أدب وفكرفكر

تلخيص وترجمة كتاب هام أثار كثيرا من الجدل بعنوان”تكلفة الذكورة” للكاتبة والباحثة الفرنسية لوسيل بيتافين

ترجمة خاصة لنداء الوطن - د.موسى العزب

تلخيص وترجمة كتاب هام، أثار كثيرا من الجدل، بعنوان:
“تكلفة الذكورة”.
للكاتبة والباحثة الفرنسية لوسيل بيتافين
Le Coût de la virilité,
Lucile Peytavin

تقوم فكرة كتاب لوسيل بيتافين -غير المسبوقة- على حساب المبلغ الذي يُنفق على تغطية السلوك الاجتماعي للذكور في فرنسا، وقد عززت بحثها بدراسات إحصائية، خاصة في مجالي التربية والعنف. وخلصت لنتيجة مفادها بأن فرنسا ستوفر سنويا مبلغ 96 مليار دولار فيما لو تصرف الرجال سلوكيا مثل النساء.
وهكذا تكشف الكاتبة المؤرخة من خلال الحسابات والتحليلات، في كتابها “تكلفة الذكورة” عن حقيقة مروعة: حيث يدفع المجتمع الآن وبشكل باهظ، التكاليف البشرية والاقتصادية للتربية الذكورية، لما يشكلون نصف سكان فرنسا، والأسوأ من ذلك: بأن هذه “المساهمة” المالية القسرية لم تخضع حتى الآن للبحث أو مجرد التساؤل.

عندما سُئلت لوسي كيف توصلتي إلى معالجة هذه الزاوية المخبوءة في البحث الجندري، أجابت: منذ ثلاث سنوات. “تفتحت عيني على بعض الجوانب المتعلقة بالمسألة، عندما رأيت بأن نسبة الرجال في السجون الفرنسية هي 96٪، فالرجال هم المسؤولون عن الغالبية العظمى من أعمال العنف والانحراف والإجرام، وكذلك عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في مجتمعنا. وبموازاة هذا السلوك، هناك تكاليف تُغطي عمل أجهزة الشرطة، والتحقيقات، والإجراءات القانونية، والضحايا، والتعويضات، وربما أرواح محطمة … فتساءلت: ألا يتعين علينا حساب تكلفة هذه الظاهرة؟ وبعد الحساب نسأل: لماذا نمتنع عن استخدام منظور الجندر لمعالجة مشكلة العنف؟ بأية حجج نستمر في تبرير السلوك الخطير لبعض الرجال؟ كيف نتقدم بشكل ملموس في هذا المجال؟
وما هي تكلفة الذكورة؟
هناك مبالغ تدفعها الدولة والمجتمع كثمن في مواجهة تبعات السلوك المنحرف المكلف للرجال. وهذه الأخيرة ممثلة بقوة في جميع أنواع الجرائم، ولا سيما في أشدها خطورة: 99٪ من المغتصبين و86٪ من القتلة و85٪ من اللصوص العنيفين هم من الرجال. كل هذا له تكلفة.. وهي تكلفه مباشرة تتحملها الدولة فيما يتعلق بإنفاذ القانون أو العدالة أو تكاليف الخدمات الصحية، والسجون، إضافة إلى التكلفة غير المباشرة التي يتحملها المجتمع.
ويرتبط هذا بشكل خاص بالمعاناة الجسدية والنفسية للضحايا، والتي يمكن حسابها مالياً على أساس خسارة إنتاجية هؤلاء الأشخاص، بحيث تقدر التكلفة الإجمالية بحوالي 96 مليار يورو سنويًا.

96 مليار يورو مبلغ ضخم!!
فعلا هو مبلغ ضخم، وهذا الرقم يعادل العجز السنوي للميزانية العامة لفرنسا. وبعبارة أخرى، إذا سلك الرجال سلوك النساء، فلن تكون العواقب اقتصادية فقط، بل سينخفض ​​مستوى الجنوح والإجرام بشكل كبير، ولن يخاف أحد بعد ذلك من السير منفردا في الشارع في ساعات المساء المتأخرة، أو يتعرض للسرقة في المترو. سيعيش الجميع في مجتمع آمن، أكثر حرية ورفاهية وثراء مجتمعي.

ما الرابط بين السلوك المعادي للمجتمع عند الرجال وفكرة الذكورة؟
هناك تثاقف، وتعايش مع العنف الذي يقدم للصبيان طوال حياتهم، من خلال التربية القائمة على قيم الفحولة، وميزة الذكر. يتفاعل الآباء مع صغارهم من خلال تعظيم قوتهم وحيويتهم. وبشكل مبكر، تدور الألعاب حول الصراع الجسدي، والمعارك بالأسلحة الوهمية.
في الثقافة السائدة، فإن مفهوم الرجولة مرتبط أيضًا بشكل كبير بمفهوم البطولة، حيث ينخرط الفتيان أو يتماثلون مع أشكال عنف الصور النمطية لأبطالهم المميزين، حيث تُسعِّر مرحلة المراهقة سيرورة تبلور بناء هذه الهوية الذكورية. عندها سيتعامل الصبيان مع كل من لا يتجاوب مع أهوائهم، باللجوء إلى أسلوب العنف اللفظي والبدني، كما سيعمدون على إظهار قدرة كبيرة على التحمل ومقاومة الألم، كمظهر خاص بالرجولة.

وعندما يكون الممارسون للسلوك المعادي للمجتمع هم في الغالب من الرجال، ألا يجب على الدولة أن تجعل منهم أهدافًا لحملات التربية والوقاية بأشكالها؟

هذا سؤال مشروع للغاية. لأننا في الواقع نعتمد هذه الأيام على معايير أخرى؛ على سبيل المثال، فإن السياسات العامة التي تضعها الدولة لمكافحة الجنح موجهة نحو مناطق جغرافية معينة، وكذلك تستهدف فئة الشباب كأولوية في حملات السلامة على الطرق ضد تعاطي المشروبات الروحية أثناء القيادة. ودائما لا تأخذ الدولة في الحسبان الجندر (الجنس) كمعيار إرتكازي لتحديد سمات الجناة.

لماذا نرفض تسمية هذه الحقائق بأسمائها؟
ما يزال هناك ممانعة حقيقية في مواجهة مسألة الذكورة هذه. وما زلنا نقنع أنفسنا بأسطورة أن الرجال عنيفون بطبعهم، ولا يوجد ما نفعله لتغيير ذلك، سيما وأن نمط سلوك الرجال في مجتمعنا، هو السائد في المخيال العام، ومتكرس كآلية تحجب العواقب الحقيقية للتربية الذكوية.

هذه مقاربة مبتكرة، والحديث هنا عن تكاليف بأموال طائلة.. هل يدفعنا ذلك لكي نرفع الوعي في هذا المجال؟

نحن أمام فتح غير مسبوق لهذه المعضلة، وسبب وجيه لتفكيك السطوة الذكورية بدءاً من سنوات الطفولة. لن نتمكن بعد الآن من القول أننا لم نكن نعرف، بعد أن أصبحت الأرقام المادية متوفرة الآن وبكل موضوعية.
تكلفة الذكورة تؤثر ماديًا على كل مواطن، نساء ورجال. علاوة على ذلك، من الواضح أن الرجال هم أيضًا ضحايا هذه التربية الذكورية. ويكفي أن نذكر برقم واحد فقط، فالرجال، قبل سن 65، أكثر عرضة بثلاث مرات للوفاة من سبب يمكن تجنبه، مقارنة بالنساء.

كيف ندفع المجتمع لوضع حد لهذه التربية المبنية على مفهوم الذكورة؟
الخطوة الأولى هي مواصلة البحث عن تكلفة الذكورة. هذا العمل، ما هو إلا حجر أول في مدماك يجب إكماله. هناك عدد كبير من الأرقام والمعطيات التي لا تزال من المتعذر الوصول إليها، وهناك الكثير من الجرائم التي لم يتم تصنيف بياناتها الخاصة حسب الجنس.
بعد ذلك، علينا أن نتحدث عن هذا الموضوع للمساعدة في تفكيك الأنماط التي نعيش فيها. إنه طموح ممكن، ولكن نظرًا لأن عليه أن يتم على جميع مستويات المجتمع، فنحن بحاجة إلى حضور الوعي على كل المستويات.


تلخيص وترجمة د. موسى العزب

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى