ما بعد تجديد الثقة! / ماجد توبة
السؤال الذي تبلور بعد انتهاء معركة “حجب الثقة” بحكومة الدكتور هاني الملقي، التي خرجت منها بالثقة النيابية “الغالية”، كان هو سؤال الرابحين والخاسرين بعد أن وضعت المعركة أوزارها، وحصل الرئيس الملقي على ما يمكن اعتباره تفويضا للسير بإجراء تعديل وزاري على حكومته، والمضي قدما ببرنامج حكومته السياسي والاقتصادي.
بالحساب الدستوري؛ فان الرئيس وحكومته خرجا بانتصار مهم بتجديد الثقة النيابية، ومنح هذه الحكومة إكسير حياة لم يكن بحسبانها قبل أسابيع، ولم تطلبه لنفسها قبل إصرار عشرين نائبا ونيف على طرح الثقة بها، بعد قراراتها الاقتصادية والمالية الأخيرة.
أما على مستوى المؤسسة النيابية فيمكن القول، عند تعداد جانب المنتصرين في المعركة، أن النواب الذين حجبوا الثقة (وعددهم 49) قد خرجوا بنوع من الانتصار، لكن شعبيا وأمام قواعدهم الانتخابية، فيما خسر مانحو الثقة (67 نائبا) وربما المتغيبون والممتنعون شعبيا أمام قواعدهم، على اعتبار أن المزاج السلبي العام من الحكومة وقراراتها يكاد يكون عاما في المجتمع.
ورغم الربح الدستوري للحكومة والشعبي للنواب من حاجبي الثقة أمس، فإن خلاصة آخر النهار بعد هدوء غبار المعركة تحت القبة، هو أن الثقة النيابية لم تمنح الحكومة الثقة الشعبية التي انحدر مؤشرها عميقا بعد قراراتها الاقتصادية الأخيرة، فيما يمكن القول بثقة أن منح مجلس النواب الثقة للحكومة حتى ولو بنسبة متواضعة نسبيا، يسهم بالمزيد من التدهور بمؤشر الثقة الشعبية بالمؤسسة النيابية والمجلس الحالي، والذي يتهمه المزاج العام بتمرير القرارات الاقتصادية الصعبة وضرب المستويات المعيشية للناس.
ومن باب التحليل أيضا، يمكن الاستنتاج بالقول أن الحكومة والأغلبية النيابية لم يكونا يفضلان الوصول إلى مرحلة طرح الثقة بالحكومة في هذه المرحلة، التي لم يبرد فيها الغضب الشعبي على القرارات الاقتصادية الاخيرة، لكن الطرفين وجدا نفسيهما أمس أمام استحقاق دستوري بالتصويت، لتخرج النتيجة بتجديد الثقة بالحكومة.
وعديدة هي مطبات مذكرات طلب حجب الثقة بالحكومات التي يقدمها عدد من النواب معارضة لسياسة او قرار حكومي ما، في مسيرة المجالس النيابية الاخيرة، وتكررت مع أكثر من حكومة، وفيها جميعها انقلب مفعول المذكرات الى عكسه، بتجديد الثقة بالحكومة، ومنح برنامجها أو سياستها شرعية نيابية.
الراهن الآن، أن حصول حكومة الملقي أمس على ثقة نيابية جديدة تضاعف –كما يفترض- من العبء الملقى على كتفيها، فمطلوب منها الآن ليس فقط استعادة الثقة الشعبية بها أو على الأقل ترميمها بعد سلسلة القرارات المالية القاسية، بل إنها باتت تتحمل مسؤولية أكبر، قد لا تنجح فيها، تتمثل في ضرورة ترميم الثقة الشعبية المتآكلة بمجلس النواب الحالي، الذي أنهكت شعبيته في الشارع القرارات الحكومية، ليأتي تجديد الثقة بالحكومة ليزيد هذا التآكل!
سياسيا ودستوريا لا أحد يستطيع التقليل من أهمية تجديد الثقة بالحكومة، خاصة في ظل ما تواجهه اليوم من انتقادات واحتجاجات على سياساتها الاقتصادية القاسية، لكن هذه الثقة لا تعني الحصول على الثقة الشعبية، أو على الأقل للتفهم الشعبي للسياسات والقرارات الصعبة التي اتخذتها او تلك التي ستتخذها لاحقا، فطريق الثقة الشعبية هو الأهم والأصعب، وهو الذي لا يمكن للحكومة، أية حكومة، القفز عنها والعمل بجد لاستعادتها وترميمها لتستطيع المضي ببرنامجها وسياساتها وصولا إلى ما تراه استقرارا وعبورا من الأزمة وعنق الزجاجة!