أخبار فلسطين

القضية الفلسطينية والعمق العربي/ بقلم: الدكتور سعيد ذياب

طفت على السطح في ربع القرن الماضي، شعارات من نوع (القرار الوطني المستقل، والأردن أولاً، ومصر أولاً، ولبنان أولاً… إلخ). من حيث الشكل، فإن هذه الشعارات تشي بتوجه نحو تعزيز للقطرية، لكن الأهم كان تعبيراً عن توجه لتلك الدول في الدخول في تسويات سياسية مع الكيان الصهيوني أو الاستعداد لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كان استجابة للمرحلة الثانية التي سعت إليها القوى الاستعمارية لإحداث فكاكٍ بين الدول العربية والقضية الفلسطينية.

لقد تمثلت المرحلة الأولى باتفاقية سايكس بيكو، وتقسيم الوطن العربي بين بريطانيا وفرنسا، والتأسيس للوعد القادم المعروف بوعد بلفور، بإقامة وطن لليهود في فلسطين.

ولعل ما تسرب من وثيقة (كامبل بنريمان) من أن مؤتمراً ضم (بريطانيا – فرنسا – هولندا – بلجيكا – إسبانيا – إيطاليا) بدأ عام 1905 – 1907م، أكد هذا المؤتمر:

من أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، وأن على شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوفر له وحدة التاريخ واللغة والدين.

وأنه من أجل ضمان السيطرة على هذا الشعب، لا بد من إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة، وجاهلة، ومتأخرة.

_ ومحاربة أي توجه وحدودي لها

_ وكذلك دعم الأقليات بحيث لا تستقر وحدة النسيج الاجتماعي لهذه المجتمعات

_ والأهم من كل ذلك، إقامة حاجز بشري قوي وغريب عن المنطقة وعدو لشعوبها وصديق للدول الأوروبية، يفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه.

هذا المؤتمر، يكشف بوضوح عن الأهداف الحقيقية لحركة الاستعمار الغربي من وراء إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

إن المتتبع لكل تلك المخططات والمشاريع، يكتشف بسهولة أن المستهدف ليست فقط فلسطين وشعبها، بل الأمة العربية ووحدتها وتطورها، بل حتى استقلال أقطارها.

هذا الهدف لحركة الاستعمار الغربي، حدّد الدور والوظيفة للكيان الصهيوني، وخلق تحالفاً عضوياً وإستراتيجياً بين الحركتين؛ الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيوني.

الأمر الذي يقتضي أن تكون المواجهة مع هذا الكيان، مواجهةً مشتركة بين حركة التحرر العربي والحركة الوطنية الفلسطينية مع هذا الكيان ومن هم خلفه.

إلا أن القوى المعادية لم تقف عند تلك الحدود، بل سعت ولا تزال، لخلق حالة من الفكاك بين النظام العربي وبين القضية الفلسطينية، حتى يتسنى لهم تصفية القضية الفلسطينية، والسير بمخططهم بإعادة تقسيم جديد للمنطقة.

الشعب الفلسطيني والعمق العربي

منذ بداية القرن الماضي وعلى امتداد تاريخه النضالي، لم تغب الأفكار القومية والوحدة والتضامن العربي عن الفكر السياسي الفلسطيني، والتأكيد على الترابط بين النضال القطري والنضال القومي.

كان واضحاً وملموساً أن هذا الفكر كان يتجذر كلما اتجه النضال لمكافحة الاستعمار البريطاني والوجود الصهيوني، وفي الوقت نفسه، بمقدار التضامن الذي أبدته الجماهير العربية.

كان هناك إحساس لدى الحركة الوطنية الفلسطينية أن من وسائل نجاح المؤامرة الاستعمارية، تكمن في إشغال كل قطر من الأقطار العربية عن إخوانهم في الأقطار الأخرى، بقضايا قطرية مصطنعة، وإضعاف أواصر العمل القومي.

ولتأكيد توجهاتهم القومية، اجتمع العديد من الرموز الوطنية في مدينة القدس في 13/12/1931، وأكدوا على وحدة الأقطار العربية ومقاومة الاستعمار ورفض كل أشكال التبعية.

ظل هذا التوجه القومي الوحدوي حاضراً في الفكر السياسي الفلسطيني بالرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية فرض وصايتها على القرار السياسي الفلسطيني، وأكدت كل الوثائق للفصائل الفلسطينية، والميثاق الوطني الفلسطيني، على العمق العربي والبعد القومي للصراع مع الوجود الصهيوني.

الجبهة الشعبية والعمق العربي:

كان لطبيعة النشأة للجبهة الشعبية كتنظيم ولد من رحم حركة القوميين العرب، وظروف هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، واحتلال الكيان الصهيوني لغزة وشبه جزيرة سيناء والجولان والضفة الغربية، كان لهذين العاملين أثراً كبيراً في تحديد طبيعة توجهاتها الفكرية، بالتأكيد على النضال القطري ضمن الإطار القومي، والتأكيد على أهمية النضال الطبقي ضد القوى الرجعية التابعة والمعيقة للتطور الوطني والقومي.

انعكست هذه الرؤية بوضوح شديد في إستراتيجية الجبهة التي أقرتها عام 1968، والتي أكدت فيها أهمية وضرورة تعبئة قوى الثورة في البلدان العربية، وأكدت على وجوب ترابط حركة التحرر الفلسطينية وحركة التحرر العربية، لمواجهة معسكر الأعداء وإنجاز المشروع النهضوي العربي.

هذه الرؤية التي ميزت مواقف الجبهة الشعبية، عن موقف اليمين الفلسطيني الذي رفع شعار عدم التدخل في الشؤون العربية والتحالف مع الأنظمة الرسمية العربية.

ولكن علينا أن نعترف أن للضربات التي تلقتها حركة التحرر العربي، والمحاولات الاستعمارية، وسعيها لتقويض الأنظمة العربية ذات التوجه القومي، مضافاً لذلك سعي القوى الرجعية العربية لنشر الثقافة القطرية وثقافة الاعتراف بالعدو الصهيوني واستهداف الهوية العربية عبر العديد من المشاريع الاستيطانية الذي لن يكون آخرها مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي طرحته كونداليزا رايس عام 2006. والذي مهد وخلق الأرضية لزج الوطن العربي وشعوبه في صراعات داخلية ومذهبية وطائفية وإثنية. كل ذلك أدى إلى تراجع موقع القضية الفلسطينية على المستوى العربي، وتحول التناقض مع المشروع الصهيوني إلى تناقض ثانوي لصالح التناقضات الجديدة والمفتعلة.

هكذا تكون القوى المعادية بعد نجاحها في تفتيت الوطن الواحد، فإنها تحدد توجهها بإحداث الفكاك مع القضية الفلسطينية وعمقها العربي، كمقدمة لتصفيتها.

ومما يؤكد ذلك، أن اتفاقات الصلح مع الكيان الصهيوني لم تتحقق إلا في ظل تنامي القطرية، وانحسار التيار القومي واليساري، لصالح قوى الإسلام السياسي والقوى الليبرالية.

هذا يضع على القوى القومية واليسارية، مسؤولية تصويب خطابها الذي تسللت إليه المفاهيم الليبرالية على حساب مفاهيم التحرر والصراع الطبقي. بهذا تستعيد القضية الفلسطينية عمقها العربي ونؤسس للانطلاقة جادة لتصويب المسيرة ومواجهة العدو. 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى