أحمد الشقيري صاحب فكرة اللاءات الثلاث
«يجب أن يتجند القادرون منا على حمل السلاح رجالا ونساءً.. إن الشعب الفلسطيني الحر الثائر يريد منظمة تحرير فلسطينية ثورية نضالية.. إننا نأبى أنصاف الحلول، فنحن نرفض التقسيم، ونرفض التدويل ونرفض التوطين، وعهدنا وميثاقنا أن نمضي بالكفاح إلى أن تعود فلسطين لنا وأن نعود إلى فلسطين».هذه الزيتونة الفلسطينية الباسقة، لم يتم إيفاءها حقها في التاريخ الفلسطيني رغم أن أحمد الشقيري، قد قاد الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية في حقبة تاريخية هامة للغاية، وواجه التحديات الصهيونية والتدخلات العربية على السواء.
ولد أول رئيس ل م.ت.ف في بلدة تبنين جنوب لبنان عام 1908، من أب قادم من عكا وأم تركية، وكان والده؛ أسعد الشقيري يعمل مفتيا للجيش الرابع العثماني. تنقل الشقيري بين العديد من المدن الفلسطينية، فتشرب حب فلسطين في وجدانه وطبع مسيرة حياته في سعيه الحثيث لتحريرها والعودة إليها.
التحق الفتى أحمد بمدرسة في القدس، وانتقل بعدها إلى الجامعة الامريكية في بيروت، وهناك توثقت صلاته بحركة القوميين العرب وأصبح عضوا فاعلاً في نادي العروة الوثقى.
شهد في شبابه المظاهرات المنددة بالاحتلال الفرنسي والتنكيل باحرار سورية ولبنان، فانخرط في النضال ضد الانتداب الفرنسي على لبنان فأمرت الحكومة الفرنسية بإبعاده في سنة 1927، عن جميع البلاد المشمولة بانتدابها.
دخل معترك الصحافة في عكا من خلال جريدة «مرآة الشرق»، وخاض نضالا سياسيا وثقافيا لافتاً، وشارك في مؤتمر يافا عام 1928، كما أسهم في إنشاء عدد من الجمعيات الشبابية وانخرط في عضويتها.
وفي الوقت الذي حافظ فيه على علاقات وطيدة مع الصحافة عاد إلى القدس ودرس الحقوق في معهدها، هناك عمل في الحقل الوطني إلى جانب الحاج أمين الحسيني، وشارك في ثورة 1936، فطارده البريطانيون، حيث أعتقل في مدينة دير البلح في قطاع غزة وتم احتجازه في سجن القطاع، ومنه نقل إلى سجن عكا الشهير. بعد الافراج عنه رحل إلى سورية ثم عاد إلى عكا عام 1940.
ساعده العمل كحقوقي ومحامٍ على التعرف على رموز الثورة السورية اللاجئين إلى فلسطين، كما مكنه من الدفاع عن معتقلي الثورة الفلسطينية الكبرى، قبل أن تلاحقه سلطات الانتداب وتبعده مرة أخرى لمدة دامت ثلاث سنوات إلى مصر، قبل أن يعود إلى فلسطين ويفتتح مكتباً للمحاماة.
شغل منصب مديراً لمكتب الاعلام العربي في واشنطن ثم أصبح مديراً للمكتب المركزي في القدس حتى نكبة فلسطين عام 1948، والتي شكلت بالنسبة إليه صدمة مريعة قادته إلى الهجرة إلى لبنان واستقر في بيروت.
لغلبة حسه القومي العروبي، اختارته الحكومة السورية ليكون عضواً في بعثتها لدى الأمم المتحدة عام 1950، عاد بعدها ليشغل منصب أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية حتى 1957. اختارته السعودية ليكون سفيراً لها في الأمم المتحدة، وكان نشاط الشقيري طوال فترات عمله هذا، منصباً على الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضايا شعوب المغرب العربي.
في مؤتمر قمة القاهرة عام 1964، دعا الرئيس جمال عبد الناصر إلى إنشاء منظمة التحرير، وكُلف الشقيري بالاتصال بالفلسطينيين من أجل ذلك، فقام بجهود جبارة حتى يرى هذا المشروع النور في نفس العام، شكل اللجان التحضيرية التي وضعت قوائم العضوية والميثاق الوطني والنظام الاساسي للمنظمة.
عُقد المجلس الوطني الفلسطيني الأول في مارس 1964، وأنتخب الشقيري رئيساً له، ثم رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة بتزكية أعضاء اللجنة الدائمين، بعدها أقرت القمة العربية إنشاء المنظمة وتكفلت بتقديم الدعم المالي لها.
أثرت هزيمة حزيران 1967 على أحمد الشقيري بشكل عميق، وفي مؤتمر الخرطوم في نفس العام، عاد الفضل للشقيري بفرض لاءات الخرطوم الثلاث؛ لا صلح، لا مفاضوات، لا اعتراف، والتي أصبحت شعاراً ناظماً لمرحلة طويلة من الصراع العربي الصهيوني، حتى وقّع السادات اتفاقية كامب دايفيد ووقع ياسر عرفات اتفاق أوسلو عام 1993
خلال هذا المؤتمر، حصلت مشادات بين الشقيري وعدد من الرؤساء العرب، محملاً إياهم مسؤولية ضياع ما تبقى من فلسطين خاصة بعد أن رفضت القمة اقتراحاً يمنع انفراد أي دولة عربية بتوقيع صلح منفرد مع «إسرائيل»، غضب الشقيري من رفض القمة لاقتراحه وانسحب من الاجتماع.
ارتد انتقاد الشقيري لبعض الانظمة العربية إلى داخل اللجنة التنفيذية، وظهرت خلافات داخل صفوفها وتوالت المطالبات من قبل فصائل وأعضاء بضرورة تنحيته عن القيادة. رفض الضغوط التي مورست عليه، وقدم استقالته إلى الشعب الفلسطيني في 25 ديسمبر 1967.
آمن رائد الهوية الوطنية الفلسطينية، بأن قضية فلسطين هي ملك شعبها، وعليه أن يبني كيانه بعقله وإرادته وعلى الدول العربية اسناد كفاح الفلسطينيين. عمل على بناء جيش التحرير الفلسطيني والصندوق القومي والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وأقام علاقات قوية مع الكتلة الاشتراكية ودول العالم الثالث وحركات التحرر فيها.
بعد مغادرته اللجنة التنفيذية، لم يقبل أي عمل أو منصب رسمي، ولم ينقطع نضاله، ونشط في عقد الندوات الفكرية والسياسية انطلاقا من بيته في القاهرة، وعندما وقّع السادات معاهدة كامب ديفيد المشؤومة، غادر إلى تونس، وبعد عدة أشهر أصيب بالمرض ونقل على أثر ذلك إلى مدينة الحسين الطبية في عمان، وتوفي في 22 شباط 1980 عن عمر يناهز 72 عاماً، وبناء على وصيته دفن في غور الأردن في مقبرة الصحابي أبي عبيدة الجراح حتى يكون قريباً من فلسطين.
مثّل طليعة في التيار العروبي القومي داخل المنظمة وتميز عهده بالنزاهة والحماسة والحفاظ على الثوابت الوطنية.
سطر أحمد الشقيري اسمه بحروف من وفاء وضياء في تاريخ النضال الفلسطيني وكرّس الكيانية الفلسطينية الوطنية، وجعلت لاءاته الثلاث في مؤتمر الخرطوم من القضية الفلسطينية رقماً صعباً في المحافل الدولية.
سلام إلى روحه الحرة، وألف سلام إلى تاريخ نضالي ناصع الفداء..