فكر

الاشتراكية هي الحل

ما من أحد تعرض لصدمات إشكالية، مختلفة ومتناقضة، كما تعرض العرب: –
– صدمة الحضارة والخلاف حولها، التي ترافقت مع حملة نابليون، وكانت مصدر السؤال الذي طرحه الأمير شكيب أرسلان (لماذا نتخلف ويتقدمون).
– صدمة التخلف، بعد ظهور داعش وخطاب الإسلام الأمريكي.
– صدمات الهزائم العسكرية، من عام 1948 الى حزيران 1967 الى حصار بيروت وسقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي.
– الصدمات التي يتعرض لها العرب كغيرهم، مثل صدمة الجيل الخامس وربما السادس، من الثورة المعلوماتية. كذلك صدمة ال كورونا وتداعياتها في كل الحقول.


وكان المثقفون والسياسيون العرب، في كل مرة يتنافسون في تفسير هذه الصدمات، وردها الى هذا السبب او ذاك، من فشل البرجوازية الكبيرة» الى فشل البرجوازية الصغيرة»، ومن فشل القوى القومية واليسارية الى فشل الموروث الديني، ومن الفشل الراديكالي الى الفشل الليبرالي ومن الفساد الى الاستبداد الى كليهما، وهكذا ….
وقد غلب على معظم هذه القراءات، التعميمات والاطلاقات والتنظيرات دون التمعن في البنى والتركيبات الاقتصادية والاجتماعية، وجدل العلاقة بينها وبين التعبيرات السياسية والأيديولوجية.
قيل الكثير عن ركام السياسة والأيديولوجيات، فيما لم يعرف العرب حقا»، لا علم السياسة ولا الحقل الأيديولوجي، ناهيك بأهم حقلين لهما تأثيرات كبيرة في حياتهم، وظلا محتكرين عند الغرب وخاصة الامريكان، وهما الجغرافيا السياسية، وعلم الاجتماع.
الى ذلك، وفيما يخص المشهد الراهن، ومقابل الاطروحات السائدة لخطاب الإسلام السياسي الامريكي والليبرالي (الإسلام هو الحل) (الديموقراطية هي الحل)، ها نحن نعيد الاعتبار لأنفسنا كاشتراكيين (الاشتراكية هي الحل)، متسلحين بمراجعات نقدية، تنطلق من الموروث الاشتراكي، ومن اللحظة الراهنة لتحول السلطة، والثورة المعرفية المتسارعة، كما من التحديات التي تخصنا، ومن اضاءات هنا وهناك، لمشاريع فكرية برسم التوظيف والعقل النقدي في كل لحظة.
وذلك بالإضافة للفكر الاشتراكي العالمي منظورا» له بعين نقديه، وخاصة مدرسة فرانكفورت ولوكاش وغرامشي ونزعات النقد الإنسانية وثقافة الثورة الدائمة، والمقاومة، وللتجارب العالمية وخاصة ما يشبهنا او كان يشبهنا (الصين ثم فيتنام ) وللتجارب العربية في مصر الناصرية وسوريا والعراق والجزائر، ونقف ايضا عند قراءات مفكرين من مواقع مختلفة، مثل :
ياسين الحافظ، الياس مرقص، مهدي عامل، سمير امين، عبد الله الريماوي، جمال حمدان، عصمت سيف الدولة، واعمال محمد الجابري (ثلاثية القبيلة-العقيدة-الغنيمة) والعروي (فكرة الفوات الحضاري ) وانطون سعادة (فكرة الإقليم والمتحد الجغرافي الاجتماعي والثقافي بكل مكوناته الاثنية والديموغرافية).
انطلاقا» من ذلك ودون الدخول في التفاصيل الفكرية لكل ما سبق، تصبح (الاشتراكية هي الحل) وفق المناهج والمنظورات الاشتراكية التي لم تتعرض للتشويه أو الاجتزاء:-
أولا»: من حيث المنظورات العامة:
1-الاشتراكية، بما هي جدل العلاقة المتحركة لا الميكانيكية بين الوعي والوجود الاجتماعي في سياقاته وتحولاته والدور الفاعل للبشر في كل ذلك.
2-الاشتراكية، بما هي نظرية للصراع الطبقي التاريخي بين قوى الإنتاج وعلى راسها العمال والشغيلة، وبين القوى والطبقات وعلاقات الإنتاج الرأسمالية، حيث تتوفر لأول مرة في تاريخ الصراع الطبقي وعبر العمل الثوري وبفضل الطبقة العاملة والوعي الاجتماعي- السياسي – الفكري لممثليها- الفرصة التاريخية لانتصار قوى الإنتاج والشغيلة وهزيمة قوى القهر والاستغلال الطبقي.
