صوت الحكومة.. والمفاجأة! / ماجد توبة
تبدو الحكومة وقد تفاجأت بحجم واتساع التصعيد النقابي والحزبي ومن قبل الفاعليات الاقتصادية والتجارية ضد مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل، الذي أقرته قبل أيام وأحالته إلى مجلس الأمة لإقراره دستوريا؛ حيث بادر رئيس الوزراء إلى عقد لقاء سريع برئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب الدائم أمس، فيما أعلن على عجل عن لقاء حكومي مع ممثلي الفاعليات النقابية والاقتصادية اليوم، لمناقشة اعتراضات الأخيرين على مشروع الضريبة.
صحيح أن الحكومة كانت وعدت منذ ما قبل إقرار مشروع الضريبة بفتح حوار وطني حوله، إلا أن ما ظهر في تسارع اللقاءات أمس واليوم، خاصة بعد دعوة النقابات المهنية أعضاءها الى الإضراب عن العمل الأربعاء، يشي بأن الحكومة تفاجأت بحجم وحدة المعارضة للقانون المرتقب، وصعوبة تمريره بالصورة التي جاء بها، خاصة في ظل ما يبدو من معارضة نيابية وازنة لما يحفل به القانون من سياسات قاسية على مختلف القطاعات والمواطنين.
وإذا كان هذا الانطباع والاستنتاج بأن الحكومة تفاجأت حقا باتساع وحدة المعارضة صحيحا، فإن تلك مصيبة، ولا تعكس إلا جهلا وعدم قدرة على تقدير الأمور على أرض الواقع، أو عدم اكتراث وتهربا من مواجهة الحقيقة والتداعيات المحتملة للسياسات الاقتصادية والمالية التي تنهال على رؤوس الجميع كما المطرقة. وفي كلتا الحالتين فالأمر جدُّ خطير ويحتاج لوقفة حقيقية من قبل الحكومة لتدارك ما هو أخطر وأسوأ.
في مواجهة الاعتراضات الشعبية والسياسية لنهجها الاقتصادي والمالي، تسعى الحكومة إلى التعامل بـ”القطّاعي” والمجزأ مع قراراتها وإجراءاتها؛ حيث تركز في خطاباتها الموجهة للناس ولمختلف الفعاليات، على هذا القرار أو الإجراء أو ذاك لتبدأ بالمنافحة والتبرير لاضطرارها لاتخاذه ومحاولة التقليل من شأن تداعياته وآثاره على الشرائح المتضررة منه، كما في موضوع قانون الضريبة.
في حين أن الناس ومختلف الفاعليات المهنية والاقتصادية والتجارية، ممن يتحملون ويدفعون الثمن الإجمالي لمجمل السياسات والقرارات المالية والاقتصادية، لا يستطيعون التعامل بعقلية “القطّاعي” في الخطاب الحكومي، فالمؤسسات الاقتصادية التي يطلب منها اليوم تحمل رفع ضريبة الدخل أو شمولها بها عانت وتعاني من آثار وتداعيات سلسلة طويلة من القرارات والسياسات، التي رفعت كلف الإنتاج وأعباءه الى درجات غير مسبوقة، رسوما وضرائب ورفع كلف المحروقات والطاقة، ما انعكس على إغلاق العديد من الشركات والمؤسسات ودفع بعضها إلى خفض أعداد العاملين والموظفين، وتراكم الديون والقروض على الكثير منها، فيما باتت بيئة الاستثمار طاردة بصورة كبيرة لصالح دول عديدة في الإقليم.
أما الناس بمختلف شرائحهم، فلا يمكن مخاطبتهم بأن مشروع “الضريبة” الجديد يهدف إلى الحد من التهرب الضريبي للفئات المستهدفة، فهم حتى بدون ضريبة دخل معدلة باتوا يرزحون تحت ظروف حياتية ومعيشية قاسية وغير محتملة، في ظل موجات الرفع و”التحرير” المتتالية، وتآكل الأجور والرواتب واتساع البطالة ومساحات الفقر وحدته، الى الحد الذي لا يبدو معه غريبا ولا مفاجئا ما خلصت إليه الدراسة الجديدة التي نشرتها مجلة “الإيكونومست”، أول من أمس، من احتلال عاصمتنا عمان المرتبة الأولى في الغلاء بين العواصم العربية، والمرتبة 28 عالميا.
على الحكومة أن تفعّل مجساتها وأن تتعامل بكل مسؤولية مع درجة الاحتقان في الشارع، والتوقف عند حجم الضغوط المعيشية والحياتية التي تزيد حشر الناس في الزاوية يوما بعد آخر، علها تستطيع التفكير بسياسات اقتصادية ومالية جديدة، أو على الأقل وقف الانحدار الذي يجري بصورة متسارعة.
ما تفتقده الحكومة اليوم هو الرؤية المتوازنة للعبور بنا في هذه المرحلة الحرجة، فيما يبدو أنها لا تستطيع إلا سماع صوتها فقط! عليها التوقف والاستماع للأصوات الأخرى.
نقلا عن الغد