أخبار محلية

نداء الوطن تفتح ملف رفع الأسعار والمديونية: انصياع الحكومات المتعاقبة لإملاءات صندوق النقد أوصل المديونية إلى أرقام فلكية

“الأردن يطلب قرضاً من اليابان بحجم 300 مليون دولار لدعم موازنة 2018.”

بهذا الخبر المقتصب الذي نشرته وسائل الإعلام المحلية قبل أيام، نقلاً عن “مصدر حكومي” فضل عدم ذكر اسمه –لم نفهم حكمة عدم الإفصاح عن اسمه- ، اختصرت الحكومة المسرحية الهزلية التي يعيشها ويتعايش معها المواطن والتي أطلقت عليها حكومة الرئيس الملقي مصطلح “الاعتماد على الذات”.

فالرئيس الدكتور هاني الملقي الذي تعتبر حكومته الأجرأ في التطاول على قوت المواطن، بقيامه برفع أسعار الخبز لأول مرة منذ حكومة الكباريتي قبل 22 عاماً، رفع في تبريره لعملية الرفع شعار “الاعتماد على الذات، في إشارة إلى أن حكومته لن تلجأ إلى الاقتراض من الآن فصاعداً وأن الهدف الأساسي هو تقليص الدين العام، ليأتي خبر طلب القرض من اليابان، ليعكس حجم استخفاف هذه الحكومة بالمواطن الأردني.

مسلسل الرفوعات وارتفاع حجم الدين

لم تكن حكومة الدكتور الملقي الحكومة الأردنية الأولى التي تستخدم الضرائب ورفع الدعم لتخفيض العجز في الموازنة وسداد الديون. فهذا النهج اتبعته الحكومات المتعاقبة منذ بدء الانصياع لصندوق النقد الدولي، وكان الإجراء الأبرز في عام 1989، عندما قامت حكومة زيد الرفاعي برفع أسعار المحروقات. ثم جاءت حكومة الكباريتي في عام 1996 برفع أسعار الخبز. فيما كانت ثالث  المحطات الهامة في نهج الانصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي قيام حكومة نادر الذهبي في عام 2008 بتحرير أسعار المحروقات. لنصل إلى حكومة الملقي التي عادت لرفع أسعار الخبز وإلغاء الدعم عنه بشكل تام. كافة هذه الرفوعات ورفع الدعم عن السلع الأساسية، كان العنوان الرئيسي لها هو تقليص المديونية. فهل نجحت هذه الإجراءات بذلك فعلاً؟!

يوضح الجدول المرفق والذي أعدته هيئة التحرير في جريدة نداء الوطن، حجم المديونية في السنوات العشر  الأخيرة (2008-2017). ويكشف الجدول أن كافة الإجراءات الحكومية برفع الدعم لم تؤدي إلى تغيير حقيقي في ما يتعلق بالمديونية.

في عام 1996، وعندما قامت حكومة الرئيس الكباريتي برفع أسعار الخبز بنسبة تجاوزت ال250%، لم يصحب هذا الرفع تقليص لافت في المديونية، حيث انخفض الدين العام الإجمالي من (6.158 مليار دينار) ليصبح (5.912 مليار دينار)، أي أن تقليص المديونية لم يتجاوز ال(246 مليون دينار) فقط لا غير.

إلا أن الملاحظة الأهم تمثلت بأن هذا الخفض للمديونية، ما لبث أن توقف، بل إن المديونية ارتفعت في العام التالي بشكل أكبر، حيث أصبح الدين العام (6.485 مليار دينار)، أي أنه ارتفع بقيمة (327 مليون دينار) عن قيمته قبل الرفع.

أي أن قرار رفع أسعار الخبز عام 1996 خفّض المديونية بنسبة محدودة جداً لمدة عام واحد فقط. لترتفع المديونية لتصبح أكبر مما كانت عليه قبل قرار الرفع.

والحال نفسه ينطبق على قرار حكومة الذهبي عام 2008 عندما قامت بتحرير أسعار المحروقات، ما أدى إلى رفع أسعارها بنسبة تجاوزت ال100% إضافة إلى ما صاحب ذلك من رفع لأسعار معظم السلع الأساسية. حيث لم تسهم هذه القرارات بخفض المديونية، بل أتت بنتائج عكسية، فارتفع الدين العام من (8.551) مليار دينار، لتصبح (9.660) مليار دينار في عام 2009.

الزبيدي: الحكومة تصرف بغير وعي وبجنون من خلال شراء سيارات فارهة ومصاريف سفر ومصاريف على أمور كمالية لا هدف ولا نهاية لها. فهل هذه نفقات دولة مديونة؟!

