الإصلاح مستدلا عليه بالتجارة الخارجية/ بقلم: إبراهيم غرايبه
تساعد بيانات دائرة الإحصاءات العامة عن التجارة الخارجية، في بناء مجموعة من المؤشرات والملاحظات عن الإمكانات العملية للإصلاح، وفي اقتراح سياسات اقتصادية وتنموية تعدّل جوهريا في الميزان التجاري. السؤال ببساطة: كيف نقلل الواردات ونعظّم الصادرات؟ لماذا تكون فاتورة الواردات في مجالات وسلع بهذه الضخامة، برغم أنه يمكن توفيرها وطنيا، بل والتصدير منها؟ ولماذا تكون تجارتنا الخارجية مع دولة مجاورة وشقيقة مثل فلسطين بهذه الضآلة؟ كيف يمكن تعديل وإصلاح ميزان التجارة الخارجية مع الدول المصدرة والمستوردة؟ ما الفرص المتاحة لتصدير سلع وخدمات؟
ومعلوم، بالطبع، أن العجز الناتج عن الفرق الهائل بين الواردات والصادرات (لصالح الواردات بالطبع)، يمثل نزفا متراكما وخسائر متواصلة للاقتصاد والناتج المحلي، ويعني أيضا موارد هائلة عزيزة ونادرة تنتقل الى خارج البلاد. وتركز فكرة الإصلاح الاقتصادي، ببساطة، على إبقاء الأموال في البلد وتدويرها باستمرار وبعدالة بين المواطنين. وبغير ذلك ستظل كل جهود العمل والإنتاج أسوأ من السخرة؛ فلا نعود فقط نعمل لأجل غيرنا، بل ننفق على الآخرين.
يقترب العجز في الميزان التجاري الأردني من عشرة مليارات دينار، ولا تمثل الصادرات أكثر من ثلث الواردات. وبالنسبة للعام 1990، تزايد العجز حوالي عشرة أضعاف. ومن المحيّر ألا تجرى مراجعات استراتيجية اقتصاديا واجتماعيا لتصحيح هذا الخلل! ولا تتوقف كارثة العجز في الميزان التجاري عند الفجوة الهائلة في الاقتصاد بين الصادرات والواردات، ولكنها يمكن أن تكون مضاعفة إذا أخذنا بالاعتبار التركيب السلعي للصادرات والواردات والمؤشرات البلدانية للتجارة الخارجية، ثم عندما نفكر في المتوالية الاجتماعية والثقافية الناشئة عن هذه الحال وامتدادها ورسوخها.
والحال أنه ليس أمرا عظيما يدعو إلى الارتياح الحديث عن صادرات الخضار والفواكه والمواد الخام من الفوسفات والبوتاس، وليست إنجازا يدعو للفخر حوالات العاملين في الخارج. فالخضار والفواكه والمواد الخام، يكاد يكون تصديرها خسائر؛ ليس أكثر من هدايا لمستهلكين متعجرفين واقتصادات ودول أخرى. وهذه الهجرة الواسعة للعمالة والكفاءات إلى الخارج تشكل تدميرا هائلا في البنية الاقتصادية الاجتماعية للبلد والمجتمعات. ولا تعوض حوالات العاملين في الخارج شيئا من الخسارة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الناجمة عن هجرتهم.
نستطيع تحويل الزراعة إلى اقتصاد بقيمة مضاعفة، وأن ننشئ حولها صناعات غذائية وأسواق عمل وخدمات، تضاعف الاقتصاد الزراعي بعشرة أضعاف على الأقل، كما تضاعُف العاملين في هذا المجال، ولا حاجة ولا أهمية تذكر لتصدير الخضار والفواكه. وبذلك، فإنه يمكن أيضا تعديل اتجاهات العمل في الزراعة لتستقطب المواطنين؛ ذلك أن العمالة الوافدة في القطاع الزراعي وفي البناء لا تعكس فقط حوالات مالية إلى الخارج، ولكنها تؤشر إلى انحسار الآفاق في الاقتصاد الاجتماعي والإبداعي المتشكل حول الزراعة والبناء. ويمكن بذلك أيضا تخفيض فاتورة الواردات الغذائية (مليارا دينار)، كما يمكن مضاعفة الصادرات من الصناعات الغذائية ذات القيمة العالية.
وهناك فرصة كبرى بالنظر إلى حال التعليم في البلد، لبناء اقتصاد تصديري في الخدمات المهنية والاستشارية عبر الشبكة في مجالات الاستشارات والمحاسبة والتصميم والبرمجة، من دون حاجة إلى هجرة المهنيين إلى الخارج. ويمكن بناء صناعات في مجال الأثاث وقطع الغيار تستفيد من سوق الأجهزة والصناعات العالمية، وحاجتها المستمرة للصيانة وقطع الغيار. وفي الوقت نفسه، يمكن تشغيل العدد الكبير من المهندسين والتقنيين الأردنيين، وبالطبع تخفيض الواردات وتعظيم الصادرات.
ويمكن العمل اجتماعيا وثقافيا لبناء وتشجيع اتجاهات اجتماعية وثقافية في الاستهلاك وأسلوب الحياة. وأخشى أن هناك مصالح نخبوية طُفَيْلِيّة تقوم على هذا الاتجاه المرضي في الاستيراد والتصدير، فتتحول الكوارث إلى مورد، وتحول أصحابه إلى قيادات ونخب.