انجازات ميدانية كبيرة للجيش السوري في شرق حلب واغلاق طريق الكاستيلو الاستراتيجي يحرم الفصائل المعارضة من خطوط امدادها.. الانقلاب التركي الفاشل صب في مصلحة الاسد وحلفائه.. وانباء عن خلاف تركي سعودي متفاقم
لا يمكن النظر إلى التطورات الميدانية الأخيرة في حلب إلا كمرأة لواقع سياسي جديد في الإقليم، دخل الجيش السوري إلى إحياء حلب الشرقية، حرر حي بني زيد، ومنطقة معامل الليرمون، وأغلق طريق الكاستيلو المعبر الوحيد لامداد الجماعات المسلحة داخل الأحياء الشرقية التي تتمركز فيها هذه المجموعات.
نقول ان لمعارك حلب أبعاد سياسية مرتبطة بمستجدات الإقليم، لأن كل التحركات العسكرية التي قام بها الجيش السوري وحلفاؤه جرت دون ضجيج أو اعتراضات وتصريحات عادة ما ترافق أي انكسار للمجموعات المسلحة في أي بقعة جغرافية في سوريا، فكيف إذا كان ذلك في حلب تلك المعركة التي تعتبر لجميع أطراف النزاع المحلي والإقليمي أم المعارك، وكانت بالنسبة لهم مقياس الكفة لانتصار لمشروع على حساب الآخر، ولذلك أطلق الرئيس أردوغان مقولة حلب خط أحمر، وأطلق الإيرانيون مقولة حلب أولا.
الطرف السعودي والقطري أيضا لا تأثير واضح لهما في عرقلة إجراءات الجيش السوري لإخراج حلب المدينة من معادلة النزاع الميداني في سوريا.
قد يبدو ما جرى اليوم في حلب أحد المؤشرات على إثر الانقلاب الفاشل في تركيا وتجسيد لمقولة الرئيس أردوغان بعده “أننا سنضع خلافاتنا مع الجوار وراء ظهرنا”، هو مؤشر واضح على انكفاء الدور التركي أقله في حلب. ونتيجة مباشرة لوقوف حلفاء النظام السوري إيران وروسيا ضد الانقلاب منذ الساعات الأولى له، وحالة التباعد الملموسة بين أنقرة والرياض بعد الانقلاب، بعد أن اكتشفت أنقرة حسب بعض الصحف التركية عن علاقة بين فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بإدارة الانقلاب وبين السعودية، حيث يوجد استثمارات كبرى حسب الصحيفة التركية لفتح الله غولن في السعودية، وكان يمكن أن تعمد الرياض على أنصار غولن في الجيش للانخراط بشكل أكبر في الحرب الدائرة في سوريا، وهذا ربما يفسر وقوف إيران بوضوح ضد الانقلاب، لأن المعلومات التي كانت بحوزة الايرانيين تؤشر إلى أن نتائج الانقلاب لن تكون في صالحهم.
تطورات حلب الميدانية ودخول الجيش السوري دون ضجيج إلى حي بني زيد الذي طالما كان مصدر قصف أحياء مدينة حلب الباقية بالهاون ومنطقة الليرمون الاستراتيجية، تسبق اللقاء المرتقب بين الرئيس أردوغان والرئيس بوتين بعد التوتر الذي ساد علاقة الطرفين أثر إسقاط تركيا الطائرة الروسية تسبق أيضا زيارة رئيس مجلس الشوري الإيراني علي لاريجاني أنقرة.
لنكون أمام إعادة ترتيب مواقع أطراف التأثير الإقليمي في الحرب السورية، في دمشق الرئيس الأسد حقق المزيد من تعزيز قوته في المعادلة ليس العسكرية فحسب إنما السياسية أيضا، أطلق الأسد تزامنا مع إنجازات جيشه في حلب وفي غوطة دمشق الشرقية أيضا حيث أفادت المعلومات الواردة من هناك أن الجيش السوري سيطر على حوش الفاره ليحكم الحصار ويصبح مباشرة على تماس مع مدينة دوما معقل جيش الإسلام، أطلق الأسد مبادرة عفو عام عن كل من حمل السلاح ضد الدولة وأراد أن يعود إلى حياته.
وأصدر الرئيس السوري الأربعاء مرسوماً، يمنح بموجبه ‹عفواً عاماً› للمتخلفين عن الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى ‹الهاربين من العدالة› وفق شروط محددة.
بحسب بيان رئاسة الجمهورية فإن «الأسد أصدر المرسوم التشريعي رقم 8 للعام 2016 القاضي بمنح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكرية، والمرتكبة قبل تاريخ 17/2/2016».
لا يشمل المرسوم – كما نص البيان – ‹المتوارين عن الأنظار والفارين عن وجه العدالة› «إلا إذا سلموا أنفسهم خلال 30 يوماً بالنسبة للفرار الداخلي و60 يوماً للفرار الخارجي».
وفي السياسية نقل مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين أن الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لبحث اقتراحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حول تطبيع الوضع في سوريا. ولابد أن تفرض التطورات الميدانية الأخيرة والوضع الإقليمي المستجد الذي أشرنا إليه آنفا نفسها على طاولة جنيف السوري، لجهة تثبيت الرؤية التي تحاول روسيا تسويقها لدى واشنطن وتتلخص بحكومة وحدة وطنية تشارك بها المعارضة مع دستور جديد ومواعيد لانتخابات تشريعية ورئاسية.
وهو ما سيرفضه جزء من وفد الرياض حسب المعلومات لكن دون أوراق بينما ستقبل به إطياف المعارضة الأخرى. يبدو الشهر المقبل هو شهر التطورات في مسار الأزمة السورية انطلاقا من انتظار ما سيحصل على جبهة الجنوب بعد أن اعلن وزير الدفاع الأمريكي فتحها ضد تنظيم الدولة، وانتظار كيفية التطبيق للتفاهم الروسي الامريكي العسكري المشترك في سوريا وما يتضمنه من تصنيف للجماعات المقاتلة في الميدان وما هو دور ومستقبل ومصير الجماعات المصنفة معتدلة، وما سيحمله ديمستورا للمتحاورين السوريين في جنيف من ترجمة للتفاهم الروسي الامريكي، وما سيحمله التقارب الروسي التركي والتركي السوري والإيراني التركي، كل هذا ستحسمه الأيام القليلة المقبلة.