موازنة ال2016: جيب المواطن هو الحل .. مزيد من الرفوعات على المياه والرسوم والخبز آخر ضحايا “النسور”
- الزبيدي: الحكومة لم تضع خطة لإدارة الدين العام والتخفيف منه، وهذا يتطلب 10 سنوات فأكثر
- الكتوت:الحكومة سترفع أسعار المياه، وتتجه نحو رفع أسعار الخبز بذريعة إيصال الدعم لمستحقيه
- الدرعاوي: العجز ينمو بشكل كبير، وإذا ما عدنا للعجز الحقيقي قبل المنح؛ فسيرتفع إجمالي العجز إلى حوالي الملياري دينار
- الخواجا: لا إصلاح اقتصادي حقيقي دون سياسات مالية تكرس السيادة الوطنية، وتلغي التبعية، وتحقق التوزيع العادل للثروة
تواصل اللجنة المالية في مجلس النواب اجتماعاتها لمناقشة مشروعي قانون الموازنة العامة وقانون موازنة الوحدات الحكومية المستقلة، واللذين كانت قد تقدمت بهما الحكومة لمجلس النواب في الخامس من هذا الشهر.
وتظهر أرقام الموازنة استمرار سقوط الاقتصاد الأردني في وحل المديونية، حيث من المتوقع أن يرتفع الدين العام ليصل مع نهاية العام 2016 عتبة الــ 26 مليار دينار أردني. فيما يستمر العجز في الموازنة في الدوران حول رقم المليار دينار أردني (907 مليون دينار أردني وفق خطاب الموازنة).
ويرى الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية ومنسق حملة الخبز والديمقراطية، أن مشروع موازنة العامة للعام 2016 جاء ليكرس تبعية السياسات المالية والاقتصادية الحكومية لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي شهد بانضباط الحكومة لوصفاته، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وكل هذا في سياق خدمة الطبقة الحاكمة وتعزيزاً لنفوذها الاقتصادي – السياسي على حساب القطاعات الشعبية. فيما يشير المحلل الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت إلى أن الموازنة لهذا العام لم تأت بالجديد، فهي موازنة تقليدية لا تختلف عن موازنات السنوات السابقة، تعتمد في ايراداتها على جيوب المواطنين والقروض، حيث تشكل الإيرادات الضريبية حوالي 69% من إجمالي الإيرادات المحلية، وفي حال إضافة ما يسمى بثمن السلع والخدمات، ترتفع حصة الإيرادات الضريبية الى 87% من الإيرادات المحلية.
ويرى الكاتب والخبير الاقتصادي الأستاذ خالد الزبيدي، أن موازنة الحكومة الأردنية لعام 2016 توسعية، بدون ربط هذا التوسع زيادة كافية بالإيرادات المحلية، ويلفت إلى أن الموازنة كرست عجوزات مالية مزمنة تُرَحّل إلى ديون جديدة، وبالتالي زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، بما يثقل الاقتصاد الوطني وتدفعه للتباطؤ والركود من جهة، وتخفيض القدرة الشرائية للمواطنين عاماً بعد آخر، الذي يفضي إلى مزيد من الفق والبطالة.
ووفق الزبيدي، تعادل الموازنة البالغة 10 مليارات دينار 8.1 مليار دينار للموازنة و 1.9 مليار دينار للمؤسات المستقلة، تعادل 40% إلى الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة مرهقة وتكاد تكون شاذة عالمياً.
مديونية متفاقمة
أشارت الأرقام التي ذكرها وزير المالية عمر ملحس في خطاب الموازنة إلى أن مجموع النفقات العامة المتوقعة في موازنة العام المقبل، الجارية والرأسمالية بلغ 8496 مليون دينار، ومقدار الإيرادات العامة، بما فيها المساعدات الخارجية، 7589 مليون دينار بعجز مقداره 907 ملايين دينار، فيما يشير المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت إلى أن العجز الحقيقي للموازنة بلغ 1720 مليون دينار ويضاف إلى ذلك عجز الوحدات الحكومية 618 مليون دينار، وبذلك تصبح قيمة إجمالي العجز (حكومة + وحدات حكومية أي مؤسسات) 2338 مليون دينار.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الزبيدي، أن الموازنة المتوسعة في النفقات التي طرحتها الحكومة لا يمكن أن تعالج العجز المالي، ولا إدارة الدين العام الذي تجاوزت نسبته 90% إلى الناتج المحلي الإجمالي، بخاصة وأن الحكومة لم تضع خطة لإدارة الدين العام والتخفيف منه، وهذا يتطلب 10 سنوات فأكثر.
فيما يلفت الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي إلى أن الحكومة تنظر إلى العجز بعد المنح وهو مقدر بــــ 906.7 مليون دينار، وهو ضعف الرقم المقدر في عام 2015 والبالغ 468 مليون دينار، وهذا الرقم مقلق اقتصادياً، ويدل على أن جهود الحكومة في الحد منه فشلت، وبالأرقام المطلقة فإن العجز ينمو بشكل كبير، وإذا ما عدنا للعجز الحقيقي قبل المنح؛ وإذا ما جمعنا له عجز المؤسسات المستقلة فسيرتفع إجمالي العجز إلى حوالي الملياري دينار، ما يجعل الموازنة في وضع مالي حرج؛ إذا لا سمح الله تباينت المساعدات المقدرة ولم تأت بالشكل المستهدف.
