بين إرادة الشعب وسلطة غارقة في التنسيق الأمني وأخرى تبحث عن هدنة طويلة هل تتحول هبّة السكاكين إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة؟
مجدلاوي: هذه السلطة سيكون تعاملها مع الانتفاضة في إطار الاستعمال والتوظيف التكتيكي المبتذل الذي لا يوصل إلى نتائج ذات قيمة
موسى: ليس بوسع جهة حتى الآن ادعاء أنها تقود الهبة أو حتى تستطيع تجيير زخمها. ولكن ربما تدفع الهبة إلى تقريب المصالحة.
توبة: إصرار حماس كما السلطة على حالة الانقسام يشكل أكبر معيق لأي صيغة نضالية ومقاومة أمام الشعب الفلسطيني في غزة والضفة
الكيلاني: الهدف الأساسي للانتفاضة هو مواجهة الاحتلال و بذات الوقت امامه هدفين رئيسيين هما : اسقاط اتفاقية أوسلو، و استعادة الوحدة الوطنية
أثناء العدوان الصهيوني على غزة قبل عام، كانت ردود الفعل المحدودة لدى الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والتي لم تتعدى في أقصى تجلياتها مسيرات شموع ليلية، كانت ردود الفعل هذه مثار استياء واستغراب شعبي ووطني واسعين. واعتقد بعض المحللين ان التنسيق الامني بين السلطة الوطنية وحكومة الكيان الصهيوني اضافة الى حجم اختراق منظمات الNGOsلقطاع الشباب، أدّيا الى تدجين الحركة المقاومة في الضفة الغربية.
إلا أن الشعب الفلسطيني دائماً ما يخرج عن سياق المنطق والتحليل السياسي في حراكه وانتفاضاته. فمن رحم الهزيمة في بيروت ٨٢ خرجت الانتفاضة الأولى عام 1987 والتي كان الحجارة والمقلاع سلاحها وعنوانها. فيما انطلقت الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي اتسمت –على عكس انتفاضة الحجارة- بتصاعد وتيرة العمل المسلح وبدور رئيسي للكتائب الفلسطينية المسلحة، هذه الانتفاضة اشتعلت في ظل وصول الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لطريق مسدود في مفاوضاته مع الصهاينة حيث كان فشل مفاوضات كامب ديفيد بمثابة المسمار الأخير في نعش هذه المباحثات.
اليوم ومع توقف المفاوضات بين الفلسطينيين والجانب الصهيوني، وفي ظل نشوة يعيشها هذا الكيان نتيجة لانشغال أهم الجيوش العربية (مصر وسورية والعراق) بمعارك داخلية، وانجرار الأمة العربية إلى صراعات ونزاعات طائفية، وجد هذا الكيان –واهماً- الفرصة سانحة لتصفية القضية الفلسطينية والاستفراد بالشعب الفلسطيني. فحاول تغيير المعادلة في القدس والحرم القدسي، ليصطدم بمقاومة من مرابطي ومرابطات الأقصى سرعان ما تحوّلت إلى هبة شعبية بل وبداية انتفاضة انتقلت إلى كافة أراضي الضفة الغربية.
القدس محور الصراع
يؤكد الرفيق جميل مجدلاوي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تصريح خاص لنداء الوطن أن أي متابع لمجريات الصراع مع العدو والاحتلال الصهيوني لبلادنا يرى بسهولة ووضوح أن جذوة النضال الوطني لم تنطفئ على امتداد سنوات الصراع، وأن جمرات الاشتعال دائمة الاحمرار والتهيؤ لأن تهب عندما تصلها شرارة الاشتعال في الوقت المناسب.
الشرارة جاءت هذه المرة من القدس لتشكل العتبة التي اجتازتها جمرات الشعب من الاتقاد إلى الاشتعال.
ويلفت إلى أن “القدس هي المكان الذي سيقبر فيه شعبنا “الأسطورة التوراتية” الزائفة عن هيكل الصهاينة المزعوم وتاريخهم المدّعي والملفق حول الشعب اليهودي وارتباطه بفلسطين.
فيما يشير الكاتبفي صحيفة السفير اللبنانية والمختص بالشؤون الفلسطينية في حديث خصّ به “نداء الوطن” “ليس صدفة أن تنطلق شرارات الهبات الشعبية الفلسطينية من القدس لاعتبارات مختلفة، أهمها أن الفلسطينيين ينظرون للقدس على أنها عاصمتهم الأبدية ومنها تمتد القداسة إلى كل أرضهم وبالتالي صارت عنوان هويتهم. وبالمقابل يرى الإسرائيلي في القدس “صخرة وجوده” وهناك بينهم من يؤمن بإعادة بناء الهيكل بعد هدم المساجد في الحرم”.
الرفيق كامل الكيلاني عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية يذهب أبعد من ذلك مشيراً في حديثه لنداء الوطن إلى أن مكانة القدس المتميزة ليس لدى شعبنا الفلسطيني فقط و إنما لدى جماهيرنا العربية كافة وخطورة ما تتعرض له المدينة المقدسة من مشاريع تهديد منذ اللحظة الأولى لإحتلالها ، لا يكفي أن تكون شرارة لانطلاق انتفاضة ، بل محركاً لانطلاق ثورة لتحريرها.
الصحفي والكاتب في جريدة الغد الأستاذ ماجد توبة أكد لنداء الوطن ان الاعتداءات المتكررة على الاقصى والحرم القدسي، ومخططات العدو للتقسيم الزماني والمكاني، وصولا الى بسط السيطرة الاسرائيلية الكاملة على الحرم، وما يعنيه ذلك من مقدمات لهدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم شكلت أرضية خصبة لهذه الهبة فالقدس إحدى أبرز رموز الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وأبرز عناوين التحرر الوطني الفلسطيني، فضلا عن أنها اليوم هي المستهدفة بإلحاح من قبل العدو الصهيوني، والمعركة حولها لا يمكن التنازل تجاهها من قبل الشعب الفلسطيني.
معيقات الاستمرارية
يرى الكاتب حلمي موسى أن هذه الهبة تواجه معيقات عديدة أهمها حالة التشرذم العربية والانشغال الدولي وكذلك الانقسام الداخلي الفلسطيني. ولا ريب أن وجود السلطتين الفلسطينيتن في غزة ورام الله يشكل عائقا أمام تفجير الطاقات الشعبية فضلاً عن أنه يشكل نوعا من الحاجز بين الجمهور والاحتلال.
ويتفق توبة مع ما ذهب إليه موسى ويضيف بأن الانشغال العربي والدولي بأزمات الإقليم الأخرى، كسورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، والانقسام العربي الخطير، كل ذلك لا يساعد الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل على الدخول بانتفاضة شاملة، ممتدة زمنياً وجغرافياً.
فيما يلفت الرفيق كامل الكيلاني إلى أن جميع التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الأمنية التي رافقت مرحلة أوسلو، وما ترتب على ذلك من آثار مدمرة على شعبنا الفلسطيني ، هذه التحولات و الآثار المدمرة هي أهم العوامل التي تحول دون تصاعد و اتساع انتفاضة شعبنا.
أما الرفيق مجدلاوي فيؤشر إلى معيقين آخرين لا يقلان أهمية عن ما ذكر أعلاه، المعيق الأول هو التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والعدو الإسرائيلي، ومعه باقي التزامات السلطة التي تفرضها اتفاقيات أوسلو، وكان الالتزام بها طيلة السنوات الماضية من الطرف الفلسطيني، في إطار سياسة خاطئة ابتدعها أصحاب الاتفاق أو المظهر المقرر فيهم.
أما المعيق الثاني بحسب مجدلاوي فهو غياب القيادة الموحدة للانتفاضة التي تشكل هيئة أركان الشعب ونشاطاته المختلفة، لتتولى هذه القيادة إدارة وتنسيق فعاليات الانتفاضة في المواقع والأشكال والأساليب المختلفة بما يستجيب ومتطلبات النضال في الميدان.
السلطة الفلسطينية: كبح للجماح أم دعم من تحت الطاولة؟!
السلطة الفلسطينية وقفت في المنطقة الرمادية –حتى اللحظة- إزاء هذه الهبة، ويرى الأستاذ ماجد توبة أن السلطة لن تتبنى خيار اللجوء الى المقاومة والانتفاضة الشاملة، كما جرى مع الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات مطلع الالفية. هذا يستتبع –يضيف توبة- بالضرورة احتمال لجوء السلطة الى محاولات فرملة الاندفاعة الشعبية ضد المحتل، او احتواءها، وحتى قمعها.
ويتفق الرفيق الكيلاني مع توبة لافتاً إلى أن السلطة الفلسطينية لن تكون عاملاً ايجابياً أو داعماً حقيقياً لانتفاضة شعبنا، ما لم تغادر اتفاقية أوسلو وتتوقف عن التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.
ويلفت الرفيق جميل مجدلاوي من غزة إلى أن هذه السلطة سيكون تعاملها مع الانتفاضة في إطار الاستعمال والتوظيف التكتيكي المبتذل الذي لا يوصل إلى نتائج ذات قيمة، والأرجح أن تأتي اللحظة التي تعمل فيها السلطة على كبح جماح الانتفاضة بما يبقيها تحت السيطرة، لأن الممسكين بقرار السلطة والمنظمة يدركون جيداً أن لاستمرار الانتفاضة وتطويرها تداعيات ونتائج تتناقض مع سياساتهم ومنهجهم التفاوضي الراهن.
ويلفت حلمي موسى إلى أنه وبمقدار ما تزداد الهبة الشعبية من ناحية ويزداد عمق أزمة التسوية السياسية بمقدار ما تجد السلطة نفسها ضعيفة في التصدي لمظاهر الهبة. مشيراً إلى أن الرئيس عباس حدد في خطابه الأخير أمام القيادة الفلسطينية في رام الله معالم موقف السلطة حيث أكد أنه ضد التصعيد لكنه لا يستطيع منع الفلسطيني من عدم الدفاع عن نفسه.
غزة تدخل على خط المواجهة
لم تمهل غزة المراقبين كثيراً للرهان عليها، فقد أجابت حركة الجماهير في قطاع غزة على استحقاق التوسيع الأفقي للانتفاضة، وفق ما يؤكد القيادي في الجبهة الشعبية وابن غزة الرفيق جميل مجدلاوي، مضيفاً “لقد عمّدت غزة مشاركتها بأرواح شهدائها، وبعشرات الجرحى الذين أكدوا وحدة هذا الشعب، وحدة الانتفاضة والدم والمصير، مع وعي جماهيرنا في القطاع لأهمية أن تبقى القدس والضفة الفلسطينية عموماً، العنوان الأول للانتفاضة الراهنة”، فهي موقع المواجهة الميدانية ولن يسعى أحد من القوى الفاعلة والرئيسية لاستدراج العدو لحرب جديدة على غزة تحرف الأنظار عن القدس والضفة وجرائم العدو فيها.
ويتفق حلمي موسى مع حديث مجدلاوي مشيراً إلى أن تحول الصراع إلى مسلح لا يفيد الهبة. وعدا ذلك هناك قناعة بأنه لا مصلحة سواء للمقاومة أو لإسرائيل في مواجهة جديدة خصوصا وأن آثار الحربين الأخيرتين لا تزال قائمة. ولهذا السبب من المنطقي الافتراض أن التحركات في غزة لن تقود إلى حرب.
فيما يرى الكاتب ماجد توبة أن إصرار حماس كما السلطة على حالة الانقسام يشكل أكبر معيق لأي صيغة نضالية ومقاومة أمام الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
الهبة والوحدة .. والاستمرارية
أتت الهبة في ظل انقسام فلسطيني حرمها من سهولة خلق قيادة موحدة تعمل على تعزيزها وتوجيهها بالاتجاهات النضالية الصحيحة، ويؤكد حلمي موسى أن غياب المصالحة يفقد الهبة واحدا من أهم عوامل نجاحها وهو توفر القيادة. وكما هو واضح ليس بوسع جهة حتى الآن ادعاء أنها تقود الهبة أو حتى تستطيع تجيير زخمها. ولكن ربما تدفع الهبة إلى تقريب المصالحة. وإن أفلحت في ذلك فإنها تكون حققت هدفا لا يمكن الاستهانة به.
فيما يرى جميل مجدلاوي أن الوحدة، ومنظمة التحرير والدولة هي الأساس الذي نبني عليه، في باقي عناوين برنامج النهوض، القيادة الموحدة، وقف التنسيق الأمني، كل أشكال المقاطعة للعدو، ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، البعد العربي الرسمي والشعبي للانتفاضة، الحاضنة الدولية، كلها عناوين تتطلب إنهاء هذا الانقسام واستعادة الوحدة وترسيخها على أسس وطنية وديمقراطية تتسع لكل قوى الشعب في الوطن والشتات.
ويعتبر الرفيق كامل الكيلاني أن الهدف الأساسي للانتفاضة هو مواجهة الاحتلال و بذات الوقت امامه هدفين رئيسيين هما : اسقاط اتفاقية أوسلو، و استعادة الوحدة الوطنية.
هبة أم انتفاضة .. إنها ديمومة الثورة
جماهير شعبنا وفي طليعتها الشباب والشابات الذين حوّلوا سكاكينهم وخناجرهم ومن ثم أرواحهم إلى شعلات لهذه الانتفاضة، لم يتوقفوا أمام توصيفها، كما يقول الرفيق جميل مجدلاوي، مضيفاً: “بيد أنني أراها انتفاضة بحق تشارك فيها كل الجماهير الشعبية داخل فلسطين من أقصاها إلى أقصاها متجاوزين فيها حدود ما يسمى بالخط الأخضر، وخطوط الفصل مع قطاع غزة، وموانع الانقسام الكريه وما جلبه على الشعب والقضية من كوارث”.
إذن نحن أمام استمرار الشعب الفلسطيني العربي في ابتكار أساليب نضاله، وتبقى الكرة في ملعب القيادات الفلسطينية والعربية أن تكون على مستوى حجم التضحيات التي يقدمها شباب وصبايا هذه الأرض دفاعاً عن كرامة أمة بأكملها.