بيت حنينا.. بلدة مقدسية قسّمها الجدار وأكلها الاستيطان
تعيش بلدة بيت حنينا، ب القدس المحتلة، معاناةً مستمرّة بسبب إجراءات الاحتلال، التي طالت جميع مناحي الحياة، وهي معاناةٌ لها خصوصيّتها، وتطال جوانب اقتصادية واجتماعية ودينيّة، وأخرى صحيّة وتعليميّة.
البلدة الفلسطينية تبعد نحو ستة كيلومترات عن البلدة القديمة في القدس المحتلة، إلى الشمال الغربي، وهي قرية قديمة جدًا فيها آثار كنعانية قديمة ورومانية وإسلامية، موجودة في نفس المكان منذ الأزل.
كانت البلدة موجودة في منطقة واحدة قديمًا، على مساحة 20 ألف دونم، تضم أراضٍ زراعيّة، وفي فترة الإدارة الأردنية للضفة الغربية ومعها القدس المحتلة، أقيم تجمعٌ جديد قرب شارعٍ يربط رام الله بالقدس، والذي تحوّل لاحقًا إلى منطقة “بيت حنينا الجديدة”، لتُسمى بهذا الاسم، وتُميّز عن الأصل التي سُميت بـ “بيت حنينا القديمة”.
جدار الفصل العنصري
كعادته في التهام أراضي الضفة الغربية المحتلة، وقضم مساحاتٍ واسعة وتفريق سكّانها، جاء جدار الفصل العنصري الذي أنشأه الاحتلال، وقسّم البلدة الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب، وفصل أراضيها في الغرب، لتبقى وحيدةً، وليُحيط بالبلدة القديمة من ثلاث جهات.
يقول أحد سكّان البلدة في حديثه مع “بوابة الهدف”، إنّ البلدة القديمة أصبحت معزولة، والطريق التي تمتد إلى القدس تم إغلاقها، كما تمّ فتح طريق لها باتجاه رام الله، وقد تم ضمّ الجديدة إلى بلدية القدس التابعة للاحتلال، والقديمة تم ضمها إلى رام الله وبلدية السلطة الفلسطينية.
ويتابع متحدثًا عن المعاناة التي يعيشها يوميًا سكّان البلدة، أن “الوصول من القديمة إلى الجديدة أصبح صعب جدًا، للذهاب إلى البلدة القديمة سأمر من رام الله إلى قلنديا ثم إلى البلدة القديمة، والعكس صعب أيضًا، حيث يحتاج إلى تصريح بدخول القدس حتى يتم الوصول إلى البلدة الجديدة. انفصلت المنطقة بشكل كبير، وصار التواصل صعب جدًا”.
الاحتلال يدمّر العلاقات الاجتماعية
قطّع الجدار الصهيوني أواصر العلاقات بين العائلات الفلسطينيّة، وأبعد بعض الأهل عن بعض، فأصبحت المنطقة التي لا تفصلها متراتٍ قليلة عن جارتها، أصعب في الوصول، من السفر إلى الأردن، وفق ما يقول المتحدث مع “بوابة الهدف”.
ويُضيف: “أصبح التواصل شبه مستحيل وصعب جدًا بين العائلات، فقد انقسمت العائلات نصفين. البلدة القديمة يعيش فيها الكثير من كبار السن، والذين يعيش أولادهم في البلدة الجديدة، ما يُصعّب وصول الأهل إلى الأبناء، أو العكس”.
تُلقي هذه المأساة بظلالها على المناسبات الاجتماعيّة، ففي حفلات الزفاف والجنازات أصبح من الصعب التواصل فيها والمشاركة، بين أبناء البلد الواحد، الذين صاروا أبناء بلدتين متباعدتين بسبب الجدار.
وقد أصبحت المقبرة الرئيسية لـ “بيت حنينا” في البلدة القديمة، وحتى يتم دفن شخص من البلدة الجديدة أصبح ضروري الوصول إلى البلدة القديمة، ما يصعب الوصول إليها من قبل كل الأشخاص. يؤدي ذلك وفق المتحدث، إلى جهدٍ كبير ووقت طويل وصعب، فإلى جانب معاناة الوفاة تأتي معاناة الجدار التي تمنع سهولة الدفن.
التهام الأراضي الزراعية
ولم يتوانَ هذا الاحتلال أيضًا عن قضم الأراضي والتهامها، إذ أصبحت بفعل الجدار معظم الأراضي معزولة عن البلدة التي يقطن فيها، فقد صار من الصعب وصول السكّان إلى أراضيهم والتي في غالبها مزروعة بالزيتون، فعُزلت ووضعها تحت سيطرة المستوطنين.
إلى جانب ذلك، توجد مساحاتٍ قليلة بين الطريق الاستيطاني الذي يجاور البلدة، والجدار العنصري الذي يحدّها، أصبحت أشبه بجزيرة، ويصعب الوصول إليها.
يؤكد المتحدث لـ “بوابة الهدف” أنّ أراضي البلدة لم تقسم إلى قسمين، إنما لعدة أقسام، أمّا الأراضي الزراعية فقد تم تدميرها وأصبحت “بور”.
ومن ناحية اقتصادية، كانت البلدة القديمة مركز “بيت حنينا” وفيها العديد من المحلات التجارية، جميعها أُغلقت.
ويُضيف “عدم استطاعة الكثير من أبناء البلدة الوصول إلى أماكن عملهم فكثير من سكان البلدة القديمة كان يعمل في البلدة الجديدة والعكس صحيح، وأدى فصل شطري البلدة إلى خسارة الكثيرين لتجارتهم ولوظائفهم”.
أمّا من ناحيةٍ دينيّة، فإنّ المسجد الأساسي الموجود في البلدة القديمة ببيت حنينا هو مسجد قديم أثري، أصبح من الصعب الوصول إليه، لأن الجدار قسم البلدتين.
وقد درجت عادة أهالي بيت حنينا على تبادل الزيارات في المناسبات والأعياد خاصة عيد الفطر وعيد الأضحى وجميع المناسبات الدينية. أدى الفصل بين جزئي البلدة إلى قطع أواصر المودة بين الأهالي في الشطرين فلا يستطيع الشخص أن يزور أقرب المقربين إليه حتى في مناسبة كالعيد.
وأمام ذلك، لا يزال الاستيطان يقضم أراضي البلدة، إذ بُنيت عدة مستوطنات فيها، وتحيط بها مستوطناتٌ أخرى، بينما يتعرّض السكّان لهجمات المستوطنين بشكلٍ مستمر، خصوصًا من في البلدة الجديدة لبيت حنينا.
يصف أحد السكّان ذلك قائلًا: “لم يتبقَّ لنا أراضٍ، معظم الأراضي تمت مصادرتها وأغلب المستوطنات مبنية على أراضينا. من عام 1967، يتم الاستيلاء عليها”.
رخص البناء.. صعبة
في بيت حنينا، أيضًا يتواصل مسلسل تهجير الفلسطينيين والضغط عليهم، إذ يصعب استصدار رخص البناء من قبل سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، والتي تسيطر على كلّ ما يتعلّق بذلك، في معظم أراضي القدس المحتلة والمناطق المسماة “ج” في اتفاقية “أوسلو”، الموقّعة مع السلطة الفلسطينية.
يقول أحد مواطني البلدة لـ “بوابة الهدف”، إن “البناء في البلدة مكلف جدًا ومتعب. إذا عندك أرض وتريد البناء عليها، فإنك بحاجة إلى 5 أو 6 سنوات حتى يتم إصدار الرخص اللازمة من قبل سلطات الاحتلال، عدا عن التكلفة العالية جدًا”.
ويُضيف “بناء بيت نحو طابقين يحتاج لأكثر من مليون شيكل. الأراضي المتبقية بعد الاستيلاء على العديد من الأراضي، يصل سعر الدونم منها إلى مليون دولار، والبناء عليه يحتاج إلى الملايين”.
تقصير رسمي ومؤسساتي
“للأسف لا شيء ملموس أو ملاحظ من أي جهة رسمية..”، بهذه الكلمات يتحدث محاورنا عن وضع بلدة بيت حنينا قرب القدس المحتلة، والتي يسعى سكّانها في ظل التقصير الرسمي من السلطة الفلسطينية والمؤسسات والجمعية غير الرسمية، إلى مساعدة أنفسهم ودعم بلدتهم، لإبقاء صمودها في ظل الهجمة الصهيونيّة.
ويُضيف المتحدث “لنا جمعية بيت حنينا وهي قديمة وموجودة من زمن الإنجليز، نحاول عمل بعض المشاريع التي لا تقدمها البلدية الإسرائيلية، قمنا مثلا بإنشاء ملعب كرة قدم على أراضي الجمعية ومنتزه للعائلات، ونعمل على جمع التبرعات لبناء المدارس، الطلاب يتم حصرهم في عمارات سكنية ما يُصعب العملية التعليميّة”.