مقالات

اخلاق السوق وتحولات المجتمع / وليد حسني

ثمة قصة في أخلاقيات السوق ومدى تأثيرها على السياسة التي بلا اخلاق، وحجم تأثيرات أخلاقيات السوق على منظومة أخلاقيات المجتمع.

وللحقيقة فإن اخلاقيات السوق هي التي تفرض نفسها بقوة على المجتمع، وهي الأخلاقيات التي أضحت هي المسطرة الأكثر تأثيرا في بنية منظومة اخلاقيات المجتمع التي تعرضت ولا تزال تتعرض للمزيد من الإغتيال والتراجع تحت ضغوطات السوق وأرباب السوق، ومصالح السوق.

في تسعينيات القرن الماضي بدت سياسة صندوق النقد الدولي تتجه الى فرض الخصخصة على اقتصاديات الدول المتعثرة اقتصاديا، واصبحت تلك السياسة هي الرائجة في اقتصاديات الكون في تسعينيات القرن المنصرم، وذهب صندوق النقد الدولي إلى فرض شروطه على تلك الدول، وأصبحت الخصخصة الدين الجديد لتسعينيات القرن العشرين والعشر الأول من القرن الحادي والعشرين.

وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي معا تلهث نحو فرض سيادة لغة واخلاقيات السوق على المجتمعات الفقيرة، كما فرضت على الحكومات الإلتزام المطلق بوصفات المعالجة التي بدت أكثر من مؤلمة وأكثر من قاسية.

بعض تلك الوصفات ذهب الى تخليص الدول من اعباء الدولة الراعية لشعوبها، وبعض تلك الوصفات ذهب الى تقليص الدور الريعي الحكومي للسلع الأساسية، بتحرير الأسعار وترك الحرية المطلقة لسياسة السوق لتفرض ايقاعها على المجتمعات التي وجدت نفسها تخوض سلسلة تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية فرضت هي الأخرى ايقاعها على سيرورة تلك المجتمعات التي وجدت نفسها تحت تأثير صدمة التحولات التي أدت الى تشويه البنية الإجتماعية ثقافة وفكرا وسلوكا، وادت وبالضرورة الى بروز ثقافات جديدة، وسلوكيات طارئة ظلت ولم تزل غريبة على تلك المجتمعات.

ما نراه اليوم من سلوكيات وتفاعلات وتطورات في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي كلها تخضع وبالضرورة القصوى الى أخلاقيات السوق، وإلى مبادىء التاجر ومنطق عوائد الربح، وتسليع كل شيء بدءا بالقيم وانتهاء بالسلع التجارية.

إن منطق السوق واخلاقياته لا تنسجم مع أية قيم وأخلاقيات إجتماعية ومجتمعية راسخة في المجتمعات التي تعرضت ولا تزال تتعرض للنتائج الكارثية لمنظومة قيم السوق التي فرضتها مبادىء وقيم صندوق النقد والبنك الدوليين، مما يعني أن تلك القيم الإجتماعية قد أصيبت بمقتل وليس امامها أية فرصة الآن لإستعادة ما خسرته وعليها مجبرة مجاراة قيم السوق الجديدة التي تفرض نفسها على باقي القيم المجتمعية والإجتماعية.

في هذه الصورة المختزلة تبدو قوة أخلاقيات السوق أقوى بكثير من قوة اخلاقيات المجتمع الذي يتعرض لعواصف التحولات الإقتصادية والسياسات المالية الحكومية المرتهنة لوصفات تحرير الأسعار، ورفع الضرائب، والغاء الإعفاءات..الخ، وكلها تمثل مجتمعة جزءا من التحولات التي تضرب الآن في عمق البنية الإجتماعية..

بعض من هذه الصورة المختزلة يصدق علينا تماما..

وبعضها الآخر يصدق علينا تماما أيضا.

نقلا عن الأنباط

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى