أخبار فلسطين

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة و”سلطة أوسلو”: هل تقدم قيادة السلطة على التمرد على نفسها؟

لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، هذه كانت آخر كلمات القائد الفلسطيني الفذ، وأهم قيادات الجناح المسلح في حركة فتح، خليل الوزير أبو جهاد، الذي اغتاله الموساد الصهيوني في تونس عام 1988 بالتزامن مع أحداث الانتفاضة الأولى. عقب انتفاضة الحجر الأولى، انتفاضة الأقصى التي كان لحركة فتح وكوادرها دورًا بارزًا في كل منهما، بيد أن ارهاصات اتفاقيات أوسلو المشؤومة والتي تفاقمت بعد اغتيال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح ياسر عرفات أبو عمار، أوصلت دفّة فتح إلى يد محمود عباس الذي صرّح بملء فمه أن “اسرائيل موجودة، ووجدت لتبقى”.

للحديث عن دور حركة فتح ودورها في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التقت نداء الوطن في كل من الأستاذ أحمد مراغة، عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، والأستاذ محمد خروب المحلل السياسي والكاتب في جريدة الرأي، والأستاذة نادية سعد الدين، مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في صحيفة الغد الأردنية.

ضرورة الانتفاضة الثالثة

يرى عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الرفيق أحمد مراغة أن الانتفاضة الشعبية السلمية هي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال، مارسها الشعب الفلسطيني الأعزل منذ ما قبل اغتصاب فلسطين وما بعده، وهي إرادة قائمة ومؤكدة حافظت عليها الأجيال الفلسطينية جيلاً بعد جيل، ومن الطبيعي أن يعتري هذا الشكل حالة المد أو الجزر لجدلية علاقتها بالسياسات والمواقف التي تحيط بها فلسطينياً وعربياً وعالمياً، وهذا ما يفسر كيف حلت النكبة رغم الثورات الفلسطينية لمنعها، والعوامل التي ساهمت في تراجع الكفاح المسلح ووضعت القضية الفلسطينية على طاولة المساومة والاعتراف بالكيان الصهيوني، واستغلال الانتفاضة الأولى لإنتاج سلطة الحكم الذاتي، بمفاعيل أوسلو، وكيف قمعت دموياً الانتفاضة الثانية.

ويتابع مراغة، بالمقابل زاد الاحتلال العنصري من بطشه على شعبنا، وتوسع بمستوطناته أضعافاً، وامتد ليشغل محيطه في صراعات دموية تحقيقاً للأهداف التي جاء محتلاً لأجلها، هذا الى جانب العلاقات التطبيعية لأكثر من ساحة عربية، كل ذلك حصل بفعل سقوط اطراف فلسيطينية في مستنقع التفاوض والاستسلام للعدو، لحقه تهافت رغبات دفينه لأنظمة عربية للاعتراف وتطبيع العلاقة معه.

الأستاذ محمد خروب يعتبر أن أداء سلطة اوسلو طوال ربع قرن من المفاوضات العبثية التي كانت فرصة ذهبية لقادة الدولة الفاشية لفرض الأمر الواقع الاستيطاني، فإنها لم تترك أي نافذة أمل لدى الجمهور الفلسطيني لمواصلة الثقة أو الرهان على سلطة مفلسة كهذه، تواصِل التنسيق الأمني مع جيش الإحتلال ولا تتورع عن مطاردة المناضلين والزجّ بهم في سجونها أو تسليمهم للعدو الصهيوني.

كما يرى خروب أن “الهوّة بن الشعب والسلطة، كما بين الشعب وباقي الفصائل، المنضوي منها تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية أم تلك التي حتى الآن خارجها أدت إلى انعدام الثقة.

بذات السياق تؤكد الأستاذة نادية سعد الدين، أن الانتفاضة تأتي ضمن مسار المقاومة المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي، الممتد منذ ما قبل عام 1948، بدلالتها اللغوية المباشرة التي تعني الرفض والتمرد الذي تمارسه القوى المظلومة والمضطهدة والمقموعة ضد القوة المسيطرة والمهيمنة بهدف الانعتاق والتحرر، ذلك بوصفها شكلاً مكملاً لأساليب النضال الوطني ولصراع الإرادات، استهدفت التأثير الفاعل على إرادة المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي وإجباره على القبول بالواقع الفلسطيني من أجل تجسيده سياسياً على الأرض الفلسطينية، بإقامة الكيان السياسي، بوصفه هدفاً مرحلياً للنضال الوطني. وقد فرضت الانتفاضة الفلسطينية نفسها على مسيرة الحركة الوطنية وشكلت الرد الثوري المناسب في مواجهة الاختلال الفادح في موازين القوى، بخاصة مع محاولات تصفيتها وإجهاضها. وإذا كانت الانتفاضة قد عبّرت عما يعتمل داخل الشعب الفلسطيني من مشاعر الغبن والغضب، وعن تمسكه بعدالة القضية الفلسطينية، غير أنها لا تختزل إلى ظاهرة عاطفية عفوية، وإنما تعكس تحركاً سياسياً وصل بهذا الحجم والاستمرارية الاستراتيجية من أجل تحقيق أهداف سياسية تمثل جزءاً من هدف النضال التحرري الفلسطيني.

كما ترى سعد الدين أن القوانين والقواعد والشروط العامة التي تحكم عمل الانتفاضة تختلف من انتفاضة لأخرى، تبعاً لطبيعتها ومضمونها ومكانها وزمانها ومهماتها وأهدافها، فإن هناك عدداً من العناصر الجوهرية الثابتة واللازم توفرها لضمان تطورها إلى انتفاضة ثورية، مثل توفر إرادة التحدي والصمود وروح المبادرة والهجوم، والقدرة على المواصلة والاستمرارية وتوظيف القدرات البشرية والإمكانيات المادية واستثمار التطورات الموضوعية المحيطة والمتولدة مع فعاليات الانتفاضة. وإذا كانت إرادة التحدي والصمود متوفرّة عند الشعب الفلسطيني، في انتفاضته الراهنة، فإن استمراريتها يتطلب إنهاء الانقسام، الممتد منذ العام 2007، بإنجاز المصالحة، الغائبة، وتحقيق الوحدة الوطنية لمجابهة القرار الأمريكي والتصدي لعدوان الاحتلال الإسرائيلي.

أوسلو ومنظمات الـNGOs ودورها في تدجين الشارع

في معرض الحديث عن ردّ الشارع، يقول مراغة إن الرد الشعبي الفلسطيني على ما آلت إليه القضية، بانتفاضته الثالثة القائمة حالياً، حركها ظاهرياً قرار ترامب بنقل سفارته إلى القدس، جاء ليثبت لمن استسلم وطبع واعترف، بأنه يرفض الاحتلال، وأن ثقافة المقاومة لديه حية، ولديه الاستعداد للتضحية في سبيل حريته واستقلاله على كامل أرض فلسطين التاريخية، وأن سنوات أوسلو وغيرها من معاهدات الاستسلام فشلت في احلال ثقافتها كخيار استراتيجي كما ارادها مهندسوها حتى عند قواعدهم، وأكثر من ذلك اظهرت هذه الانتفاضة رسوخ ثقافة المقاومة عند عموم الشعب العربي من محيطه إلى خليجه، وتنامي التأييد الشعبي العالمي لعدالة هذه القضية.

أما الصحافي محمد خروب فيرى أنه ليس ثمة ما يمكن وصفه بالتدجين، فلا السلطة قادرة على القيام بمثل هذا العمل المشين، ولا الشعب الفلسطيني نقص لديه منسوب التضحية والنضال، منذ مائة عام حتى الآن. لهذا لن يرفع الشعب الفلسطيني الراية البيضاء، ولن يقبل بأية “تسوية” كتلك التي تُروّج لها سلطة أوسلو وبعض العواصم العربية المتواطئة مع الإمبريالية الأميركية ودولة العدو الصهيوني.

وعن حركة الجماهير في الضفة الغربية المحتلة، يقول خروب: “إن الهبّة التي راهن عليها البعض قد عكست، ضمن أمور أخرى، حجم انعدام الثقة بين هذه الجماهير وبين القيادات التي ابتُلي بها هذا الشعب العظيم، ولم تُتَح له الفرصة لـ”رَكلِها” وعدم منحها أي تفويض للنطق بإسمه أو التفاوض نيابة عنه، بهذه المقاربات الإنبطاحية والتفريطية.”

تقول الدكتور نادية سعد الدين الباحثة الأكاديمية في العلوم السياسية إنه في ظل مسار ممتد من العملية السلمية، منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، لم يـُحرز خلاله تقدماً على صعيد إحقاق الحقوق الفلسطينية المشروعة في التحرر وتقرير المصير ودحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم التي شردوا منها بفعل العدوان الإسرائيلي عام 1948، مقابل تكريس الاستيطان وتهويد القدس وتصعيد الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، تصبح المقاومة السبيل الكفيل لإحقاق الحقوق الوطنية.

