اللهم لا حسد
مذهلة هي الأرقام الجديدة والتي ترصد الفقر والغنى في هذا العالم. فمنظمة اوكسفام أتحفتنا هذا الأسبوع بإحصائية جديدة تحوي مجموعة أرقام توضح مقدار الجرائم الاقتصادية التي تعاني منها البشرية هذه الأيام، والتي لا علاج لها في إطار المنظومة الاقتصادية الرأسمالية…
فلقد تحدثت الأرقام عن أن 2153 من أصحاب المليارات في العالم يملكون أموالا تفوق ما يملكه أكثر من 60% …نعم ستون بالمائة من سكان العالم، أي أن هؤلاء الحفنة يملكون ثروة تفوق ما يملكه أربعة مليارات وستماية مليون إنسان.
كما أتحفتنا أرقامهم أن ثروة 1% من الأكثر ثراء في العالم يمتلكون أكثر من ضعف… نعم ضعف مجموع الثروة التي يمتلكها 92% من البشر أي ما يعادل ضعف ثروة ستة مليارات وتسعماية مليون إنسان.
وحتى نبدأ في تلمس هذه الأرقام المذهلة بشكل اقرب إلى الذهن، نقول بان الأرقام المعروفة عالميا هي أن نسبة الذين يقعون تحت خط الفقر في العالم تطال حوالي نصف سكانه البالغ عددهم سبعة مليارات ونصف. ومعنى كون هؤلاء يقعون في دائرة الفقر فإنهم لا يمتلكون من المداخيل أكثر من دولارين في اليوم. ولكن ما هو معروف أيضا أن أكثر من نصف هؤلاء الفقراء يقعون تحت خط الفقر المدقع، وهو الخط الذي لا يعرف من وقع تحته ماذا يأكل غدا، فدخله هو اقل بكثير من دولار واحد في اليوم.
بعد سماع هذه الأرقام المرعبة تبدأ الأسئلة تتزاحم في الدماغ… هل تحكمنا شريعة الغاب؟.. هل هذه هي العدالة الاجتماعية؟… ألهذا المستوى المجرم يصل تركز وتمركز رأس المال في عهد الرأسمالية الاحتكارية وخطاب العولمة؟…
إن النظام الرأسمالي يستمد وجوده وقوته في الأصل من ابتلاع القيمة الزائدة التي يصنعها العامل في مواقع الإنتاج المختلفة ولا يحصل على معادلها من الأجر بل يذهب هذا المعادل إلى جيوب الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج… أي بعبارة أخرى فإن الربح الذي يجنيه الرأسمالي هو الذي يصنعه العامل ولا يتقاضى أجره.
ولكن في عهد الامبريالية يتضاعف هذا الربح بفضل سطو الاحتكارات على أجزاء من القيمة الزائدة التي يصنعها العامل في المؤسسات الصغيرة، وبفضل السطو على ما ينتجه الفلاح، وبفضل تدمير المنشآت الصغيرة والمتوسطة الصناعية والتجارية، بل ويتضاعف هذا الربح أضعافا مضاعفة عندما يتجلى النهب الاستعماري للشعوب فيتملكون بذلك المواد الخام شبه المجانية والأسواق العالمية والأيدي العاملة الرخيصة. ففي زيارة خاطفة لترامب إلى السعودية بصحبة ابنته استطاع نهب ما يقرب من نصف تريليون دولار(بالتحديد 450 مليار دولار) لم يخسر مقابلا لها سوى بضع ابتسامات من ثغر ابنته الجميلة الغالية وزعتها على اولي الامر.
وفي عهد هيمنة خطاب العولمة فان الاحتكارات تتخطى في بشاعة استغلالها كل الحدود، فهي تضاعف أرباحها من خلال الاستغلال البشع للبيئة المحيطة، فتفرض بالتالي على الأجيال القادمة عملا إضافيا غير مدفوع الأجر وذلك من اجل المحافظة على بيئتهم التي سيعيشون بها بدلا من أن يواجهوا خطر الفناء. فنحن نرى اليوم زيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون، والتهتك الحاصل في طبقة الايونسفير، والتغيير المناخي الذي وصلتنا طلائعه من خلال تقلص رقعة الجليد وزيادة منسوب مياه المحيطات والبحار وتعرض المدن الساحلية لأخطار الغرق والزوال وكذلك زيادة العواصف والأمطار والسيول وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وزيادة معدلات حرق الغابات والتوسع في استخدام الوقود الحيوي…الخ. إن كل ذلك إذا ما استمر وبنفس الوتيرة من الاستغلال فإن البشرية مهددة جديا بالفناء.
إن الركض وراء الربح الاحتكاري وإعادة تقاسم مناطق النفوذ هو الذي كان سببا في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وفناء عشرات الملايين من البشر. والركض وراء الربح الاحتكاري هو الذي يدفع القوى الامبريالية لخوض الحروب المتعددة وذلك لتوسيع رقعة استغلالها،… والركض وراء الربح الاحتكاري هو الذي يكمن وراء كل جريمة ومصيبة تطال البشرية وهو الذي يهدد جديا بفناء البشرية.
إن معادلة العالم في هذا الوقت هي الأرقام التي وردت والتي تقول أن 1% ممن هم أكثر ثراء في هذا العالم يمتلكون ضعف ما يمتلكه 92% من البشر، وان أل 1% هؤلاء هم سبب المصائب والجرائم والقتل والتدمير وكل أنواع الاستغلال البشع للبشر وللطبيعة.
إن ما نراه اليوم من استغلال بشع وانتهاك وتدمير لكل القيم الإنسانية لا يمكن أن يتم حله من خلال المنظومة الاقتصادية الرأسمالية أو أية أفكار تُبقي عليها وتحاول إصلاحها من الداخل. والحل الوحيد لخلاص مليارات البشر هو في التحرر من قبضتها وبناء مجتمع اشتراكي خال من كل صنوف استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.