المزارعون والهراوات / محمد الفضيلات
يحْتَضَر أصحاب الجباه السُّمر بلون الحنطة والأيدي المتشققة بمذاق الأرض على وقع جرعة قاتلة حقنت أخيراً في شريان حياتهم.
لم تكتف الحكومة الأردنية بالموت البطيء الذي يكابده القطاع الزراعي والمزارعون نتيجة السياسات التاريخية المعادية، بل تدخلت لتعجل إعلان الوفاة بفرض ضرائب على مدخلات إنتاج القطاع النباتي والحيواني بنسب تتراوح بين 10- 16 في المائة، وضريبة على مخرجاته تتراوح بين 6-10 في المائة.
يعني ذلك عملياً أن الحكومة تسلم ما تبقى من الرقعة الزراعية في المملكة إلى التصحر، وتغلق بالشمع الأحمر مزارع الماشية والدواجن، وتحكم على عشرات آلاف المزارعين الفقراء أصلاً بالفقر المزمن والمتوارث جيلاً بعد جيل.
ويعني أيضاً، أن يخسر الأردنيون سيادتهم على غذائهم، وتخسر البلاد استقلاليتها، عندما تجد نفسها تقايض الدول المنتجة قرارها الوطني بما يَسُدُّ رمق البلاد.
اتخذت الحكومة القرار وهي تعلم أن نحو 18600 مزارع باتوا مطلوبين للتنفيذ القضائي بعدما عجزوا عن سداد الجهات المقرضة بفعل الدمار الذي طاول محاصيلهم وتراجع الصادرات الزراعية وغياب الدعم الحكومي، وتتخذه رغم التقديرات شبه الرسمية التي تتوقع أن أكثر من 40 في المائة من المزارعين سيخرجون من القطاع في غضون الأشهر الستة الأولى من سريان القرار، ليصبحوا قنابل موقوتة، أو يصطفون
طوابير للحصول على المعونة التي تقدمها الدولة والتي لا تكفل للمنتفعين أكثر من البقاء على قيد الحياة.
تخوض حكومات العالم نقاشات معمقة وطويلة في سبيل دعم القطاع الزراعي والمزارعين، وتتجنب وهي في أقسى أوضاعها الاقتصادية فرض ضرائب على القطاع الذي تنظر إليه جزءاً أصيلاً من معادلة السيادة الوطنية.
في الأردن، تبددت منذ سنوات أحلام المزارعين بالدعم الحكومي، وبعد أن تعايشوا أو كادوا يتعايشون مع الواقع الصعب، ساعدهم على ذلك الإعفاءات الضريبية على مدخلات الإنتاج ومخرجاته، لا يحلمون اليوم سوى بأن تكف الحكومة “شرورها” عنهم، ليواصلوا عملهم في توفير الغذاء للمواطنين ويواصلون هم العيش ببطون شبه خاوية.
حلم يبدو مستحيلاً، فالحكومة وعوضاً عن الاستماع لصوتهم، انهالت على اعتصامهم السلمي الرامي لثنيها عن المضي في قرارها بالهراوات، يا بؤس الجزاء!