النكبة والاونروا
أسست الأمم المتحدة منظمة تسمى «هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين» في نوفمبر 1948 لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وفي 8 ديسمبر 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة رقم 302، تأسست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لتعمل كوكالة مخصصة ومؤقتة، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات لغاية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
بدأت الأونروا عملياتها يوم الأول من مايو/ أيار 1950، وتولت مهام هيئة الإغاثة التي تم تأسيسها من قبل وتسلّمت سجلات اللاجئين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمرحيث تولدت موجتين رئيسيتين من اللجوء الفلسطيني، الأولى في نكبة عام 1948 (قيام دولة الاحتلال الصهيوني ) وأخرى أعقاب هزيمة 1967.
عندما جاءت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين مع وجود نكبة فلسطين كانت تعبيرا عن موقف دولي في مساندة مؤقتة للاجئين، وتضامنا إنسانيا خدماتيا يوفر لهم أساسيات الحياة حتى يعودوا إلى ارضهم ويتم حل قضيتهم.
فوجود الأونروا واستمرار خدماتها جزء من اعتراف العالم بحقهم وقضيتهم، وعدم تذويب اللاجئين في مجتمعات أخرى يحملون هويتها على حساب حقهم في وطنهم، ومن دون أن تتحمل أي دولة أخرى تستضيف اللاجئين عبئا ماليا وسياسيا نيابة عن كيان الاحتلال، لأن نقل مسؤولية اللاجئين إلى أي دولة يعني خدمة مجانية للاحتلال وتذويبا لقضيتهم، فضلا عن عبء كبير على أي دولة مهما كانت ثرية أو صاحبة موارد.
اللجوء لم يعد حالة معاناة، ويجب أن لا يكون، لكنه يجب أن يبقى موضوعا سياسيا ووطنيا، ووجود خدمات الأونروا ووصف اللجوء شاهد حي على الاحتلال وجرائمه، وعندما يقوم المجتمع الدولي بالتنصل جزئيا وبشكل متدرج من التزاماته عبر تخفيض التمويل فإن هذا موقف سياسي وإجراء سينتهي يوما بإلغاء وكالة الغوث ونسيان قضية اللجوء وتخلي العالم عن مسؤولياته تجاه اللاجئين، ولا نتحدث هنا فقط عن المساعدات والتعليم والصحة بل عن اعتراف العالم بأن هناك لاجئا له أرض محتلة وأنه تعرض للتشريد على أيدي أعداء صهاينة.
وحتى بالمنطق الاقتصادي للدول المستضيفة فإن تخلي العالم عن مسؤولياته ينقل الأعباء الاقتصادية يعني أن الدول المستضيفة ستدفع من ميزانيتها تمويلا للخدمات التي تتخلى الوكالة عنها، وهنا نتحدث عن خدمات مكلفة من تعليم وصحة وتشغيل وتدريب، ولهذا لا يجوز التعامل مع ملف تخفيض الخدمات في الوكالة على أنه قضية فنية بل بأبعادها السياسية والمالية.
في الأردن لدينا العدد الأكبر من اللاجئين، ولدينا عدد من المخيمات فيها أعداد كبيرة من اللاجئين ومع أن الحكومة تخصص كل عام موازنات لخدمات المخيمات عبر دائرة الشؤون الفلسطينية، إلا أن كل تخفيض من خدمات الأونروا يعني النقل الكامل تدريجيا لتوفير هذه الخدمات على حساب موازنة الأردن ومثله الدول العربية الأخرى، فضلا عن البعد السياسي المهم الذي سيضاف إلى أشكال أخرى مارستها أطراف عديدة لتذويب قضية اللاجئين وإفقادهم هويتهم لمصلحة هويات أخرى في دول مختلفة عربية وغير عربية.. ان التعامل مع إجراءات الوكالة بتخفيض الخدمات يجب أن لا يقف عند موظفيها، بل لا بد من عمل موسع ومنظم لمنع التوقف التدريجي للخدمات الذي سيعني بعد سنوات انسحاب المجتمع الدولي من مسؤولياته تجاه اللاجئين، وسيعني نوعا من أنواع تصفية ملف اللاجئين وتقديم خدمة مجانية للاحتلال الصهيوني، المسؤول الأول عن تشريد الشعب الفلسطيني عن ارضه.
(ذلك) سيعني، أيضا، أن كل خدمة تتوقف كليا أو جزئيا من الأمم المتحدة ستكون عبئا على الدولة المستضيفة، ومنها الأردن الذي يستضيف اكبر نسبة من الفلسطينيين اللاجئين، فضلا عن أن كرت الوكالة ليس لغايات المساعدات والخدمات بل هوية وطنية لإثبات حق الفلسطيني في العودة إلى ارضه.
قضية أكبر من الخدمات، هي أيضا قضية إقليمية تخص دول عديدة (الأردن وسورية ولبنان وتواجد اللاجئين في دول عدة لايوجد بها خدمات للاونروا)، ولهذا فيجب أن لا تترك فقط لموظفي الوكالة لمواجهة آثارها.
الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى أو اختصاراً أونروا هي وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 5.6 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم.
ان المسؤولية أمام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وأمام المجتمع الدولي بأسره؛ هي مسؤولية تاريخية نحو اللاجئين الفلسطينيين في داخل الوطن وخارجه، ويحتاجون من المجتمع الدولي الكثير من الخدمات المعيشة الأساسية كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وهذه الخدمات حق وواجب لابد من الوكالة إتمامه على أكمل وجه نحو اللاجئ الفلسطيني المعذب، وهذا لا يلغي حق اللاجئ الفلسطيني في العودة إلى أرضه والتعويض.
إن حق العودة إلى أرضنا فلسطين هو حق ثابت ومقدس، ولا نسمح بالمساس به، ولابد على وكالة الغوث الدولية القيام بواجباتها نحو اللاجئ الفلسطيني الذي يتعرض يوميا للنكبات ويواجه أشد الآلام، ويجب على الفصائل والقوى الفلسطينية وهيئات اللاجئين مواصلة حراكها وبقوة من أجل الوقوف في وجه هذه القرارات الخطيرة التي تستهدف حق العودة وتصفية قضية اللاجئين وشطبها من القواميس الدولية والهيئات الأممية، وإنهاء عمل وكالة الغوث الدولية وهي الشاهد الوحيد على نكبة فلسطين.