تقشف غير صحي! / ماجد توبة
في إحدى الإذاعات المحلية صباح أمس وأمام شكوى لمواطن من تواصل مشكلة عدم توفر قطع “فلاتر” بأحجام مناسبة، خاصة بأجهزة غسل الكلى بمستشفى حكومي في إحدى المحافظات، بادرت الإذاعة إلى إعادة بث شكوى مشابهة بذات المستشفى وتصريح لمسؤولة من وزارة الصحة كانت سجلت قبل شهر ونصف تقريبا، حيث قرع المرضى يومها جرس الإنذار من خطورة المشكلة على صحتهم في علاج لا يمكن التأخر عنه ثلاث مرات في الأسبوع.
في التسجيل المعاد بثه أمس كانت المسؤولة وعدت بتزويد المستشفى المذكور سريعا بـ”فلاتر” مناسبة، بعد ان تحدثت عن مشكلة عطاءات وتأخر في التزويد بالمستودعات المركزية لوزارة الصحة، لكن تكرار الشكوى أمس من مرضى يدل على اختلالات وتقصير لم يعد خافيا، ولا يتوقف فقط عند مثل هذه “الفلاتر” الصحية، بل يتعداها الى مشاكل نقص الادوية والعلاجات بالكثير من المراكز الصحية الحكومية ونقص الكوادر والاختصاصات، والضغط الكبير على أجهزة التشخيص والعلاج والتصوير الشعاعي وغيرها من مستلزمات وبنى تحتية أساسية يجب توفرها في المستشفيات والمراكز الحكومية.
التراجع في مستوى خدمات القطاع الصحي الحكومي بات ملموسا في السنوات القليلة الماضية، جراء تزايد الضغوط على مستشفياته ومراكزه الصحية في ظل التزايد بأعداد السكان وتدفق اللاجئين السوريين بمئات الآلاف، في وقت لم تشهد موازنة وزارة الصحة رغم كل هذه الضغوط تحسنا ورفعا ملائما في ظل استمرار سياسة التقشف الحكومية وجهود خفض العجز بالموازنة العامة للدولة.
بل ولقد كان مثيرا ما كشفته حملة “الخبز والديمقراطية” قبل ايام عندما تحدثت في بيان موسع لها عن “تراجع القطاع الصحي العام” وعن انخفاض موازنة وزارة الصحة للعام الحالي بما مقداره 52 مليون دينار عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات! أي أن الحكومة تقضم تدريجيا من موازنة الصحة بما سيؤثر بلا شك على مستوى الخدمات والعلاج المقدم لشريحة واسعة من المواطنين ممن لا يستطيعون تلقي العلاج إلا في القطاع العام، سواء أكانوا مؤمنين أو غير مؤمنين صحيا.
نفهم أن تلجأ الحكومة إلى التقشف في النفقات العامة لمواجهة العجز في الموازنة العامة، في ظل ما تعانيه من أوضاع صعبة، لكن هذا الترشيد والتقشف لا يجب أن يطال الخدمات الأساسية لأغلب المواطنين، من صحة وتعليم، واذا ما جردت الناس من هذا الحق بمثل هذه الخدمات الأساسية فتلك كارثة وعنوان لفشل أي دولة ولا يمكن السكوت عليه.
حملة “الخبز والديمقراطية” رصدت في بيانها، ان تنامي الطلب على الخدمات الطبية بمستشفيات وزارة الصحة في ظل تجاوز عدد السكان 33 % ما كان عليه قبل خمس سنوات، انعكس في تناقص عدد الأسرة من 18 سريرا لكل 10000 مواطن إلى 14 سريرا لكل 10000.
هذا التراجع في الأرقام والمؤشرات الخاصة بالقطاع الصحي العام يعد خطرا ومقلقا، خاصة اليوم، في ضوء ما نشهده من تراجع كبير بالمستويات المعيشية واوضاع اقتصادية سلبية تطال الشرائح الفقيرة والمتوسطة التي تآكلت دخولها وتردت اوضاعها الاقتصادية لسد عجز الموازنة العامة عبر سلسلة لا تتوقف ولا تشبع من الضرائب والرسوم والارتفاعات للاسعار. فتراجع المستويات المعيشية وانضمام شرائح واسعة الى الطبقات الفقيرة او محدودة الدخل يستتبع توجه هذه الشرائح الى القطاع الصحي العام لتلقي الخدمة الصحية ما يرفع من حجم الضغوط على هذا القطاع.
على الحكومة التوقف مليا أمام تراجع مستوى خدمات وكفاية القطاع الصحي العام، فالصحة بالنسبة للناس خط أحمر لا يمكن التساهل معه!