مقالات

جــــــــذور الـطـــائـفـيـــة

حسب بعض الساذجين أو المغفلين أو المبرمجين على إيقاع الأجندة الأمريكية الصهيونية والرجعية، النفطية والعثمانية، فإن الظاهرة الطائفية ترافقت مع اندلاع الثورة الإيرانية التي أطاحت بأعتى عملاء الموساد والأمريكان في المنطقة.

وبالتالي فإن كل الجماعات التكفيرية الإجرامية وما رافق ربيع الفوضى الهدّامة من حالات مشابهة هو بمثابة ردّة فعل لا أكثر على الثورة الإيرانية.
أما الوقائع والمعطيات وبعيداً عن أيّة إسقاطات أو إقحامات أو رغبات أو نكايات أيديولوجية، فتدحض القراءات السابقة، جملةً وتفصيلاً ودون أن يعني للحظة واحدة أن الجانب الأيديولوجي في الثورة الإيرانية جانب مرحب به، لكنّه أبداً ليس السمة الرئيسية لهذه الثورة في جوانبها السياسية والاجتماعية كشكل من أشكال دولة الرعاية الاجتماعية والطبقة الوسطى والاستقلال السياسي عن المراكز الإمبريالية، والذي يحتفظ في الوقت نفسه بنزعة التوسّع في المجالات الحيوية كما كل ظاهرة (إمبراطورية) قديمة أو حديثة.
إلى ذلك، وفيما يخص الوقائع والمعطيات المشار لها بخصوص جذور ومنابت وأصول الطائفية، فهي كما لاحظ المفكّران العربيان، مهدي عامل (لبنان) ومحمد عابد الجابري (المغرب) كامنة في بنية الدولة التي تشكّلت في إطار الاستقلالات (الكيانية أو القطرية).
وقد كتب مهدي عامل مقارباته عن ذلك قبل اندلاع الثورة الإيرانية بسنوات في معرض تحليله للحرب الأهلية اللبنانية، كما تناول الجابري الموضوع نفسه في إطار تحليله لدول هذا الاستقلال على مدار القرن العشرين وعقوده التي سبقت الثورة الإيرانية أيضاً.
ويشار كذلك إلى كتابات الدكتور منيف الرزّاز، أحد أبرز منظّري التيار البعثي في العراق، وذلك قبل الثورة الإيرانية أيضاً:-
_ حسب مهدي عامل، فإن الطائفية هي النتاج الطبيعي لنمط الإنتاج الكولونيالي التعبير الأبرز (للدولة القطرية) عموماً مميّزاً بين الطائفية وبين التدين، فالأولى ظاهرة رأسمالية كولونيالية، فيما التدّين ظاهرة من ظواهر البنى الفوقية الممتدّة من عوالم ما قبل الرأسمالية…
_ حسب الدكتور الرزّاز فكل دولة قطرية، بوليسية وفاسدة وتحمل في ثناياها رواسب طائفية قابلة للانفجار في كلّ وقت.
_ حسب الدكتور الجابري، فإن الطائفية هي المضلّع الثالث في (دولة الاستقلال) الريعية إضافة للمضلّعين: القبلية والغنيمة، وفيما أخذت الطائفية شكل العقيدة، أخذت القبلية شكل الحزب أو السلطة، وأخذت الغنيمة شكل الاقتصاد، وثلاثتها أبعد ما تكون عن الدولة المدنية الحديثة.
أمّا أسوأ تعبير عن الطائفية (السياسية) والأيديولوجية في الزمن العربي الحديث (القرون الأخيرة من الرأسمالية) فيمكن تلخيصه في المحطّات التالية:
1_ دور شركة الهند الشرقية (البريطانية في إنتاج العديد من الجماعات والظواهر التكفيرية وخاصّة الوهابية التي كفّرت أهل الحجاز (مكّة والمدينة) ومصر والشام والأتراك في إطار السعي البريطاني لوراثة السلطة العثمانية المريضة.
2_ دور شركة قناة السويس (البريطانية) في دعم ظاهرة رشيد رضا (تلميذ الوهابية وأستاذ حسن البنّا مؤسس الإخوان.
3_ دور شركات النفط الأمريكية وسيطرتها على البنتاغون والمؤسسات الأمريكية المختلفة، واختلاقها (للجهاد) الأفغاني ضد الاتّحاد السوفياتي.
4_ أوساط المودوري وسيّد قطب في إطار الحرب الباردة وما أنتجته من ظواهر تكفيرية ضد المخالفين من (أهل السنّة) كما من الروافض.
ويشار هنا إلى الجماعات التي ظهرت في السعودية مثل جهيمان العتيبي والتيّار السروري (القطبي الإخواني) والقاعدة، وامتدّت إلى مصر وانعكست في الحملة الإيمانية في العراق، وصولًا إلى العصابات الإجرامية أمثال داعش وجبهة النصرة والجماعات (الإسلاموية) التكفيرية في سوريا وأنصار بيت المقدس في سيناء وفجر ليبيا وغيرها، وبوكوحرام في نيجيريا.. وهكذا ومن اللافت للانتباه أنّ العديد من جماعات التكفير الإرهابية المرتبطة بالدوائر الأمريكية والموساد والرجعيات النفطية والعثمانية، استقطبت في كل بلد انهارت سلطته عدداً كبيراً من ضبّاط الحرس الجمهوري السابق كما في حالة داعش (العراق) وبوكوحرام (نيجيريا) ومجموعة سرت (ليبيا) .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى