أخبار فلسطين

حل المجلس التشريعي بين الدستورية ومواقف الفصائل الفلسطينية

في اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمقر المقاطعة في رام الله، في 22 كانون أول 2018، أعلن محمود عباس أن المحكمة الدستورية الفلسطينية قررت حل المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر.
أثار إعلان رئيس السلطة جدلًا واسعًا بين من اعتبره قرارًا غير دستوري من شأنه تكريس الانفصال بين غزة والضفة الغربية المحتلة، وبين من يدعو إلى اغتنام الدعوة بعقد انتخابات باعتبارها وسيلة لإنهاء الانقسام.بدورها، اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قرار المحكمة الدستورية الذي أعلنه عباس، في تصريح لها، هو في الجوهر قرارٌ سياسيّ سيضيف عقبات إضافية أمام جهود المصالحة التي تترنح، وسيفتح على تعميق الانقسام والوصول به إلى طورٍ جديدٍ يعقّد الأوضاع الداخلية أكثر فأكثر، ويُدخل الساحة الفلسطينية في صراعٍ على الشرعيات التي باتت غالبيتها – إن لم تكن جميعُها – في موضع شكٍ بشرعيّتها نتيجة تقادمها، وتحوّلها إلى حيازاتٍ فئوية وتعبيرًا من تعبيرات ومظاهر الانقسام.
دستوريّة حل المجلس التشريعي
يرى القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة، جميل مجدلاوي، أنه لا يمكن النظر إلى قرار حل المجلس التشريعي من الزاوية القانونية فقط, لأن القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية لا يُجيز لأية جهة في السلطة حل المجلس التشريعي, على العكس من ذلك فهناك من النصوص القانونية ما يعزز استمرار المجلس في عمله إلى أن يُنتخب المجلس التشريعي الجديد ويقسم أعضاؤه اليمين.
ويضيف، «هذه النصوص تبيّن بجلاء أن لا أساس قانوني لحل المجلس التشريعي وأن هذا القرار هو قرار سياسي بامتياز, إلا أنني اعتقد بأن حركة حماس عملت وسعت إلى هذا القرار وعملت على إصداره رغم كل الادعاءات الأخرى والإدانات التي أعلنتها حماس, فقد جعلت حركة حماس من إصدار هذا القرار تحصيل حاصل يفرض نفسه على أبو مازن وعلى حركة فتح عندما أقدمت كتلتها في أيلول الماضي وقبل خطاب أبو مازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة على عقد ما تسميه مجلس تشريعي في غزة وصدر عنه بيان ورسائل دولية, بأن أبو مازن لا يملك شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني وأتبعت ذلك بمذكرة للأمين العام للأمم المتحدة وقعتها ستون منظمة أهلية تابعة أو محيطة بحركة حماس بذات المضمون».
ويتابع قائلًا: «بعد كل ذلك أصبح من المتوقع والمنطقي في ظل الصراع القائم بين الحركتين والسلطتين أن يعمل أبو مازن على نزع الصفة الرسمية والقانونية التي يمكن أن تستند إليها حماس في صراعها معه حول الشرعية والتمثيل ومع كل تفاصيل السجال والتراشق بين الحركتين طيلة سنوات الانقسام, فقد جاء هذا الصراع على الشرعية والتمثيل كسبب مباشر يفسر توقيت إصدار أبو مازن لهذا القرار».
في سياق متصل، تؤكد مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة الغد الأردنية، الدكتورة نادية سعد الدين، أن القرار لا ينفصل عن المأزق الفلسطيني الراهن، الناجم عن الانقسام، الممتدّ منذ العام 2007، والذي ألقى بتبعاته القاتمة على مفاصل المشهد الفلسطيني الداخلي، مثلما لا ينفصل عن الإشكاليات القائمة في بنيوية النظام السياسي الفلسطيني، تبعًا لإشكاليات نشأته وفق اتفاق «أوسلو» وليس تتويجًا لنجاح المشروع الوطني في بلوغ غايته بإقامة الدولة، فخلق نظامًا منقوص السيادة ومكبلًا بقيود والتزامات، مصحوبة بفشل مساعي عملية السلام، بسبب التعنّت «الإسرائيلي»، وعدم تمكن السلطة الفلسطينية من إحراز الحقوق الوطنية المشروعة، في التحرير وتقرير المصير وحق العودة. كما أكدت على ما طرحه مجدلاوي حول عدم انسجام قرار حل المجلس التشريعي، مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي يخلو من مادة صريحة حول إمكانية حلّ المجلس التشريعي.
وفيما يتعلّق بالمحكمة الدستورية، تُعلّق قائلةً: «أما الأخذ في القرار بسندٍ من فتوى قانونية صادرة من المحكمة الدستورية الفلسطينية في 12/12/2018، قالت فيه إن «المحكمة الدستورية العليا، التي أنشأت بموجب قانون رقم 3 لسنة 2006 غير مخوّلة بإنهاء ولاية المجلس التشريعي التي نصّ القانون الأساسي إلى امتدادها إلى حين انتخاب مجلس تشريعي جديد وأداء أعضائه اليمين الدستورية.
«أما القول بأن «التشريعي» معطل منذ العام 2007، فإن ذلك يرجع أساساً إلى ممارسات سلطات الاحتلال العدوانية ضدّ نواب المجلس في الضفة الغربية، من حيث الاعتقالات والاعتداءات المتواترّة، بما تسبب في تعطيل جلساته، علماً بأن أعضاء المجلس في قطاع غزة مستمرين في مباشرة أعمالهم.»
توقيت القرار
يرى القيادي الجبهاوي جميل مجدلاوي، «أنه لا يمكن عزل الصراع بين حماس وفتح، عن الظروف الإقليمية والدولية التي تتعلق بتسوية القضية الفلسطينية, وبخاصة هذه الخديعة المسماة صفقة القرن.
«الطرفان يتراشقان التهم بأن الطرف الآخر يعمل على تمرير صفقة القرن, فتقول حركة فتح أن حماس تعمل على الطعن في شرعية الرئيس ابو مازن وشرعية مؤسسات السلطة وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية وبمؤسساتها الحالية حتي لا يكون هناك عنواناً فلسطينياً ممثلاً للشرعية الفلسطينية في رفض صفقة القرن الصريح والرسمي والتمثيلي للشعب الفلسطيني, وأن هذه السياسة وغيرها من سياسات حماس التي تعزز الانقسام وتكرس سيطرتها على قطاع غزة, تشكل في جوهرها تنفيذاً ملموساً لصفقة القرن, التي يروج البعض بأنها تتضمن إقامة دولة في غزة, تم والتعامل مع الكانتونات التي يبقيها الاستيطان الإسرائيلي في الضفة”.
ويتابع، «بالمقابل تقول حركة حماس أن موقف الرئيس أابو مازن وحركة فتح من الاحتكام إلى الكل الفلسطيني الوطني بدعوة لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وعقد مجلس وطني توحيدي ورفض كل ذلك من شأنه أن يُعقّد أي مسعى لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. كما أن الإجراءات التي تتخذها السلطة ورئيسها بحق قطاع غزة من شأنها إضعاف القدرة على الصمود وإنهاك المجتمع الفلسطيني بما يسهل تمرير صفقة القرن».
ويختم مجدلاوي قائلًا: «مع الأسف فهناك شيء, من الحقيقة فيما يقوله الطرفان وبعيدًا عن الاتهامات والتراشق السلبي, فإن عدم وعي وخطورة السياسات التي يُقدم عليها الطرفان, وخاصة نقل الصراع إلى المستوى الدولي ومؤسساته المختلفة هي في أفضل الأحوال نوع من عمى البصيرة التي تهدد أهم انجازات الثورة الفلسطينية المعاصرة, الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية رغم كل الخلاف حول برنامجها ومؤسساتها.