3-الاشتراكية، بما هي، ليست مجرد نظرية في الاقتصاد وإعادة توزيع الدخل، بل منظومة عمل تتخذ من الانسان، الفرد والاجتماعي، واحتياجاته المادية والثقافية والروحية محورا» لها فلا تغيب الانسان الفرد باسم الطبقة كما يذهب بعض الاقتصادويين ولا تغيب الطبقة والجماعة باسم الانسان الفرد، كما لا تضع الاحتياجات المادية او الثقافية، الواحدة مقابل الأخرى او الى جانبها، بل عبر علاقة جدلية بينهما.
4-الاشتراكية، بما هي أرقى نظرية للعدالة والمساواة.
5-الاشتراكية، بما هي أرقى منظومة للديموقراطية الشعبية، حيث لا تقتصر الديموقراطية على الحقوق المدنية والسياسية وتداول السلطة وحق التعبير، بل تشمل الحق في العمل ومسؤولية الدولة الكاملة عن التعليم والصحة والتقاعد والضمان الاجتماعي.
6-الاشتراكية، بما هي أرقى تعبير عن الحرية بوصفها وعيا جدليا» للضرورة التاريخية والانتقال من حالة الطبيعة الى حالة الحضارة عبر تشكل انتقالي للمجتمع السياسي الاشتراكي.
7-الاشتراكية، بما هي أرقى تعبير ليس عن قوى الإنتاج من الشغيلة وحسب بل وعن النساء وحقوقهم المساوية تماما لحقوق الرجل في كل الحقول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية. وهو ما يجعل الاشتراكية بالنسبة للمرأة كما للعمال، متفوقة وبمستويات عالية على كل التيارات الأخرى، من الليبرالية والإسلام السياسي الامريكي.
8-الاشتراكية، بتفوقها على الخطاب الرجعي من جهة، وعلى الخطاب الرأسمالي الليبرالي من جهة أخرى، فيما يخص الموقف من العقل والثورة العلمية، اذ برهنت تداعيات الثورة المعلوماتية الانحطاط الأخلاقي الكامل للرأسمالية ازاء البشر والتعامل معهم كأرقام ومكعبات صماء وكتل برسم الإبادة بمنطق مالثوس والداروينية الاجتماعية الجديدة.
ثانيا: الاشتراكية كوعي للضرورة التاريخية والحالة العربية:
في ضوء أفول التجارب القطرية، وفي ضوء الطابع الرجعي والطائفي للإسلام السياسي، وفي ضوء الطابع التبعي لجماعات الليبرالية الجديدة، فان الاشتراكية في الحالة العربية تتوخى بناء منظومة جدلية، تربط القضايا الاجتماعية والصراع الطبقي والحق في تداول السلطة والتغيير عبر مناخات ديموقراطية تعددية حقيقية، بالقضايا السياسية الكبرى للعرب بما فيها الصراع العربي الامبريالي الصهيوني.
ان الاشتراكية في الحالة العربية، هي النظرية الوحيدة القادرة على الإجابة على أكثر الأسئلة راهنيه، حيث يرتبط تحرير الانسان من القهر والفقر والاستغلال مع تحرير العقل من الجهل والتخلص من الطائفية، ومع تطوير الذائقة الثقافية في الادب والموسيقى والنحت والفنون المختلفة، كما يرتبط مع تحرير الأراضي العربية سواء من عدو كالعدو الصهيوني او من القواعد الأطلسية او علاقات التبعية.
وكما كتب ياسين الحافظ عن تجربة فيتنام، وسمير امين عن تجربة الصين، فالاشتراكية المطلوبة عربيا، هي اشتراكية التحرير والتوحيد والتقدم.
ذلك انه إذا فقدنا بسبب الركود الاقطاعي خلال الاحتلال العثماني، الشرط التاريخي للدخول في العصر عبر الثورات البرجوازية الصناعية الأوروبية، التي ولدت من خلالها الأمم وحررتها القومية المتحدة الحديثة، ودخلنا فيما اسماه عبد الله العروي (الفوات الحضاري ) وانتهينا الى ثلاثية الجابري (القبيلة-العقيدة-الغنيمة) كتوصيف للدولة الكيانية، فأكثر الخيارات ملائمة لنا هو الاستفادة من تجربة الصين وفيتنام .

بواسطة
د.موفق محادين
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى