النقد والنقد الذاتي”وسيلة فعالة لتصويب الذات وتطويرها”
يعتبر مبدأ النقد والنقد الذاتي واحداً من أهم المبادئ التنظيمية الأساسية في حياة الأحزاب السياسية، إنه يشكل سلاح تنظيمي هام بيد أعضاء الحزب كي يستطيعوا تصويب ذواتهم وكذلك تطويرها، كما أنه مبضع حاسم في تصحيح وضع الحزب ككل والعودة عن أخطائه وبلوغ مرحلة متقدمة من الصواب في حياته الداخلية، وكذلك في مواقفه الوطنية والعامة.
إن مجرد وجود هذا المبدأ الهام وممارسته فعلاً من قبل العموم يدل على وجود ديمقراطية صحيحة في حياة الحزب الداخلية، حيث بممارسته النقد والنقد الذاتي يتم تحديد الخطأ وتلك الممارسات الضارة ويجري تصحيحها باتجاه تشجيع كل ما هو ايجابي وتقدمي، وبهذا فهو أداة واساس لتطور الاحزاب وقوة محركة لهذا التطور نحو الامام، وأنه يفعل فعله في إطار قوانين الجدل، وتحديداً ما يتعلق منها بقانون النفي، حيث ولادة الجديد من رحم القديم.
أما عن كيفية ممارسة هذا المبدأ الهام، فيتعين النظر إليه على أنه اسلوب انتقال وتجديد من القديم إلى الجديد، وأنه وسيلة بناء وهدم، وهنا يجب علينا أن نتحلى بالموضوعية عند ممارسة النقد، وأن نبتعد تماماً عن الذاتية أو الانطلاق من الأنا. كما يجب أن يمارس النقد بأعلى درجات الانسانية والروح الرفاقية، بعيداً عن الكيدية أو التجريح أو الاساءة للآخر لمجرد تحطيمه وتديمره، إنه وسيلة بناء وليس تجريح، وعلينا ان نمارسه بالشكل الصحيح لجهة مكانه وزمانه.
إن كل ما تقدم يؤكد ضرورة الإتصاف بالعلمية عند ممارسة النقد والنقد الذاتي، وعدم مراكمة الأخطاء او اللجوء إلى ردات الفعل، وأن لا نجامل في هذا الإطار.
إن مبدأ النقد والنقد الذاتي يتميز بترابط عملية النقد، بحيث نقوم بداية بالكشف عن الأخطاء والثغرات الموجودة في الجسم الحزبي أو الكيان المقصود بالنقد، ونقوم بدراسة هذه السلبيات وتحليلها بدقة مع ضرورة معرفة أسباب وقوع هذه الثغرات وأثرها على عمل الحزب أو الدولة أو الفرد. وفي ضوء التشخيص الدقيق للاخطاء نقوم، كهيئة أو مؤسسة أو حزب، باتخاذ القرار الصائب واللازم لتلافي هذه الاخطاء والانتقال إلى الوضع السليم، وعليه، علينا أن نحدد بدقة آليات وترتيبات تجاوز هذه الاخطاء، وبعد ذلك إمتلاك الارادة اللازمة لتنفيذ هذه القرارات، وإلا فإننا نكون كمن لم يفعل شيئاً.
تتجلى قيمة هذا المبدأ الهام من المبادئ التنظيمية في العودة إليه بانتظام وممارسته بشكل دائم ودوري كي يتخلص الفرد أو الكل من الاخطاء التي يمكن أن يكون قد وقع بها، فمثلاً في حياة الحزب الداخلية يمارس النقد والنقد الذاتي على مستوى المرتبة التنظيمية وبكل جرأة ورفاقية وموضوعية، والهدف هو تخليص الفرد من سلبياته، وهو بهذه الحالة لا يعتبر إجراءً تنظيمياً، إنه مجرد وسيلة للتصويب فقط.
كما أنه يمارس على مستوى الهيئات والمراتب، فيجوز توجيه النقد الايجابي أو السلبي من مرتبة عليا إلى أخرى أدنى منها، أو من قيادة الحزب إلى فرع أو منظمة بعينها، وهي هنا أي عملية النقد، لا تعد اجراء تنظيمي، إنه اسلوب معالجة وتصحيح باتجاه الافضل، وإلى الأمام.
وفي هذا المجال، من الضروري الاشارة إلى أن الاحزاب التقدمية ، ومنها حزبنا، تلجأ إلى ممارسة النقد العلني تجاه مواقفه ونشاطاته، وتحرص على أن تكون هذه الممارسة علمية وموضوعية وشفافة، التزاماً منها بضرورة مصارحة جماهير الحزب ومواكبة الظروف الجديدة والتطورات الفكرية والسياسية، وبهذا يكون الحزب قد استجاب لجماهيره ولكافة المستجدات وقام بما تمليه عليه الضرورة لممارسة هذا المبدأ الهام. وتجب الاشارة هنا إلى أن ممارسة النقد والنقد الذاتي على مستوى الحزب ومواقفه الفكرية والسياسية، تجري من على قاعدة وحدة الحزب الداخلية وتفعيل مبدأ المركزية الديمقراطية والتزام الأقلية برأي الاغلبية.
إن عملية التقييم والنقد تتم من خلال الفهم العلمي الدقيق للعلاقة بين السبب والنتيجة كإحدى مقولات الديالكتيك، كما انها تراعي التغيرات الكمية والكيفية الحاصلة في الظاهرة، سواء على مستوى الحزب أو المؤسسات أو الدول، وذلك من أجل معرفة كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة أو تلك. وفي هذا السياق يجب التأكيد على ضرورة ترابط ووحدة الاشياء والعلاقة المتبادلة فيما بينها، وليس من على أرضية رؤيتها منفصلة أو مشتتة، علينا أن نقدر جيداً دور الظرف الموضوعي عند ممارسة النقد، وفي الآن نفسه معرفة دور العامل الذاتي دون مبالغة أو تطرف. يقول فلاديمير لينين (إن مسلك الحزب تجاه أخطائه هو أحد المقاييس الأكثر أهمية والأكثر ضماناً للحكم فيما اذا كان الحزب جدياً، واذا كان حقاً يقوم بواجباته تجاه طبقته والجماهير العاملة، أن يعترف الحزب صراحةً بخطئه وأن يكتشف السبب ويحلل الوضع الذي أدى له ويعالج بانتباه الوسائل لإصلاح هذا الخطأ، هذه هي سمات الحزب الجدي….).
إذا يجب علينا الاتجاه إلى الواقع العملي كي نتمكن من رصد الثغرات أو الايجابيات، ونقوم إما بتصويب الأولى أو تعزيز الثانية، علينا التدقيق والدراسة المتأنية قبل إصدار الحكم، يجب البحث والتقصي والابتعاد عن أية احكام متسرعة أو مرتجلة، وهذا هو النقد العلمي البناء.
وبهذا تتم عملية تصويب الذات أو المجموع ومن ثم تطويرها.