ويشير الدرعاوي إلى أن الحكومة قدرت أن يبلغ العجز التجاري 6.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة كبيرة مقارنة مع الانخفاضات الكبيرة التي لحقت بتراجع أسعار النفط العالمية، والتي تجاوزت منذ شهر حزيران من سنة 2014 أكثر من 62 بالمائة.
فيما يحذر الدكتور عصام الخواجا من أن خطاب الموازنة تحدث عن نيّة الحكومة العمل على احتواء عجز الموازنة العامة والدين العام، لكن ذلك لم يقترن بإقرار سياسات وأدوات جديدة، ما يعني أن نفس السياسات المالية والاقتصادية ونفس الأدوات ستؤدي إلى نفس المخرجات، فبسبب هذه السياسات ارتفعت القيمة المطلقة “لصافي الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي” من 80.8% عام 2014 إلى 82.2% عام 2015.
مفاجآت غير سارة للمواطنين
استمرار غرق الموازنة بالعجز وتراكم الديون، صاحبه –كالعادة- إشارات واضحة في الموازنة لنية الحكومة تنفيذ سلسلة جديدة من الرفوعات ابتداءً من المياه مروراً برسوم مختلفة وانتهاءً برفع الدعم عن الخبز، كما تربط الموازنة عدم رفع أسعار الكهرباء ببقاء أسعار النفط بمعدلها الحالي. ويشير خطاب الموازنة إلى “ضبط دعم مادة الخبز مع تعزيز آليات الرقابة من أجل إيصال الدعم إلى مستحقيه، وضبط وترشيد بنود النفقات التشغيلية، خصوصاً البنود المتعلقة بالمحروقات والكهرباء والماء.
ويتوقع الكاتب خالد الزبيدي وفق مسشروع الموازنة المقدم من الحكومة أن يشهد العام 2016 زيادة على الضرائب والرسوم بشكل مباشر أو غير مباشر لزيادة الإيرادات، وربما ترفع أثمان المياه والكهرباء، وتقليص الدعم للخبز والأعلاف، وتقليص مخصصات صندوق المعونة الوطنية. ويأتي هذا وفق الزبيدي تنفيذاً لمتطلبات برنامج التصحيح الموقع عليه مع صندوق النقد للأعوام من 2016 إلى 2018.
ويتفق الباحث الكتوت مع ما ذهب إليه الزبيدي، حيث يرى أن الموازنة تتضمن زيادة في الإيرادات الضريبية والرسوم بحوالي 500 مليون دينار، ومن غير المتوقع تحقيق مثل هذه الزيادة نتيجة تحسن في النمو الاقتصادي، حيث اعترفت الحكومة بتراجع النمو الاقتصادي خلال الفصل الأول من العام الحالي 2015، وبالتالي لم تتحقق هذه الزيادة إلا بزيادة العبء الضريبي على المواطنين.
ويضيف الكتوت: “واضح أن الحكومة سترفع أسعار المياه، وتتوجه نحو رفع أسعار الخبز بذريعة إيصال الدعم لمستحقيه. أما الكهرباء فأسعار النفط تميل نحو الانخفاض عالمياً، ولا أعتقد أن يتم رفعها إن لم يطرأ متغيرات”.
فيما يلفت الدكتور الخواجا إلى ورود في خطاب الموازنة في أكثر من مكان عبارة ضبط وترشيد الدعم لمادة الخبز وبنود النفقات التشغيلية ولا سيما المتعلقة بالمحروقات والكهرباء والماء، ما يعني أن فواتيرها عرضة للرفع من قبل الحكومة في أي لحظة لجسر العجز في الموازنة.
جيب المواطن أغلى ما تملك الحكومة
قانون الموازنة لعام 2016 لا يختلف كثيراً عن قوانين الموازنة للأعوام الثلاثة التي سبقتها، فهو يرتهن بشكل كامل لإملاءات صندوق النقد الدولي الذي يهدف لضرب أية محاولات جادة لبناء اقتصاد وطني مستقل.
وبنود موازنة العام 2016 تأتي تنفيذاً لاتفاق ثانٍ بين هذا الصندوق الدولي والحكومة الأردنية يمتد لثلاث سنوات اعتباراً من بدداية العام القادم. اتفاق لن يأتي بالجديد للأردنيين سوى المزيد والمزيد من رفع يد الدولة عن ما تبقى من دعم، إضافة إلى فرض المزيد من الرسوم بمختلف أنواعها.
موازنة تبشرنا باستمرار العجز في الموازنة وارتفاعات أخرى على المديونية التي وصلت حدوداً فلكية، وهنا يذكرنا الكاتب سلامة الدرعاوي بما قاله النائب الدكتور عبدالله النسور قبل أربع سنوات لرئيس الوزراء –آنذاك- معروف البخيت: “المديونية .. المديونية يا دولة الرئيس”.
ويبدو أن صندوق النقد الدولي وجد جيب المواطن الأردني الأكثر قابلية لتطبيق سياساته الاستعمارية في ظل حكومة لا همّ لها سوى الانصياع لأوامر هذا الصندوق.
ولن يخرج الأردن من أزمته الاقتصادية كما يؤكد نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الدكتور عصام الخواجا، إلا من خلال إصلاح اقتصادي حقيقي وسياسات مالية تكرس السيادة الوطنية، وتلغي التبعية، وتنمي القطاعات الإنتاجية، وتحقق التوزيع العادل للثروة.