مقالات

العقلانية والوعي المنشطر / وائل أبو صالحة

في البداية دعونا نطرح السؤال التالي : متى يظهر الخطاب الديني مطالبا بحقة في الحديث عن الهوية والانتماء ؟

في كل مرة يهتز فيها الكيان الحضاري لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب , نتيجة ظروف موضوعية على رأسها الظرف الاقتصادي, يبدا نظام العلاقات والقيم في التخلخل, وطرق التصور والتنظيم في التبدل, ويبدأ حديث الهوية بالبروز وغالبا ما يتم الحديث عن الهوية في ظروف هذا الاهتزاز , من منطلق ذات معذبة تعاني مأساة ضياع تفاصيل مكوناتها.

وفي ظل هكذا ظروف تنتعش الميتافيزيقا ويظهر الخطاب الديني بقوة مطالباً بحقة في الحديث عن الهوية وهذا ما تعيشة الامة العربية في لحظتها الراهنة – لنوضح اكثر…

علينا الاقتراب من الاجتهادات الفكرية التي قاربت مسألة الهوية والانتماء والتي دعت إلى العقلانية ونقد الذات آخذين بعين الاعتبار توتر العلاقة بين الوعي والواقع العربي , والوعي بالمعنى الفينومينولوجي , هو وعي بشىء ما , أي أنه وعي ذات بموضوعات.

قد يكون هذا التعريف صائبا بخصوص مسألة الفكر والوجود, كما يمكن أن يكون محدوداً, إلا أن الوعي العربي المعاصر, بمختلف مرجعياتة الفكرية تشكل في سياق علاقة مضطربة مع موضوعاتة وأشيائه إلى درجة يجوز فيها القول أنه وعي بأشياء ليست بتلك التي هو مطالب فيها.

في هذا السياق, بدأ وعي عربي ذو طبيعة نقدية يتحرك, وهو يسعى إلى خلخلة الفهم المشترك الذي تعود عليه الإنسان العربي, سواء في تعامله مع ذاته أو تراثه أو واقعه أو في سلوكه إزاء مظاهر الحداثة وأشكال التنظيم العقلانية كافة.

يتحرك هذا الوعي بصورة ملحوظة, داخل مناخ فكري (البنية الايديولوجية) أو البنية الثقافية العامة ومحكوم هذا الوعي باتجاهات فكرية متعددة (بنى فكرية متعددة) تحتويها بنية أيديولوجية تعبر عن نفسها يسارا (كبنية أيديولوجية نقدية) أو يميناً (كبنية أيديولوجية تدعي الواقعية أو الموضوعية أو العقلانية).

إلا أن البنية الأيديولوجية السائدة هي بنية خطاب السلطة العربية أي بنية خطاب التحالفات الطبقية الحاكمة وخياراتها النابذة للسؤال والحرية, حولت الإنسان العربي إلى كائن نسي ذاته وارتمى بلحظته الآنية الوقتية النفعية, بسبب الضغط اليومي, وبسبب النزعة التواكلية والتعامل غير المنتج مع الزمن, أو لجأ الى ماضٍ متخيل.

لذا لا يمكن للعقل, بوصفه عملية ذهنية, أن يغتني ويتطور إلا ضمن مناخ اجتماعي وثقافي يسمح بالتعبير عن الرأي بحرية .

اننا لم نتعود في تنشئتنا العامة على الاستئناس بالعقل باعتباره قدرة على التفكير والتقييم والحكم , لأن أنظمتنا التعليمية تلقينية تطالب بالحفظ وإعادة الإنتاج, ولا تسمح بالاختلاف وسلوك سبيل السؤال وإحكام العقل – بمعنى آخر أن التضخم الايديولوجي في الفكر العربي الحديث والمعاصر يلغي العقل, او يعمل جاهدا من أجل احتواء نتائجه وإقصاء تساؤلاته.

الأمر الذي يساعد في انتعاش التدين السطحي, أو السلوك السحري في مجالات الحياة العربية كافة, في السياسة والاقتصاد والمجتمع والفكر.

من هنا ينشطر الوعي وينفصل عن الواقع أو يعجز عن تغييره .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى