الاعلام… ما بين الحقائق والاكاذيب
السياسة علم… وهي علم إدارة الصراع الطبقي. ولكل طبقة من طبقات المجتمع سياستها الخاصة والتي تتحدد بالمصالح العامة لها أو لفئاتها وشرائحها. وهذه السياسة هي التي يحددها وعي كل طبقة لمصالحها الخاصة وتتحدد بالتالي حركتها السياسية المقبلة.
من جانبنا، هكذا نفهم علم السياسة. وقد تختلف التعريفات التي يتم بموجبها تعريف علم السياسة وفقا لمصالح كل طبقة ومدى وعيها لهذه المصالح. كما يختلف تعاطي كل طبقة مع علمية الحقائق المقدمة خلال الممارسة العملية. فالطبقة العاملة وحلفائها دائما تسعى إلى إبراز الحقائق للجماهير حتى تناضل معتمدة عليها لا على الخرافات، والطبقة العاملة وحلفائها ترفع دائما الشعار الذي رفعه الشهيد غسان كنفاني –والذي لا زال يرفع-على غلاف مجلة الهدف حيث ينص على أن “كل الحقيقة للجماهير”. بينما الطبقات التي تستغل وتضطهد وتقمع وتنهب خيرات وقوت الآخرين، تتبنى وتتخذ من مقولة وزير الدعاية الهتلري “جوبلز” شعارا عاما ودائما لها ولسياساتها، تلك المقولة الشعار “اكذب… ثم اكذب… ثم اكذب… حتى يصدقك الناس”.
إن هذه المفارقة الواضحة ما بين إعلام يمثل العمال والفلاحين والطبقات الفقيرة والمسحوقة… إعلام ليس له مصلحة إلا إظهار الحقائق التي تفضح الظلم والقهر والاستغلال التي تتعرض له هذه الطبقات والذي يمثلها شعار الشهيد غسان كنفاني “كل الحقيقة للجماهير”… وما بين إعلام آخر يمثل الطبقة الرأسمالية والاحتكارات الإمبريالية ووكلائها الرجعيين والذي يحمل شعار “اكذب… حتى يصدقك الناس”… يتبنون هذا الشعار لانهم لا يستطيعون أن يكشفوا للناس حقائق تتعلق بالغش والفساد والاستغلال والنهب… حقائق تفضحهم وتفضح أفعالهم… حقائق اذا ما كشفت سيخسرون على اثرها كل شيء… سيخسرون امتيازاتهم واحتكاراتهم وأموالهم وكافة مواقعهم وهيمنتهم الطبقية.
نعم إنها مفارقة واضحة سببها الأساسي هو المصالح الطبقية، فالطبقة العاملة تدافع عن الحقيقة لأنها لن تخسر شيئا سوى قيودها، ولا يمكن لها ان تدافع عن حقوقها وحقوق غيرها من الطبقات المسحوقة إلا من خلال إبراز الحقائق… بينما الطبقات التي تنهب وتستغل وتقهر وتظلم لا يمكن لسيطرتها أن تدوم وتطول وتتأبد إلا من خلال الكذب وتشويه الواقع وقلب المفاهيم وطمس الحقائق.
في كل صباح نتلقى آلاف الصور ومئات الفيديوهات ويغزونا كم هائل من المحطات الإذاعية والتلفزيونية، وسيل جارف من المقالات وأخبار الإعلام الموجه، يستهدف التأثير على عقولنا وبالتالي توجيه سلوكنا وتصرفاتنا وفقا لأجندة هذا الإعلام ومن يقف وراءه. كم إعلامي هائل وبإمكانات هائلة أيضا، يمتهن الكذب والغش والخداع، يقلب الأبيض اسودا والأسود برتقالي، لديه قدرات كبيرة في المراوغة والتضليل والتملص والتجدد لكي يصل إلى هدفه الرئيسي في الإبقاء على ما هو سائد من بؤس وظلم وقهر واستغلال ونهب.
هذا الإعلام المضلل والمخادع هو الذي يحاول أن يشوه صورة رموزنا النضالية التي تقاومه وتقاوم من يدفع له. هذا الإعلام هو الذي يصور المقاومة إرهابا، والشهداء قتلى، وأسرانا مخربين، هذا الإعلام هو الذي يقود الفتنة المذهبية والطائفية والإقليمية والجهوية وحتى العشائرية والعائلية لكي يحرف البوصلة التي تشير إلى العدو الحقيقي، هذا الإعلام الذي يحارب
الأحزاب والعمل المنظم ويشوه صورة كل تحرك جماهيري يطالب بحقوق الوطن والمواطن،
وهو الذي يطعن في القضية الفلسطينية في الظهر، ويروج للتطبيع مع العدو الصهيوني المغتصب لأرضنا والمقتلع لشعبنا، هذا الإعلام هو الذي يصور لنا أننا عاجزون ولا نستطيع أن نقاوم هذا العدو، وان الاتفاقات الفلسطينية والأردنية والعربية المبرمة معه لا يمكن إبطالها أو إلغاءها، بل ويشوهون صورة كل من يطالب بذلك.
ومع وجود وسائل الاتصال الحديثة ازداد خطر هذا الإعلام حيث توسعت إمكاناته، واستطاع الوصول إلى كل بيت بل والى كل طفل، ومع ازدياد هذا الخطر يصبح لزاما وضرورة مضاعفة الجهود لمواجهته. مطلوب أن تتضافر جهود كافة الأحزاب والفصائل والحركات والقوى اليسارية والتقدمية والقومية، ومعهم كل المثقفين اليساريين والتقدميين المنشدين لقضايا شعبهم ومعهم كل النقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي تسعى للدفاع عن حقوق منتسبيها والشرائح الاجتماعية التي تمثلها… مطلوب من جميع من لهم مصلحة حقيقية في مواجهة هذا الخطر وبناء مستقبل جديد أن يحشدوا كل طاقاتهم وان يسخروا كل إمكاناتهم وأدواتهم الإعلامية، وان يشاركوا في هذه المواجهة وان يدحضوا بالحقائق كل أكاذيبهم. إن تضافر الجهود مع إرادة المقاومة والتغيير لقادرة على أن تنتصر، فحبل الكذب قصير كما يقولون لكنه بحاجة إلى شجاعة من يكشفه.