عدم نجاعة رفع الأسعار في خفض الدين العام، لم يحُل دون استمرار انصياع الحكومات المتعاقبة لإملاءات صندوق النقد الدولي. فوقعت حكومة النسور اتفاقية مع صندوق النقد الدولي عام 2012، لمدة ثلاث سنوات، تم تجديدها في عام 2016 لثلاث سنوات إضافية. وأظهرت أرقام الموازنة للأعوام الخمس الأخيرة عجز هذه الإجراءات والقرارات الاقتصادية التي قامت بها حكومة النسور وخلفه الملقي بتخفيض الدين العام.

فوفقاً للجدول المرفق، لم تستطع كافة الرفوعات التي قامت بها حكومة النسور ابتداءً من رفع أسعار الكهرباء والمحروقات، وفرض رسوم عليها، ورفع أسعار سلع أساسية، إضافة إلى ما قامت به حكومة الملقي من رفع إضافي للمحروقات والكهرباء ورفع الدعم عن الخبز. فقد ارتفع الدين العام من (17.610 مليون دينار) لتصبح (20.67 مليون دينار) عام 2013، ولتصل إلى (26.47 مليون دينار) في منتصف العام الماضي.

جوهر الأزمة: التبعية السياسية والاقتصادية

الباحث الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت وفي حديث خاص لـ نداء الوطن أكد على أن رفع أسعار السلع والخدمات العامة، لا يشكل مخرجاً للأزمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد. بل على العكس من ذلك، فقد أصبحت هذه السياسات جزءاً من المشكلة التي فاقمت الأزمات، كون المبالغة بتحميل المواطنين أعباء إضافية تفوق طاقاتهم، يسهم بتراجع الطلب الكلي؛ الأمر الذي أدى الى الركود الاقتصادي التي تعيشه البلاد في هذه الأيام، إضافة الى حالة الانفجار الشعبي التي بدأت مظاهرها.

وأضاف الكتوت بأنه لم تنحسر إجراءات الحكومات المتعاقبة بوقف الدعم وتحرير أسعار السلع، بما في ذلك المشتقات النفطية، فقد تجاوزتها بفرض ضرائب مرتفعة على مختلف السلع والخدمات العامة. وأشار إلى فشل النهج السياسي والاقتصادي الذي التزمت به الحكومات المتعاقبة في بناء اقتصاد وطني يعتمد على استثمار ثروات البلاد، وتوفير إيرادات للخزينة لمواجهة الفجوة بين الإيرادات والنفقات، وتوفير فرص عمل وخدمات صحية وتعليمية ووسائط نقل مناسبة للمواطنين.

أما جوهر الأزمة –وفق الكتوت- يعود للتبعية السياسية والاقتصادية للدولة، وغياب الإرادة السياسية  في استثمار ثروات البلاد وإدارة مواردها كما ينبغي، ومواجهة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني، والتخلي عن أهم مؤسسات الدولة لصالح الاحتكارات الرأسمالية، وما رافق تلك العملية من شبهات فساد ومخالفات قانونية ودستورية باعتراف اللجنة الملكية لتقييم سياسة التخاصية، الأمر الذي افقد الدولة الأردنية جزءا هاما من مواردها، كما تراجعت مصادر دخل الخزينة من الإيرادات المحلية غير الضريبية، وازداد الاعتماد على الجباية الضريبية والاقتراض المحلي والخارجي. حيث قفزت المديونية خلال السنوات العشرة الأخيرة بنحو 20 مليار دينار، بعد استنزاف أموال الدولة بأنماط استهلاكية، واستفحال مظاهر الفساد المالي والإداري في ظل غياب الشفافية والرقابة النيابية الحقيقية. واتساع جيوب الفقر وتآكل الطبقة الوسطى وازدياد عدد العاطلين عن العمل، وتفاقمت الأزمة المالية والاقتصادية.

فيما وضح المحلل والكاتب الاقتصادي في جريدة الدستورخالد الزبيدي لـ نداء الوطن أن السياسات الحكومية أزّمت الوضع الاقتصادي وأزّمت وعطلت نهوض الاقتصاد وساهمت في إضعاف قدرة الاقتصاد على المنافسة محلياً، وفي أسواق التصدير بالإضافة إلى أنها عملت على رفع الكلف على المستهلك وعلى المستثمر وهذه الخطوات غير صالحة للاقتصاد.

وأشار الزبيدي إلى أن الحكومة لم تكتف برفع اسعار المحروقات والمشتقات النفطية، بل إنها منعت “تحرير  سوق النفط” حسب وصفه، حيث أن تحرير سوق النفط حسب علم الاقتصاد يعني أن تبتعد الحكومة عن التسعير، لكن الحكومة لا تزال تمارس التجارة في هذا السوق استيرادا وتسعيرا وتسويقا وتتحكم في كل مفاصل هذا القطاع مثله مثل سوق الكهرباء ولذلك سوق المحروقات والطاقة لا يزال يعاني من تشوهات كبيرة جدا وبعيدا جدا عن التحرير.

هل تلجأ الحكومة إلى تقليص أعدادا الجهاز الحكومي ووقف التوظيف؟!

في ظل رفع الحكومات المتعاقبة يدها عن دعم السلع، كافة والتي كان آخرها رفع الدعم عن سلعة الخبز، يبدو أن الخيارات الحكومية لخفض المديونية، أصبحت محدودة، وربما لم يعد أمامها سوى تقليص الجهاز الحكومي، وهو الأمر الذي بدأنا نلمس التمهيد له عبر مقالات لكتاب قريبين من النهج الرسمي، إضافة إلى التصريحات الأخيرة لكريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، والتي طالبت فيها الدول العربية بتخفيض رواتب الموظفين أو تقليص أعدادهم.

وفي ذات السياق أشار الكاتب والمحلل لاقتصادي خالد الزبيدي لـ نداء الوطن أنه يعتقد أن الحكومة غير جادة في مسألة تنشيط الجهاز الحكومي وأنه يوجد لدينا نسبة بطالة كبيرة جدا بنسبة 18.5% وباعتقاده ان هذه النسبة ستتجاوز هذه السنة ال 20%.

وأكد الزبيدي أن رقعة الفقر باتساع كبير وأن نسبة الفقر تتجاوز الـ 40% نسبة الى السكان وهذا يدلل ويؤكد على وجود كارثة اقتصادية حقيقية والى الان لم تقدم أي حكومة من الحكومات المتعاقبة لمعالجتها مع أن الحلول العلاجية موجودة ومعروفة.

ويرى الأستاذ خالد الزبيدي أن الهيكلة في الجهاز العسكري محدودة ولن تزيد كما لن تنقص شيئاً. وأكد على أن الجهاز الحكومي المدني متضخم بشكل كبير وهذا يؤثر على الخزينة بشكل كبير بالإضافة إلى الإنفاق غير الرشيد للموارد والإيرادات “نحن لا نزال بعيدين عن التعامل الحقيقي مع الأزمة المالية”. فالحكومة تصرف بغير وعي وبجنون من خلال شراء سيارات فارهة ومصاريف سفر ومصاريف على أمور كمالية لا هدف ولا نهاية لها.

وتساءل الزبيدي هل هذه نفقات دولة مديونة ولديها عجز كبير في الموازنة؟!

فيما أشار الباحث الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت في تصريحه لنداء الوطن بأنه رغم الحديث عن إعادة الهيكلة في الجهاز العسكري والحكومة الرشيقة والالكترونية؛ إلا أنه ليس من المتوقع تقليص الجهاز الحكومي خلال فترة قصيرة حتى في حال توفر الرغبة في ذلك، فليس من الحكمة انهاء خدمات أي من موظفي الدولة قبل سن التقاعد، ومن الملاحظ تراجع معدلات التوظيف في الجهاز المدني للدولة، في حين نشهد توسع في الانفاق على الجهاز العسكري وخاصة في الأجهزة الأمنية. وقد أصبحت الرواتب والتقاعد والتعويضات والمساعدات تشكل عبئاً ثقيلاً على الموازنة حيث بلغت نحو  5,355مليار دينار ما يعادل 59%  من موازنة الدولة.

واتفق الكتوت مع الزبيدي بأن هذا يشكل تحديا كبيرا للدولة الأردنية، ويعبر عن فشل السياسات الرسمية تاريخيا، فقد أسهمت السياسات الرسمية في تخريب علاقات الإنتاج الزراعي باستدراج أبناء الريف للوظيفة الحكومية في الجهازين المدني والعسكري، بدلا من دعم القطاع الزراعي وتطويره وإقامة المشاريع التنموية الاستثمارية واستغلال ثروات البلاد وتوفير فرص عمل في قطاعات منتجة.  فقد تراجع دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني واستنزف التضخم الوظيفي موازنة الدولة. اما فاتورة التقاعد التي بلغت    1,321مليار دينار والتي تنمو سنويا بنسبة 5%، يجري تغطيتها من الموازنة، لعدم وجود صندوق للضمان الاجتماعي الحكومي على غرار المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لتغطية نفقات التقاعد بدلا من ان تصبح عبئا على الخزينة. وهي احدى مظاهر الفشل الإداري والسياسي للنهج السائد.

الزبيدي: الحكومة تصرف بغير وعي وبجنون من خلال شراء سيارات فارهة ومصاريف سفر ومصاريف على أمور كمالية لا هدف ولا نهاية لها. فهل هذه نفقات دولة مديونة؟!

ورأى الكتوت ان ما نشهده في هذه الأيام هو ثمرة السياسات الرسمية التي يمكن وصفها بالكارثية فقد ارتفعت معدلات البطالة لتصل نسبتها الى أكثر من 18.5% مقارنة مع12.5 % في عام2010، وهي مرشحة إلى الزيادة. كما وصلت البطالة بين الشباب نحو35 %. ونصف المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وتآكلت الطبقة الوسطي، وتعمقت الاحتقانات الاجتماعية وانتشرت عمليات السطو المسلح، والاتجار والتعاطي بالمخدرات  وحالات الانتحار ونمت الأفكار الظلامية الارهابية ما يهدد الامن الاجتماعي بالخطر في حين تختفي اية حلول بالأفق وأصبحت السياسات العامة للدولة تشكل عائقا امام انتشال الاقتصاد الوطني من أزماته.

ردة الفعل الشعبية: هل تكبر كرة الثلج؟!

تمادي الحكومة على قوت المواطن ووصولها إلى مادة الخبز التي تعتبر بالنسبة للمواطنين خطاً أحمر، أدى إلى تحركات شعبية واسعة رافضة لهذا القرار، امتدت إلى كافة مناطق الأردن. إلا أن هذه الاحتجاجات لم تصل إلى مرحلة التأثير الحقيقي على صانع القرار، وبقيت محدوديتها من حيث الكم.

ويرى الباحث الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت في حديثه لـ نداء الوطن أن حزمة الإجراءات الضريبية التي فرضت بعد إقرار الموازنة أحدثت ردود أفعال شعبية في مختلف المحافظات، ومن المتوقع ان تتسع التحركات الشعبية بعد ان تتلمس الفئات الشعبية الاثار المباشر لنتائج الإجراءات، وقد شهدت بعض التحركات الشعبية شعارات غير مسبوقة تعبر عن حجم تداعيات الازمة واثارها الضارة على المواطنين، وعلى أهمية التحركات الشعبية؛ الا ان محدودية دور الأحزاب اليسارية والقومية في الحراكات الشعبية وانحصار دورها بين النخب لا يشكل ضمانا لتطور الحركة الشعبية وحمايتها من الاختطاف او الهجوم عليها.

ويستدرك الكتوت مشيراً إلى إدراكه للسياسات الرسمية التي اتبعت لمحاربة العمل السياسي المنظم ليس للأحزاب اليسارية والقومية وحسب بل وحتى لأحزاب اليمين التي تعبر عن رؤية سياسة رسمية. إلا أنه يعتقد أن هناك حاجة موضوعية لبناء حركة سياسية شعبية تستجيب لمتطلبات المرحلة متمثلة بتشكيل جبهة وطنية عريضة تشمل الأحزاب والتيارات السياسية والهيئات والحراكات الشعبية ومع اعتقاده انها مهمة ليست سهلة إلا أن هناك حاجة موضوعية لفتح حوار نحو خطوة كهذه، لقيادة الجماهير الشعبية وإحداث توازن في المجتمع يسهم بتغيير السياسات السائدة في البلاد.

وشدد الكاتب والمحلل لاقتصادي خالد الزبيدي أن المواطنين لم يعودوا يتحملون كل هذه الإجراءات التي سببت لهم أزمة اقتصادية ورفعت من نسبة الفقر والبطالة وهم لا يجدون الوسيلة الأمثل للتصرف وأضاف الزبيدي بأن الوضع بات صعبا جدا اكثر مما نتصور، والمواطنون لا يعلمون ما التصرف المناسب وهم يتمهلون ويحاولون تغليب العقل على التصرف الانفعالي ولكن في النهاية لا نستطيع الا أن نتمنى أن تكون العواقب سليمة.

ويبقى الرهان الحقيقي على قدرة الشارع الأردني على فرض أجندته بمواجهة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، وقدرته على إنجاز ما عجز عنه الحراك الشعبي عام 2011. ويبدو أن رهان الحكومة على عامل الوقت سيكون له تأثيره العكسي عليها، حيث بدأنا نشهد تصاعد الاحتجاجات الشعبية تدريجياً وارتفاع سقف مطالبها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى