الديمقراطية في الحزب. وكانت نوبات بكاء رفض من جانب أعضاء المؤتمر السبعمائة لكنه صمم.. متعه الله بالصحة وأطال فى عمره.