الأخطر عربياً في حصاد 2015/ بقلم: ماجد توبة
تختلف وتتفاوت قراءات أبرز الأحداث والمحطات السياسية، أردنيا وعربيا، التي يمكن القول إنها ميزت العام الحالي، الذي يودعنا بعد أيام قليلة، وثمة عناوين كبرى يمكن التأشير إليها كأحداث ومواقف فارقة شكلت، هي وتداعياتها، معالم بارزة للعام 2015.
قد تكون “الظاهرة” الأبرز، من وجهة نظري، خلال هذا العام الطويل، هي في تكريس الاستقطاب والانقسام في الرأي العام العربي، ومن ضمنه الأردني، وتجليه بأبشع صوره، بعد أن كان (هذا الاستقطاب والانقسام) محصورا، إلى حد كبير منذ أولى سنوات “الربيع العربي”، في أوساط النخب السياسية والأيديولوجية.
وكما كانت مصر وسورية، واختلاف المواقف تجاه أحداثهما، سببا في الانقسام والافتراق بين التيار الإسلامي، بأغلب تصنيفاته وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، وبين التيارات العلمانية واليسارية والقومية العربية، وتحديدا المعارضة منها، الى حد تبادل اتهامات التكفير والتخوين والعمالة، فان ذات القضيتين، السورية اساسا، وثم المصرية، كانتا، بتداعياتهما وتطوراتهما المتواصلة، الخزان الرئيسي لبث الاستقطاب والانقسام في مفاصل الرأي العام العربي، وتكريسه معلما بارزا للعام 2015.
جولة بسيطة في مواقع التواصل الاجتماعي، في أغلب أيام العام الآيل للأفول، يظهر لك بوضوح تكريس حالة الاستقطاب على مستوى شعبي، وعمق الانقسامات التي ضربت الرأي العام الأردني والعربي، بصورة لم يسبق لها مثيل. كل ذلك مغلف بخطاب كراهية وتكفير ورفض للآخر، بل ورفض للعقل وللتحليل وانطلاق من مواقف ايديولوجية متكلسة، تعكس، في التحليل النهائي، أزمة عميقة في الوعي العربي، يمكن التسلل إليها من كل صاحب أجندة إقليمية ودولية، ويمتلك أدوات للتأثير، لتوظيفها في صراعاته السياسية وحرب المصالح.
أدوات التأثير هنا يمكن تعدادها بوضوح. فالإعلام، الفضائي تحديدا، واستغلال المؤسسة الدينية (بمفهومها الواسع)، والإغداق بالمال والمنابر على نخب لتوظيفها سلاحا في معركة الاستقطاب لتحقيق مصالح سياسية وجيوسياسية، هي أبرز أدوات التأثير في كسب الرأي العام لتمرير تلك المصالح، ما كرس ورسخ حالة الاستقطاب وحرب “داحس والغبراء” في صفوف الرأي العام العربي، الى الدرجة التي باتت فيها روسيا وتركيا عنوان انقسام في البيت الواحد، بين الابن ذي التوجه الإسلامي وأخيه اليساري!
هل الحق على “الطليان”؟ أي على حرب المحاور الإقليمية والدولية؟ أم هي أزمة بنيوية في العقل والضمير العربي؟ أم هي أزمة نخب فكرية وسياسية عربية، أعماها الصراع على السلطة؟ أعتقد أن الإجابة تحتمل الدمج بين كل هذه الأبعاد السببية، وأعتقد أن المهم هنا، هو في أن الحصيلة النهائية لهذه الحالة هي تكريس الانقسام والاستقطاب الخطير داخل الشعوب العربية وبين مكوناتها، وتجاوز مرحلة الاختلاف في الرأي والموقف السياسي إلى الخلاف على حق الوجود للرأي الآخر، بل وحتى للآخر كإنسان!
كيف ترجمت حالة الاستقطاب والانقسام نفسها على أرض الواقع؟ باختصار شديد بات العرب والعالم اليوم مقسومين لفسطاطين لا ثالث لهما! إما معي أو ضدي. اختلطت المفاهيم والقيم بعد أن طوّعت ببسطار السياسي والايديولوجي، وكانت الحقيقة، بعد الإنسان العربي، أبرز ضحايا هذه الحرب والاستقطابات.
الحرب الدائرة الآن على الارض لها امتداداتها الأخطر في معركة الوعي العربي، فدوائر الصراع التي تشكلها اليوم ماكينة الإعلام والمؤسسة الدينية وأشباه المثقفين أو مدلسي الثقافة، باتت تنطلق من محورية دائرة الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، ثم تنتقل للدائرة الثانية، بين المسلم وغير المسلم، وصولا لدائرة الصراع بين الإسلامي مع العلماني واليساري والقومي، وفي الدائرة الأوسع نصل إلى الصراع بين الإسلامي سياسيا وكل ما هو عداه.
إن كان الصراع في سورية تحصره حرب تضليل الوعي بدائرة “السني والشيعي”، فهو في مصر في دائرة صراع “الإسلامي- الإخواني وبين كل من هو غير إخواني”، وفي ليبيا في دائرة “الاسلامي النقي والاسلامي غير النقي”، وهلُمّ جرّا.
أسوأ ما في حرب الاستقطاب والانقسام في الرأي العام العربي، التي طغت على مشهد العام 2015، هو أنها أسست للامتداد، وربما بصورة أقوى، واحتلال المشهد خلال العام الجديد.