المصالحة الفلسطينية بين مخططات تصفية القضية وآمال الشعب بالوحدة والمقاومة
بعد ما يقارب أحد عشر عامًا من الانقسام بين رأسَيْ السلطة في فلسطين المحتلة، وكرٍّ وفرٍّ بين عدة عواصم عربية من القاهرة إلى مكة حتى الدوحة، وسجالات ضمن سياسات البلدان المستضيفة للحلّ بينهما، بعضها تغيّرت سياساتها وبعضها الآخر تغيّر حكامها، اتفق طرفا النزاع أخيرًا على طيّ صفحة الانقسام في مصر.
طفت على سطح هذا الاتفاق علامات استفهام كثيرة عن بنوده غير الواضحة، سيّما فيما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية للطرفين، وكمّ التنازلات التي قدّمتها حركة حماس على وجه الخصوص.
في معرض الحديث عن طيّ صفحة الانقسام والمشهد الفلسطيني القادم، يقول القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مروان عبد العال، أنه لطالما طالبت الجبهة بالتنازلات عن المصلحة الفئوية للمصلحة الوطنية، وعن مكاسب السلطة لمصلحة المقاومة، ويُشدد “إن التنازل لبعضنا هو التنازل المباح والتنازل للعدو هو المرفوض.”
ويُضيف؛ “بهذا المعيار علينا أن نراقب إن كان ما جرى لدى حماس هو إعادة تعديل للتوازن بين ثنائية السلطة والمقاومة، ولنكن اكثر جرأة ونقول ان السلطة طغت على سياستها وكادت أن تكون المنافع السلطوية سببًا طاغيًا في الانقسام ومانعًا للمصالحة. هذا لا يعني أن حماس لم تكن مكرهة على هذا التنازل، فقد جرى استثمار الضغط الانساني لتحقيق مكاسب سياسية وخاصة بعد أزمات داخلية لطرفي الانقسام، وحصيلة تغيرات إقليمية وسقوط رهانات خاطئة على الثورات المضادة،” وفيما يتعلق بالتغييرات التنظيمية الداخلية لحركة حماس يًعلّق عبد العال قائلًا؛ “جاءت التغييرات التنظيمية داخل حركة حماس للقيام بالمواءمة السياسية كامتداد لعملية البحث عن مخرج من الأزمة ولحفظ دورها ووجودها.”
أما الباحث والكاتب الفلسطيني، الدكتور نواف الزرو، فيتساءل بعد هذه التطورات السياسية الدرامية – على حدّ تعبيره – المتعلقة بالمصالحة، وفي ضوء الملفات الكبيرة المتفجرة على الصعيد الفلسطيني الداخلي، بالأخص ما يتعلق منها بقوات حماس وبأجهزتها الامنية المختلفة وبأسلحتها،”فهل سيتم تجاوز هذه الملفات وغيرها لصالح تكريس المصالحة والوحدة الوطنية والمشروع الوطني الفلسطيني؟ وهل سيرتقي الجميع في نهاية الأمر فوق الذات والأجندات الفصائلية لصالح العام الفلسطيني، ولصالح التصدي الوطني المشترك للتحديات الماثلة في الأفق؟”
ويستدرك الزرو قائلًا: “هناك حقائق كبيرة في المشهد الفلسطيني اليوم، تُشكّل تحديات حقيقية في وجه المصالحة الفلسطينية، وربما على مدى سنوات قادمة يتوقع أن تتحول خلالها الخريطة السياسية الاسرائيلية نحو المزيد من التطرف اليميني المتشدد، والانزياح أكثر فأكثر لصالح (أصحاب أرض اسرائيل الكاملة، أو الكبرى أيضًا)، بل ربما تكون مساحة الحقائق-التحديات- الماثلة لاحصر لها، أبرزها وأخطرها أن الاحتلال لم يقبل بأي مصالحة-وحدة فلسطينية سابقًا، ولن يقبل بهذه المصالحة أيضًا وسيواصل العبث في الداخل الفلسطيني، على الرغم من بعض التقارير التي تتحدث عن صمت الاحتلال مؤقتًا إرضاءً لمصر. بيدَ أنه ليس واردًا في استراتيجيات الدولة الصهيونية لا تكتيكيًا ولا استراتيجيًا أي اعتبار، أو احترام، أو التزام بأي تفاهم أو اتفاق يتعلق بالقضية الفلسطينية.”