مشاركة الفصائل الفلسطينية في الانتخابات
وفي ما يتعلق بإمكانية مشاركة الفصائل الفلسطينية في الانتخابات المزمع عقدها بعد أشهر، ترى الكاتبة ناديا سعد الدين فتقول: «إن هناك محددات لنفاذ قرار إجراء الانتخابات؛ إذ إن قرار حل المجلس التشريعي الفلسطيني جاء بدون توافق وطني جمعيّ على إجراء الانتخابات العامة، وفي ظل تعثّر خطوات إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية المطلوبة في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، وبالتالي فقد جُوبه بمعارضة واسعة من قبل قوى وفصائل فلسطينية معتبرّة في مفاصل المشهد الفلسطيني، مثل حركة «حماس»، و»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وهي الفصيل الثاني الوازن بعد «فتح» في منظمة التحرير، بالإضافة إلى «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وحركة «الجهاد الإسلامي».
ومن ذلك، ترى أن عملية إجراء الانتخابات في ظل عدم التوافق الوطني، وفي الضفة الغربية بدون قطاع غزة، لن تمثل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، فضلًا عن إلحاقها بالضرر الفادح في المشروع الوطني في ظل التحديات الخطيرة المحيقة بالقضية الفلسطينية، لاسيما مع عدم إمكانية إجراء الانتخابات في القدس المحتلة، أمام معارضة الاحتلال، حيث لا يزال العامل الإسرائيلي يسيطر على ملف الانتخابات، كما ملفيّ الحكومة والأمن، وقادر على تعطيله وإفشاله، خشية من نتائج الانتخابات التي قد تأتي بمشروع وطني فلسطيني لا يرضى عنه الاحتلال، فيما تشكل أي محاولة للوحدة الوطنية الفلسطينية مصدر قلق إسرائيلي وازن لما من شأنها كسر الأمر الواقع الحالي الذي يحرص الاحتلال على استمراريته في الأراضي المحتلة، وعرقلة مشروعه في الضفة الغربية التي يريدها مقسّمة الأوصال.
وتستدرك، «ولكن في المحصلة؛ فإنه لا نصير لحركتي «فتح» و»حماس» سوى المظلة الوطنية الفلسطينية، عبر توفر الإرادة والجدية الحقيقية لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية المضادّة، سبيلًا للتوافق الوطني على تشكيل حكومة وطنية يكون من مهامها الترتيب لإجراءات الانتخابات العامة، التشريعية والعامة والمجلس الوطني، ووضع استراتيجية وطنية موحدة لمواجهة عدوان الاحتلال المتواصل ضدّ الشعب الفلسطيني».
وتختم قائلةً: «إن السعيّ الفلسطيني لإنجاز المصالحة وإنهاء الإنقسام، سبيلًا جمعيًّا لإعادة بناء الوحدة الوطنية، يشكل عنصرًا رئيسيًا في المكون السياسي الفلسطيني، وأُسًا حيويًا في مرحلة التحرر الوطني من نير الاحتلال، إلا أن ذلك يتطلب إرادة سياسية فلسطينية جادة، بدعم عربي إسلامي، لتحقيق ما يفوّت على الاحتلال فرصة تعميق الخلل القائم في الأراضي المحتلة لمصلحته، وما عدا ذلك؛ فإن المحددات الداخلية والخارجية المتضادّة ستغلب على أي أفق للمصالحة».
فيما يعتقد الرفيق جميل مجدلاوي أنه من المبكر الحديث الآن عن مشاركة الفصائل أو عدم مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة (إن تحققت، بحسب تعبيره), فهذا يتوقف على الظروف السياسية في حينها, ثم شروط وضوابط العملية الانتخابية ذاتها سواء من حيث القانون أو الآليات التي تضمن شموليتها لكل مناطق السلطة بما فيها غزة والقدس وتضمن ديمقراطيتها ونزاهتها, ويضيف، «وهذا ينطبق فيما أعتقد على موقف عباس أيضًا».

بواسطة
نداء الوطن - وسام الخطيب
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى