انخفاض أسعار النفط لم يمنع الحكومة من رفع أسعار المحروقات
في عام 2008 قامت حكومة نادر الذهبي بتحرير أسعار المحروقات تماشيا مع إملاءات صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار كافة السلع والخدمات. على إثر هذا القرار، قامت الحكومة بتشكيل لجنة حكومية لوضع تسعيرة شهرية للمحروقات تتناسب وأسعار النفط صعوداً وهبوطاً. إلا أن هذه اللجنة الحكومية لم تحظ بثقة المواطن الأردني، في ظل عدم قدرة المواطن على فهم آلية التسعير وغياب الشفافية الحكومية في وضع هذه التسعيرة، إضافة إلى شعور المواطن بأن التسعيرة التي تضعها الحكومة لا تتوافق وأسعار النفط عالمياً.
الدكتور عصام الخواجا نائب الامين العام لحزب الوحدة الشعبية يفسر لـ نداء الوطن أسباب غياب ثقة المواطن بالتسعيرة الحكومية للمحروقات. حيث يرى أنها جاءت نتيجة تراكمات على مدى عقد من الزمن منذ بدء تنفيذ قرار الحكومة آنذاك بتعويم أسعار المشتقات النفطية في العام 2008 ، حيث أن مبررات التعويم تنبع من سياسات اقتصادية مفروضة من قبل جهات خارجية ، وليس بسبب حسابات وأولويات اقتصادية وطنية ، كما أن رفع الدعم عن المحروقات وآليات صرفه لمستحقيه حسب توصيفات الحكومة انتهت بإلغائه قبل عدة سنوات في سلوك حكومي مريب أصبح معروفاً من قبل المواطنين ، حيث تلجأ لآلية توجيه الدعم لمستحقيه بدل دعم السلعة لامتصاص ردود فعل الناس والشارع ومن ثم تلغي الدعم كلياً بعد ذلك في مسار يهدف في النهاية لإعمال تحرير الأسعار والتعويم بناء على آليات السوق وتحرير التجارة وتحكم الاحتكارات بالسعر والتسويق وهي من أركان وسمات الليبرالية الجديدة في إدارة اقتصاد الدول . في هذا الصدد وعندما تعود لأسعار المشتقات النفطية كالبنزين بأنواعه ستجد أنه في العام 2008 بقي يتراوح ما دون السبعين قرشاً بالرغم من أن معدل سعر برميل النفط عالمياً كان يتأرجح حول المائة دولار، والآن، وبالرغم من أن معدل سعر برميل النفط عالمياً في العام 2018 لا يتجاوز ثلثي سعره في العام 2008، إلا أن معدل سعر البنزين بأنواعه الآن أكثر مما كان عليه في العام 2008 بنسبة تتجاوز الثلث.
وأضاف الخواجا بأنه لا يفك لغز الحيرة هذا معرفة آلية تسعير المشتقات النفطية التي تعتمدها «لجنة تسعير المشتقات النفطية» ، فرغم التفاوت في نسبة المستخرج من كل مشتق نفطي من برميل النفط الخام ، إلا أن هذه الأسباب ثابتة ، وكلف استخراجها أو تأمينها كمشتق نهائي تأتي ضمن بنود ثابتة ، وعند مراجعة هذه البنود نرى أنها تتكون مما يلي وحسب بيان سابق صادر عن لجنة تسعير المشتقات النفطية « ..فإن التكاليف الإضافية التي تترتب على استيراد المشتقات وحتى وصولها إلى المستهلك النهائي تشمل كلفة النقل البحري إلى العقبة والتأمين والفواقد وكلفة الاعتماد المستندي ورسوم مؤسسة الموانئ وكلفة التخزين والمناولة في مرافق شركة المصفاة في العقبة وأجور النقل البري من مرافق شركة المصفاة في العقبة إلى مرافق شركة المصفاة في الزرقاء إضافة وكلفة التخزين والمناولة في مرافق شركة المصفاة في الزرقاء وأجور النقل البري من موقع المصفاة في الزرقاء إلى كبار موزعي المحروقات والعمولة الممنوحة إلى الشركات التسويقية ولأصحاب محطات المحروقات وموزعي الغاز والفواقد الناجمة عن التوزيع بالإضافة الى بدل توفير مخزون استراتيجي وتكاليف بدل دعم الموازنة ، والضريبة الخاصة على البنزين وباقي المشتقات النفطية ، وتكاليف رسوم مطارات على مادة وقود الطائرات ورسوم الطوابع.» ، المفارقة أن هذه الكلف وبرغم انخفاض سعر المادة الخام لم يترافق وانخفاض الكلف المشار لها أعلاه ، وهنا غياب للوضوح والشفافية أمام المواطن والمستهلك النهائي.
انخفاض أسعار النفط وارتفاع أسعار المحروقات!!
يظهر الجدول المرفق أرقاماً صادمة، فعلى الرغم من انخفاض أسعار خام برنت من 98 دولار في ختام عام 2008، لتصبح 69 دولار في بداية شباط من هذا العام، إلا أن سعر بنزين 90 وفق لجنة تسعير المحروقات لم ينخفض، بل ارتفع من 735 فلس/ليتر في نهاية عام 2008، ليصبح 765 في بداية شباط من هذا العام.
الأكثر غرابة هو أن الحكومة التي كانت تقدم الدعم للمواطنين عندما كان سعر البنزين 735 فلس/ليتر، أوقفت هذا الدعم حالياً على الرغم من أن سعر البنزين أصبح 765 فلس/ليتر، وذلك تحت ذريعة أن سعر خام برنت لم يتجاوز ال 100 دولار. وكأن المواطن يشتري خام برنت وليس البنزين!!
ويفسر المحلل الاقتصادي الأستاذ سلامة درعاوي ذلك في حديثه لـنداء الوطن بأن سعر 100 دولار للبرميل هو في فرضية الموازنة ولا يجوز تغيير الفرضية بعد إقرار الموازنة، اما سعر برميل الخام عالميا هو 61.15 دولار للبرميل وليس 100 دولار.
وأضاف الدرعاوي بأن الدعم الحكومي فقد أعلنت الحكومة عن آلية الدعم والفئة المستحقة لهذا الدعم وذلك في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الصناعة والتجارة والتموين مؤخرا وأن هذه التسعيرة ليست جديدة على المواطنين فقد تم تطبيقها منذ أواخر عام 2012، والمواطن يعي كيفية تحديد نفقاته على المشتقات النفطية ولم تتأثر القدرة الشرائية نتيجة رفع أسعار المشتقات النفطية، اذ ان المشتقات النفطية ترتفع وتنخفض بناءً على الأسعار العالمية ولم تبقى مرتفعة منذ عام 2012 لغاية اليوم ولكن تنخفض وترتفع.
وبين المحلل الاقتصادي الأستاذ سلامة درعاوي أنه لا يوجد أي تذاكي على المواطن، ولكن اتبعت الحكومة خطة اقتصادية واضحة وذلك لتوجيه الدعم لمستحقيه ودعم الطبقة الفقيرة وحماية الطبقة الوسطى، جنبا الى جنب ان الأردن يتحمل أعباء كبيرة نتيجة اللجوء السوري الكبير الى ارضيه منذ عام 2011 ولم يتحمل المجتمع الدولي التزاماته اتجاه الأردن.
وأضاف أن أي جهة في الأردن تعي الوضع الاقتصادي للمملكة، ولا تستطيع الحكومة الاستمرار بدعم السلع والمشتقات النفطية لكافة من يعيش على أراض المملكة ولكن توجيهها لمستحقيها.
ويختلف الدكتور عصام الخواجا نائب الامين العام في حزب الوحدة الشعبية مع ما ذهب إليه الدرعاوي، معتبراً أن تقديم الدعم للمواطنين يأتي ليس كجزء من رؤية اقتصادية تستند لها كآلية من آليات التخفيف من الفقر والضائقة الاقتصادية التي انحدرت إليها فئات واسعة من الطبقة الوسطى ، بل هي إجراء مؤقت تضليلي لاستيعاب ردود الفعل ، ليتم التحلل لاحقاً من أي شكل من أشكال الدعم وهو ما تثبته التجربة العملية ، لأن الهدف من هذه الاجراءات الاقتصادية هو الوصول إلى إنهاء أي شكل من أشكال الدعم وتقليص الموازنات المخصصة لأوجه الصرف على الخدمات والتعليم والصحة ، والدفع باتجاه الخصخصة وانسحاب الدولة من دورها تأمين مقومات الأمن الاجتماعي الاقتصادي والصحي والتعليمي.
وبين نائب الامين العام في حزب الوحدة الشعبية الدكتور عصام الخواجا بأنه جرى وعلى مدى سنوات طويلة عملية تدمير منهجي لكل البنى الاجتماعية والمؤسسية والمنظمة القادرة على التصدي لهكذا سياسات والقادرة على تنظيم القطاعات الجماهيرية والشعبية بما يفضي لعمل منهجي منظم يضغط على مراكز صناعة واتخاذ القرار لمراجعة القرارات الاقتصادية المجحفة والعودة عنها واستبدالها بما يؤسس لحلول متوسطة وبعيدة المدى للأزمات الاقتصادية وبناء الاقتصاد الوطني خارج خيارات التبعية والارتهان للخارج.
وأضاف الخواجا بأن هناك قطاعات شعبية عريضة تشعر وتعاني من آثار وانعكاس هكذا سياسات لكنها تفتقد للوعي الكافي لأهمية انتظامها ومساهمتها في العمل الاحتجاجي المنظم سواء كان نقابياً عمالياً أو مهنياً أو حزبياً.وإن المعضلة تكمن في مدى تحقق الوعي أولاً والاستعداد للنضال ثانياً لدى قطاعات واسعة من الناس، تتجاوز في كمها كتلة النخبة أو النخب التي ما زال بعضها يحمل هم قوت المواطن وكرامة عيشه وحقوقه الدستورية.
ولفت الخواجا إلى أن هذه الحقوق الدستورية التي بعثرت الحكومة نصوصها وكلماتها ومعانيها، فبالنسبة لهذه الحكومة والحكومات المتعاقبة التي سبقت فإن النصوص الدستورية التي تقول بحقوق المواطن على الدولة لا تشكل نصوصاً ملزمة، لا بل هي تنتهكها وتتجاوزها استجابة لمصالح مكونات الحلف الطبقي الحاكم والمركز الرأسمالي الذي تتبع له كناظم لكل حركتها وموقفها. وفي هذا المقام أيضاً لا يجوز لنا أن نهمل حقيقة موازين القوى الاجتماعية ونفوذ السلطة والطبقة الحاكمة وتسخير أدواتها في الدعاية والترويج للتخفيف من وطأة هذه السياسات وسعيها لامتصاص الاحتقان الشعبي، ما يضع حواجز بين هذه القطاعات الاجتماعية العريضة وما يمكن أن نسميه بالطلائع التقدمية والديمقراطية الواعية التي تحمل برنامجاً سياسياً واقعياً بديلاً بعناصره الاقتصادية والاجتماعية و لقد درجت المؤسسات المهيمنة على السلطة والحكم على ملاحقة وإعاقة تطور الحركة السياسية والحزبية التقدمية والديمقراطية الأردنية على مدى عقود ، ونحن كمجتمع أردني وخاصة الغالبية المهمشة والفقيرة ندفع الثمن.
هذا وقد كانت نداء الوطن قد تواصلت مع هيئة الطاقة ووجهت للمكتب الاعلامي عددا من الأسئلة وقد تلقت وعودا بالحصول على الاجابات ولم نحصل على الاجابات حتى لحظة إعداد التقرير.