البرنامج الوطني الفلسطيني ومواجهةمخططات تصفية القضية الفلسطينية
يرى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، ومسؤول فرعها في لبنان، مروان عبد العال، أن المصالحة خطوة ضرورية لتحصين الواقع الفلسطيني، لكنها غير كافية، لأن هنالك مساحة بين المصالحة وإنهاء الانقسام ووقف تداعياته المؤذية والمدمرة للكل الفلسطيني، “فالاتقسام مصلحة للعدو الصهيوني بامتياز وتأبيده هو الهدف الذي يسعى إليه لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني”، وهنالك مسافة أيضًا بين إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية. وفي سياق الوقوف مع المصالحة رغم ضبابية بعض المواقف المرتبطة بها يؤكد القيادي الجبهاوي؛ “نوايا الآخرين لا تمنعنا من تشجيع المصالحة والثناء على كل ما يخدم انقاذ المشروع الوطني الفلسطيني ومعارضة النوايا السيئة الموهومة والمخططات التصفوية الساعية إلى إنقاذ التسوية من مأزقها.”
يستدرك عبد العال قائلًا: “لسنا واهمين أن الدافع الرئيسي لا يخلو من المصالح المؤقتة لطرفي الانقسام، فالاستجابة للمصالحة يعطينا القدرة على رفض ما بعد المصالحة. الوحدة لا تعني التطابق، والاختلاف لا يعني الانقسام، هذه تجربة الجبهة التاريخية. نحن لدينا رؤيتنا وأهدافنا، وللآخرين أهدافهم أيضًا. يستهدف مشروع الامبريالية الحقوق الفلسطينية، كان كذلك وسيبقى وهو محل اختبار جدي لقدرة شعبنا وقواه على إحباطه، ولكن لا يمكن القيام بذلك دون الكل الوطني لأنه يستهدف الكل الوطني، ما تسعى إليه إدارة ترامب هو تسوية شاملة وحل اقليمي، تسهم فيه بعض الدول العربية بالتطبيع والدعم المالي ويقوم على التصفية من خلال الإطار الكونفيدرالي والمكوّن من معازل (باندوستانات) فصل عنصري ولا دولة فلسطينية سيادية.”
أما الدكتور الزرو فيتابع حديثه عن التحديات الحقيقية في وجه المصالحة، ويقول: “إن تلك المخططات والخرائط الاحتلالية لا تشتمل عمليا – كما يريد الاحتلال – إلا على هياكل سلطة تبقى بمستوى الإدارة الذاتية، بدون صلاحيات حقيقية على الأرض أوعلى أي من الملفات السيادية.” حتى ما يسمى بالدولة الفلسطينية الموعودة، دولة”خريطة الطريق” أو”حل الدولتين”، ما تزال على الورق فقط، مع وقف التنفيذ، وهذا يبقى التحدي الوطني الفلسطيني الأكبر بدلالاته التحررية والاستقلالية-السيادية.
من أخطر الحقائق، وفقًا للزرو، أن مشروع الاحتلال الاقتلاعي الاحلالي التهويدي يجري تطبيقه على الارض الفلسطينية على مدار الساعة دون الالتفات إلى الفلسطينيين والعرب، أو إلى المجتمع الدولي، والاحتلال يسابق الزمن في بناء وتكريس حقائق الأمر الواقع الاستيطاني التهويدي في القدس وأنحاء الضفة الفلسطينية المحتلة، حيث غدت خرائط الاستيطان وجيش الاحتلال هي التي ترسم مستقبل الضفة و”الدولة المنتظرة”. يتساءل الباحث الفلسطيني مجددًأ؛”الاحتلال يختطف ويهود الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه، فما الرد والعمل الفلسطيني؟”
مستقبل الاتفاقومستقبل سلاح المقاومة
عن مستقبل سلاح المقاومة، وآلية التعاطي معه بعد هذا الاتفاق، وعن دور الفصائل الفلسطينية في وضع الاتفاق على المسار الصحيح وفق إرادة الشعب الفلسطيني، يشرح مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان أن الأمر يتعلق بوجود رؤية استراتيجية للمقاومة عمومًا، كقوى مقاومة وليس فقط لحركة حماس، لأنه ثبت بالدليل الملموس أن المشروع الامبريالي والصهيوني والرجعي، يحتاج للكل الوطني الفلسطيني ومعه معسكر المقاومة كاملًا، دون ذلك لن نتقدم خطوة، خاصة أننا أمام احتلال مدجج بالسلاح والاستيطان ولديه مليشيا مسلحة من جيش الاحتلال نفسه. يقول عبد العال؛ “لا أعتقد أن مقاومًا تحت الاحتلال يوافق على هذا المطلب. إنهاء الاحتلال هو المطلب.”
في ذات السياق يؤكد “بالتأكيد تتقدم حماس مع هذا الكل المقاوم وتضعف من غيره، لانها ستفقد الثقة التي مُنحت لها. ومن يكون هو نفسه وليس غيره سيكون أقوى، وفي السلطة تراجعت ودخلت في كلفة الخدمات والموظفين ومعايير الأنظمة، إنما بالمقاومة فهي مصدر قوتها؛ من أعطاها سلطة هي المقاومة وليس العكس. ما رشح من معلومات أن حماس طالبت بتأجيل البحث فيه، وهو يأتي بعد تقدم المصالحة عبر خطوات توحيد الأجهزة الأمنية وإعادة الموظفين وفتح المعابر وتثبيت عمل الحكومة،وثم الانتخابات التي تحدد السياسة التي ستنتهجها الحكومة، تأجيل الأمر لا يعني أن المسألة قد انتهت، ولكنها ستظل عنصر تفجير، سيسعى العدو الصهيويني ومن معه إلى الابتزاز السياسي، وربما إلى تفجير المصالحة؛ لأن هدفها أولًا وأخيرًا هو إسقاط الحق بالمقاومة وسحب سلاح المقاومة.”
من جانبه يشدد الدكتور الزرو أن ما يسمى بخيار المفاوضات والسلام قد سقط تمامًا، ولا يعوّل عليه في تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية، ما يعني عمليًا أن حكومة الوفاق أو الوحدة الوطنية الفلسطينية ستكون أمام استحقاق كبير وهو الخلاص من الاحتلال بوسائل أخرى. ويتحدّث عمّا أسماه “الجبهة الأممية الاعلامية- القانونية– القضائية- الأخلاقية ضد الاحتلال، والتي غدت تشكل وفق مؤشرات عديدة الجبهة الرئيسية للفلسطينيين في الأفق، فكل الساحة الفلسطينية ترى أن هذه الجبهة هي الأهم مستقبلًا، وهنا مطلوب من الحكومة-القيادة الفلسطينية قرار حقيقي يعكس إرادة فلسطينية جادة بفتح ملفات الاحتلال وجرائمه أمام المؤسسات والهيئات والمحاكم الدولية.
وبحسب الزرو، فإن المشهد الفلسطيني مقبل وفق مختلف التقارير على مرحلة صعبة، تتعلق بما أُطلق عليه “صفقة القرن” التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب بالوكالة عن “اسرائيل” حسب بعض المصادر الإعلامية الاسرائيلية، ولا تعطي هذه الصفقة الفلسطينيين أرضًا أو سيادة، أو دولة مستقلة؛ وهنا يسأل؛ “كيف ستواجه حكومة المصالحة والوفاق هذا التحدي الكبير الذي تقف وراءه أمريكا وإسرائيل ومصر ودول أخرى؟”. يطرح الباحث الفلسطيني تساؤلًا أخيرًا، الحقائق-التحديات المرعبة قاسما وجامعا بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية، لتقف وراء خطة استراتيجية واجندة سياسية واحدة في مواجهة الاحتلال ومشاريعه التي تستهدف إخراج الفلسطينيين من كافة الحسابات والاجندات الدولية كما أعلن وزير حربهم ليبرمان منذ وقت قريب؟ خاصة وأن المؤسسة الصهيونية بإجماعها تعتبر الصراع مع الفلسطينيين صراع وجود، والاحتلال يتربص وأصابعه تلعب في كل مكان، وبلدوزر الارهاب والتهويد يهدر بلا توقف.