السعودية تعلن عن حرب جديدة في سورية .. ولكن ضد من؟؟/ بقلم. د. موسى العزب
بعد أقل من (24) ساعة على إعلان مستشار وزير الدفاع السعودي استعداد بلاده لخوض حرب برية ضد “داعش” في سورية، نشرت (CNN) الأمريكية خبراً يؤكد وجود أكثر من (150) ألف جندي أغلبهم سعوديين ويلتحق بهم قوات مصرية وأردنية وسودانية، في حفر الباطن!
سرعان ما أصبح هذا المتغير من أكثر العناوين استقطاباً للقراءة من قبل أصحاب الشأن في تحليلات وتوقعات ومواقف متباينة، وخفّت وزارة الدفاع الأمريكية إلى الترحيب بهذه النيّة، كما أعلنت أنقرة المأزومة ارتياحها لخطوة الحليف الجديد.
حتى الآن لم يبرز للسعودية أي موقف مناهض لداعش في سورية، ولكن موقفها العدائي كان موجهاً دائماً ضد حركات التحرر التقدمية والقومية في عموم المنطقة، وقد اعتادت هذه المملكة تكريس أمنها تاريخياً بالاعتماد على الحائط الأمريكي، وكان لإعلان إدارة أوباما نيّتها خفض الانخراط الأمريكي في المنطقة وتحويل الاهتمام إلى مكان آخر، وقعاً شديداً على المملكة، وعزز من توترها، صعود الدور الايراني، ثم الحضور الروسي إلى المنطقة، فرأينا القوات السعودية تتنقل بشكل غير مسبوق، طوراً لكسر الحراك الشعبي البحريني، ثم تدخلها العدواني المتهور في اليمن تحت ذرائع محاربة “الحوثيين الشيعة”!؟
والسؤال المشروع حالياً، هل ستتدخل السعودية فعلياً ضد “داعش” من أجل الدفاع عن المبادئ الإنسانية وهي صاحبة الفكر الوهابي الذي تفرّخت من تحت عباءته معظم القوى الإرهابية التكفيرية؟
تطبق في السعودية حتى اللحظة قوانين تسمح بعقوبة قطع الرأس والاطراف، وفي الوقت الذي استقبلت فيه الأردن أكثر من مليون لاجىء سوري، لم تفتح دول الخليج العربي بما فيها السعودية للاجئين السوريين. يستقبل أحداً منهم.
وفي عمليات ما يسمى بالتحالف ضد “داعش”، فإن السعودية التي تمتلك (400) طائرة مقاتلة، لم تشارك إلاّ بخمسة عشر منها، بينما تقود الحرب في اليمن ب (150) طائرة .
نوايا السعودية كشفها مبكراً وزير خارجيتها عندما صرح: “إذا لم يغادر الأسد السلطة بالسياسة، سيغادر عن طريق الحرب”!
ولا تخفي القيادة السعودية بأنها تضع فزعتها للتدخل في سورية في سياق صراعها مع إيران “الشيعية”.
لقد طبع الصراع في المنطقة مؤخراً تعمق الخصومة بين السعودية وإيران ويتجسد في عمق هذا الصراع كل التوترات السياسية والدينية، ويخفي صراعا مواربا على النفوذ بين إيران الصاعدة والمتحررة حديثاً من كلف الحصار الطويل، وبين السعودية التي تبحث عن دور يملأ الفراغ الأمريكي المفترض، وبذلك يضيف النزاع السعودي عقدة جديدة إلى الأزمات المتعددة في الإقليم والتي ترتبط بمجملها بالمشروع التفتيتي الإمبريالي الصهيوني.
تتذرع السعودية بأنها تعمل “لردع الغزو الروسي الإيراني”، ولكنها بدأت عدوانها قبلاً وبتوجيه من الراعي الأمريكي، بالمضاربة بأسعار النفط، في محاولة لضعضعة اقتصاد روسيا وفنزويلا وإيران في مغامرة لم يخرج منها رابحاً إلا واشنطن.
الإدارة الأمريكية التي أعلنت نيّتها ترك المنطقة، لا تتخلى بسهولة عن “حليف” بحجم السعودية، فراحت توظف تخوفات الرياض من الجار الإيراني، في دفع السعودية لاحتواء تمرّد طهران، رغم إحتمال إرتداد مثل هذه المخاطر على السعودية وإقتصادها وإستقرارها.
السعودية المأزومة، تتخبط، أعدمت الشيخ النمر وهي تدرك مكانته، وقطعت العلاقات مع إيران لتحسم ذهابها إلى المواجهة، ورغم خصومتها العقائدية مع “الإخوان”، ووصفهم كمجموعة إرهابية، إلا أنها تعاونت معهم في اليمن، وتقاربت مع إردوغان، وبدأت تُعقد لقاءات –غير رسمية- مع “إسرائيل” استعداداً لمهام الكيان الصهيوني القادمة في ضرب إيران، تمهيداً لإسقاط سورية والمقاومة وإرباك مصر.
إعلان السعودية استعدادها لمحاربة “داعش”، يأتي خارج سياق سياستها واستراتيجيّتها التي رسختها بشكل واضح على العلن ضد “الشيعة” والمد الصفوي، وقادت المنطقة إلى مستنقع الاستقطاب المذهبي، وحروب الوكلاء في العراق وسورية.
وللتدليل على توجهات النخب والشارع السعودي، فقد وقّع (53) “عالماً” سعودياً مقربين من النظام على إلتماس دانوا فيه “الضربات الجوية الروسية التي تستهدف المقاتلين في الحرب المقدسة في سورية الذين يدافعون عن الأمة الإسلامية ككل، وإذا ما هزم هؤلاء المقاتلين، فإن دولة الإسلام السني سوف تسقط”!؟
تدرك السعودية بأنها قد استُنزفت في ُبؤر الصراع المتفرقة، ولكنها تقوم من خلال إستعدادها الحربي لطمأنة جماعاتها المسلحة في سورية وهم يتعرضون لخسائر متتابعة، وهي التي تقود هذه المعارضة الآن التي انتقل مركز قيادتها إلى الرياض وباتت شأناً سعودياً. كما تعمل من خلال اندفاعتها هذه، إلى تكريس دور قيادي للمحور المذهبي، واستنهاض المترددين في هذا المحور، وتجميع صفوفه في التحضير لصراعها القادم.
الولايات المتحدة التي تبدو في وضع قاتم وتراجع في الإقليم، تشجع ذلك، ورغم ما يبدو من تحول في الموقف الغربي تجاه الملف السوري، وما جدّ من متغيرات في قدرة التحالف الروسي الإيراني السوري على تحقيق مكاسب جوهرية في ميزان القوى، فقد أثنى كيري على استعداد السعودية للعب هذا الدور التعبوي المذهبي، حتى ولو لم يُترجم فوراً إلى خطوات عملية، إلا أنه يحمل حجماً من النوايا الكامنة من الممكن توظيفها مستقبلاً ضمن المخطط الغربي لإضعاف روسيا وحتى الصين لاحقاً.
السؤال المُلّح الآن: كيف سنواجه هذا الوباء التكفيري الذي ينتشر في المنطقة تحت عباءة الحرب المذهبية؟ هل ما يزال الوقت يسمح بإجراء حوار استراتيجي بين المحورين الرئيسيين في المنطقة؟ وهل ستسمح الدوائر الغربية بترسيم نقاط الخلاف وتعظيم المشتركات بين الغريمين المتنازعين؟