 وتشدد على أن فشل المسار “التسووي” وتصعيد الاحتلال الإسرائيلي من عدوانه ضد الشعب الفلسطيني أدى إلى تنامي دور المقاومة في الساحة الفلسطينية،  كما جاءت الانتفاضة الفلسطينية 2000، التي تساوقت مع تنامي المقاومة المسلحة، بوصفها نتاج فشل مسار التسوية السلمية بين الجانبين الفلسطيني – الإسرائيلي، بسبب الموقف الفلسطيني الثابت والمناهض للموقف الإسرائيلي المتعنت الرافض لحق عودة اللاجئين وللتخلي عن مقولة القدس الموحدة.

وترى أن هذا الحال يتجسد اليوم مع انتفاضة الغضب الشعبي العارم الممتد في عموم فلسطين المحتلة ضدّ قرار الرئيس ترامب، حيث لم يحل اتفاق أوسلو، بالتزاماته وملحقاته، ومنها التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، في إخماد وتيرة الحراك الفلسطيني المنتفضّ بمقاومته القاطعة في حقها وهدفها الوطنيّ الجمعيّ.

الانتفاضة واستمرارية الفعل المقاوم

يؤكد القيادي في حزب الوحدة الشعبية الرفيق أحمد مراغة أنه حتى تستمر هذه الانتفاضة وتتعاظم لا بد من إحياء الكفاح المسلح كشرط من شروط تحرير الأرض وطرد المحتل، وعودة هذا الشرط مرهون بتسريع إنهاء الانقسام والتوحد على برنامج مقاوم في الداخل والخارج، وإدارة الصراع على أساسه، والفرصة متاحة ضمن محور المقاومة الذي أكد على أن بوصلة فلسطين وتحريرها، خاصة وأن هذا المحور على وشك وأد ظاهرة التكفيرين الدموية، للتفرغ بعد ذلك لتكون معركة مفتوحة تعيد فلسطين إلى أهلها وبناء دولته الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس، وستكون حتماً لهذه النتيجة تغييراً جذرياً في الواقع العربي المقسم، لأن فلسطين مفتاح حريتها ووحدتها.

من جانبه يرى خروب أنه لا تناقض بين استمرار العمل الشعبي المقاوِم للاحتلال، وبين مواصلة النضال المسلّح، رغم الاختلال العميق في موازين القوى لصالح العدو الصهيوني إلا أن المرحلة الراهنة – الخطيرة والمفصلية – التي تمر بها القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني الآن، تُحتّم وبالضرورة البحث عن طرق وأساليب نضالية جديدة ومبتكَرة، تحول في الدرجة الأولى دون تمرير مخطط تصفية القضية الفلسطينية، الذي تنخرط فيه دول عربية بحماسة ونذالة، تفوق تلك التي يتوفر عليها التحالف الصهيو-أميركي الفاشي.

 في سياق متصل تشدد سعد الدين، مجددًا، على أن المقاومة تبدأ ببداية المشروع الاستعماري، وكرد فعل طبيعي لجوهر القهر والاستغلال الذي يقوم عليه هذا المشروع، وتستمر حتى الوصول إلى الاستقلال السياسي، ولا يعني ذلك أنها لا تهدأ لحظة أو لا تصاب بالهزائم المؤقتة، إذ ليس شرطاً أن تستمر المقاومة على ذات الوتيرة، فقد تخبو أحياناً وقد تنشط في أحايين كثيرة من دون أن يعني ذلك توقفها، لكنها لا تنتهي إلا بتحقق الغاية السياسية المرجوة منها، حيث يعتبر نضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال في سبيل مزاولة حقها في تقرير المصير، نضالاً وحقاً مشروعاً تتضمنه الثقافات والأديان ويتفق مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

 وتختم “لاشك أن الأحداث والمتغيرات الجارية في المشهد الإقليمي العربي والدولي تؤثر جلياً على الأوضاع في الأراضي المحتلة، غير أن الانتفاضة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجدداً، بعد غياب طويل، مثلما نشطت المحاولات، الأمريكية الإسرائيلية، لوقفها وإعادة الأمور إلى مربعها الاحتلالي الأول، بما يستلزم إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، في ظل ما تواجهه القضية الفلسطينية، اليوم، من مفصل تاريخي حاسم، يتطلب معه وضع استراتيجية وطنية، محددة بالوسائل والأدوات والمسار، للتصدي للقرار الأمريكي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى