الحراك المتنامي… ما بين العفوية والتنظيم
جماهير تحتشد وتتحرك، وتكرر وقفاتها بشكل منتظم، يزداد زخمها مع الوقت وتكرار الوقفات… أما الحلف الطبقي الحاكم فيلملم نفسه، ويعتصر خلافاته، وينتدب الأجهزة الأمنية المختلفة لمواجهة وفكفكة هذا الحراك… فيحصره في ساحات معينة، ويمنعه من تخطي الحواجز والامتداد نحو أماكن أخرى أكثراستراتيجية وأهمية لهذا الحلف… يواجه تجاوز الحواجز والتدافع بالعنف والهراوات والإكراه. العشرات من الاعتقالات والاستدعاءات الأمنية ورسائل التهديد والوعيد كانت أسلوبا آخر للترهيب وضبط الحراك في حدود السيطرة.أما أخطر ما يقوم به الحلف الطبقي الحاكم لمواجهة الحراك فهو محاولة شقه من الداخل. حيث يحاول هذا الحلف أن يوسع الهوة -الموجودة أصلا- بين الحراك المبرمج والمنظم والدؤوب الذي تقوده أحزاب المعارضة القومية واليسارية دفاعا عن حق الجماهير في العيش الكريم ومن أجل التغيير الوطني الديمقراطي والذي تلتقي فيه في بعض المحطات مع النقابات المهنية والعمالية في الدفاع عن حقوق منتسبيها… هذا من جانب ومن جانب آخر مجمل العمل العفوي الذي تقوم به جماهير غاضبة بعد أن تقطعت بها سبل العيش الكريم، فخرجت إلى الساحات لتعبر عن ذاتها وعن الظلم الذي تعانيه جراء بيع ونهب الفاسدين لمقدرات البلد والاعتداء في نفس الوقت على جيب المواطن، ارتهانا لإملاءات ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن الفجوة ما بين العمل المنظم والعمل العفوي موجودة أصلا، والعمل الحزبي يستهدف أصلا ردم هذه الفجوة من خلال توسيع أطر العمل الحزبي والجماهيري المنظم. لكن الحلف الطبقي الحاكم ومنذ تأسيس الأحزاب كان يدرك أن استمرارية نهجه السياسي والاقتصادي، وكذلك استمرارية بقائه في الحكم مرهونة بإبقاء العمل المنظم بعيدا عن حواضنه الجماهيرية. فالجماهير الشعبية الملتفة حول أحزابها الطلائعية البرنامجية المنظمة هي من يصنع التاريخ الحقيقي ويصنع التغيير. كما يدرك هذا الحلف أيضا انه يستطيع إدامة السيطرة وإجهاض أي عمل جماهيري عفوي باعتباره موجة غضب يمكن معالجتها ببعض الإجراءات الشكلية حتى لو اضطر للتضحية ببعض أدوات حكمه.
الحلف الطبقي الحاكم ومنذ «الانفراج الديمقراطي» عام 1989 وتأسيس الأحزاب الذي أرادها ديكورا للديمقراطية يحسن من المظهر الداخلي والخارجي للحكم… منذ ذلك الوقت لم يأل هذا الحلف جهدا في استهداف العمل الحزبي، فتم التضييق على العمل الحزبي في الجامعات والنقابات سواء العمالية أو المهنية وفي البرلمان وحتى في القوانين الموضوعة وتصرفات العديد من المسؤولين.وانبرى العديد من الكتاب والكتبة ليمجدوا العمل العفوي وليعتبروا أن أهم محاسنه هو في بعده عن الحزبية والأحزاب.
وبالمقابل فإن هذه الأحزاب وخاصة اليسارية منها والتي تدرك مدى أهمية البعد الجماهيري في التغيير، بحاجة إلى أن تفعل كل طاقاتها السياسية والتنظيمية والأيديولوجية، وأن تضاعف من فاعليتها وممارستها وان توسع من إطار «ومروحة» حواراتها وتحالفاتها، وان تنفض عنها غبار الزمن، لتجدد ذاتها، وتبدع في أساليب نضالها، لتنال ثقة الجماهير وتردم الفجوة التي يحاول الحلف الطبقي الحاكم ومعه رهط كبير من الكتاب والكتبة توسيعها.
ولا شك أن زيادة فاعلية وتماسك وصلابة وإبداع القطب الحزبي المنظم داخل معادلة الحراك سيكسبه ثقة عالية، والتفافا جماهيريا واسعا. إن العمل على تنمية العامل الذاتي للأحزاب وخاصة الأحزاب اليسارية في هذه المعادلة هو الأهم، وهو القادر على إنضاج الظروف الموضوعية لحراك جماهيري واسع وكبيروضخم وقادر على تحقيق الأهداف التي تتوق الجماهير الشعبية لإنجازها.