بطولات سطرها معتقلو “الشعبية” في سجون الاحتلال الصهيوني
في عيدها الخمسين، نؤدي التحية لجبهة قدمت كل غال ونفيس وقدمت خيرة رجالها من أجل فلسطين، جبهة خرجت من رحم هذا الشعب وهامت في شوارع هذا الوطن “وزواريبه” واحترقت مع كل دمعة نزلت على “خدّ” أم شهيد ورقصت على زغاريدهن أيضا وعلى أصوات الرصاص الموجه إلى رأس كل خاين وعميل وعدو، مدرسة للرجال والشهداء والأسرى، وجامعة للفكر الثوري المسلح، تاريخ مطرز بالبندقية المثقّفة وبنقش أثواب المناضلات الجبهاويات على جبين هذا الزمان، ومحمّلة بفكر ماركسي نقديّ.
فالجبهة الشعبية التي بدأت منذ تأسيسها بشعارها “الحقيقة كل الحقيقة للجماهير” والتي خاطبت أبناء شعبها بكلام مثل هذا: “أيها الفقراء الصامدون في مدننا وقرانا في معسكرات البؤس. لا طريق أمامكم غير المقاومة ولا اختيار ، ليس هناك شعار نحمله ونردده بعد اليوم سوى المقاومة المسلحة، وليس هناك حياة لنا على أرضنا إلا من أجل الكفاح الشعبي المسلح وفي خدمة أهدافه وقتاله اليومي“. حافظت عى خطابها هذا على مدار هذي الأعوام، بل سطّر الرفاق في ساحات القتال أروع الأمثلة والتضحيات في سبيل فكرتهم واعتقادهم، ولم ولن تحيد جبهة أمينها حكيم ثورة وتلاه أمين عام شهيد وأخيرا أمينها القائد أحمد سعدات أسير في سجون العار الصهيونية.
وللجبهة في يوبيلها الذهبي نقبل تلك الرؤوس التي ما انحنت يوما في سجون العدو الصهيوني ووقفوا بشموخ في وجه جلاديه، وحافظت على شرف وتماسك هذا التنظيم وعلى رأسهم الأمين العام أحمد سعدات والقائد كميل أبوحنيش وعاهد أبو غلمي وغيرهم من أصحاب الهامات والعزيمة الأبطال الذين تحملوا القسوة بشمم وبقوا واقفين لا تلين لهم عريكة ولا يهتز لهم عنفوان.
فالأسرى هم خط الدفاع الأول بحق، وهم تخومنا الصامدة في وجه هذا العدو وزحفه ونهجه الاستيطاني، هم حملة الراية، رجال حين سلبهم الصهاينة بندقيتهم تسلحوا بالوعي الثوري .. بحتمية الانتصار والايمان العميق بعدالة قضيتهم وبالإرادة والصلابة.
فقد تعرضوا لأصناف من التعذيب يعجز الوصف عنها، من شدتها وقسوتها وطول فترة وقوعها، من سجن نابلس إلى المسكوبية وصرفند والخليل، ومن الجلوس على المسامير إلى الجلد بالقضبان والتهديد بالأولاد والأهل وحتى بالشرف إلى التعذيب النفسي والعقلي.
وعلى مدار الأيام طورت الجبهة من عملها وصمودها داخل السجون فكانت المرحلة الأولى من عام 1967 حتى عام 1975، حيث كان يطلب من الرفيق أن يصمد فقط 24 ساعة قبل أن يعترف غير آبه بما سيحصل وذلك للاعتقاد السائد وقتها بأن الثورة ستنتصر قريبا وأن السجن لن يطول.
ولكن الجبهة –كعادتها- بالتطور والارتقاء وقراءة الواقع والظروف بدأت مرحلة ثانية منذ عام 1975 حتى عام 1980 دعت رفاقها في السجون باللجوء إلى مسألة المخارج الأمنية كالاعتراف على شخص واحد أو على نقطة ميتة، وفي هذه الفترة سطر اثنان من الأبطال هم “علي الجمال” الذي استشهد عام 1975 ، والرفيق “محمد الخواجا” .
نمنحهم جميعا “وسام الصلابة” وسام الرفيق الشهيد “محمد الخواجا” -شهيد الصمود حتى الموت في أقبية المخابرات الصهيونية-، فعلى مدار أعوام طوال نهج الأسرى في سجون الاحتلال طريقا صعبا للصمود في وجه التحقيقات وسطروا ملاحم حتى الشهادة، فالشهيد “محمد الخواجا” رفض الاعتراف بأي كلمة أو معلومة حول الثورة أو التنظيم، وقد لاقى أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وكان رده دوما ” جسدي أمامكم، اقتلوا، اصلبوا، اشنقوا، اسلخوا الجلد عن اللحم، فلن تجدوا سوى الدم الأحمر الذي يحمينا من مهانة الاعتراف“، حتى استشهد في معتقل “رام الله” في 21/6/1976 .
وبدأت الجبهة مرحلتها الثالثة منذ عام 1980 ، وشعارها:
” إن كان ثمة شيء على الإنسان أن يضحي به، فالتضحية تكون بالحياة وليس بالشرف”
حتى جاء الشهيد القائد ابراهيم الراعي ليسطر شعار “الاعتراف خيانة” وليضع أمام أعيننا معجزة وأسطورة في الصمود وكسر هيبة ضباط مخابرات الإحتلال، مقاتل قال عنه أحد المحققين: “بقرة برأس إنسان” دلالة على صلابته وعناده، وأطلق عليه رفاقه –أبا المنتصر- لأنه انتصر وحده على دولة كاملة، واستشهد في 11/4/1988.
ولن نغفل أيضا عن رفيقاتنا القابعات وراء قضبان العدو ومنهم الأسيرة المحررة “دعاء الجيوسي” والتي اعتقلت من بيتها عام 2002 و كان حكمها هو 4 مؤبدات، وتعرضت للتعذيب والعزل ومنع الزيارات لأهلها.
وأود أن اختم بوصية الأسير الشهيد ابراهيم الراعي:
“كونوا جبهويين في كل شيء ومجرم من سيحاول الغدر بالجبهة بقصد أو بدون قصد ومجرم من يفرط بأسرار الحزب ومجرم من يركع أمام الأعداء ومجرم من لا تظل قامته عمودية منتصبة ومجرم من يمشي إلى الخلف ويتطلع إلى الوراء صوبوا أنظاركم نحو العدو وتقدموا وتقدموا فالنصر لنا.“
صوبوا أنظاركم نحو العدو
تقدموا وتقدموا فالنصر لنا”