من انتفاضة القدس إلى انتفاضة الأسرى: صدى القيد.. وواقعة المر! /رفعت سيد أحمد
الأسير الفلسطيني والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات يحكي في كتابه الجديد “صدى القيد” جزءاً من تجربته في الأسر الصهيوني، تحديداً المرحلة من (2009-2012) موثّقاً حياة الأسرى ونضالاتهم داخل السجون الصهيونية.
وسط الانتفاضة الثالثة التي تجري وقائعها وإن ببطء في القدس وحول إسمها المقدّس داخل فلسطين وخارجها خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6/12/2017 بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، ووسط حروب العرب ضد بعضهم البعض، وانحراف بوصلتهم الدائم، بعيداً عن (القضية – المركز)، كما كنا نسمّيها في ما مضى، قضية فلسطين، وفي أجواء صراع آل سعود ومشيخيات الخليج وفتنتهم المذهبية المُتنقّلة، والدائمة – أيضاً – وإصرارهم العجيب على التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني، ودعمهم اللامحدود لجماعات الإرهاب في سوريا وسيناء وليبيا، وحربهم الضروس على أطفال اليمن وحضارتها التي تصغر إلى جانبهم أموالهم ونفطهم وحداثتهم المُزيّفة؛ وسط هذا كله، يُعاد طرح إحدى أهم قضايا الصراع العربي الصهيوني، قضية الأسرى، ومناسبة الحديث تأتي في أجواء انتفاضة القدس الثالثة، ووجوب انتفاضة أخرى موازية لها لمساعدة الأسرى المعتقلين منذ عشرات السنين والذين نسيناهم جميعاً للأسف، وتأتي أيضاً بمناسبة إصدار المناضل الأسير أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المولود عام 1953) لكتاب وثائقي وأدبي جديد يحمل عنوان (صدى القيد) يحكي فيه بصدق وإخلاص وبحق جزءاً من تجربته في الأسر الصهيوني، تحديداً هو يغطّي في كتابه المرحلة من (2009-2012) موثّقاً لحياة الأسرى ونضالاتهم داخل السجون الصهيونية.
الكتاب يُعدّ بمثابة صرخة احتجاج وثورة:
أولاً: في مواجهتنا نحن أبناء الأمّة العربية، نخباً، وشعوباً وحكاماً؛ عجزة، وفشلة، وحارفين للبوصلة الصراعية في المنطقة بعيداً عن فلسطين إلى معارك مذهبية وسياسية أخرى مهلكة وفاشلة، وثانياً هو صرخة احتجاج ضد ممارسات العدو الصهيوني تجاه الأسرى، وثالثاً وأخيراً هو صرخة احتجاج في مواجهة العالم الذي يزعم التحضّر والدفاع عن حقوق الإنسان، فإذا به يتجاهل قرابة السبعة آلاف أسير فلسطيني يعانون أقسى المعاناة في سجون دولة احتلال وإرهاب.
إن كتاب أحمد (سعدات)، ورغم عنوانه الأدبي البرّاق؛ “صدى القيد” إلا أنه يتحدّث عن (واقع) وليس (صدى)؛ واقع مر بامتياز، وقبل أن نشير إلى محتويات ورسالة الكتاب دعونا نؤكّد هذه الحقائق عن واقع الأسرى الفلسطينيين المنسيين.
أولاً: حقائق الأسر:
تقول التقارير الحديثة الصادرة دولياً وفلسطينياً أن ثلاث جهات فلسطينية، بينها الجهاز المركزي للإحصاء، أصدرت إحصائية حديثة لعدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.وقالت الجهات الثلاث في بيان مشترك، صدر قبل أيام، إن عدد الأسرى الذين يقبعون حالياً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يبلغ 6500 أسير، بينهم 57 امرأة و300 طفل.
في موازاة ذلك أكّدت المنظمات الدولية والعربية والحقوقية، إنها سجّلت منذ 28 أيلول/ سبتمبر 2000، نحو (100) ألف حالة اعتقال، بينها نحو (15) ألف طفل تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً، و(1500) امرأة، ونحو (70) نائباً ووزيراً سابقاً، فيما أصدرت سلطات الاحتلال نحو (27) ألف قرار اعتقال إداري.
وأشار بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن “سلطات الاحتلال صعَّدت من حملات الاعتقال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وطاولت أكثر من 10 آلاف حالة اعتقال من الضفة، كانت معظمها من القدس”.
وأضاف أن “عدد الأسيرات الفلسطينيات وصل إلى (57) أسيرة في سجون الاحتلال، من بينهن (13) فتاة قاصراً، وأقدمهن كانت الأسيرة لينا الجربوني من الأراضي المحتلة عام 1948”.
وبحسب البيان فإن “سلطات الاحتلال تعتقل في سجونها نحو (300) طفل فلسطيني موزّعين على سجون مجدو، وعوفر، وهشارون، وجرى توثيق أبرز الانتهاكات والأساليب التنكيلية التي نُفّذت بحقهم من خلال طواقم المحامين العاملين في المؤسّسات، وهي: اعتقالهم ليلاً، والاعتداء عليهم بالضرب المُبرح أمام ذويهم، وإطلاق النار عليهم قبل عملية اعتقالهم واقتيادهم وهم مكبلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين، والمماطلة بإعلامهم أن لديهم الحق بالمساعدة القانونية، وتعرّضهم للتحقيق من دون وجود ذويهم بما يرافق ذلك من عمليات تعذيب نفسي وجسدي، وانتزاع الاعترافات منهم وإجبارهم على التوقيع على أوراق من دون معرفة مضمونها”.
ومن المعلومات المؤكّدة أن ثمة ازدياد أعداد الأطفال الجرحى، بعدما صعدّت قوات الاحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، من إطلاق النار عليهم، قبل عملية اعتقالهم، وقد تسبّبت هذه الإصابات بإعاقات جسدية منها ما هو دائم.
هذا وتؤكّد هيئات الدفاع عن الأسرى في فلسطين إن “الأسرى القدامى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً، بلغ عددهم (44) أسيراً، بينهم (29) أسيراً معتقلاً منذ ما قبل توقيع اتفاقية “أوسلو” عام 1993، وفي عام 2013 تم الإفراج عن ثلاث دفعات ضمن مسار المفاوضات، إلا أن إسرائيل تنصّلت من الالتزام بالإفراج عن الدفعة الرابعة والذين كان من المفترض إطلاق سراحهم في آذار/ مارس 2014.
وتكشف الحقائق القادمة من فلسطين في مقدّمة هذا العام (2018) أن “عدد الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال بلغ نحو (500) أسير إداري، ويعتبر الاعتقال الإداري العدو المجهول – كما تؤكّد المنظمات الحقوقية الفلسطينية – الذي يواجه الأسرى الفلسطينيين، وهو عقوبة بلا تهمة، وتستند قرارات الاعتقال الإداري إلى ما يُسمّى “الملف السرّي” الذي تقدّمه أجهزة المخابرات “الشاباك”، وفيه لا يُسمح للأسير ولمحاميه بالاطّلاع عليه، ويمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري أكثر من مرة، وتتراوح مدة الأمر ما بين شهرين وستة شهور قابلة للتمديد”.
وتصبح المُعاناة أشد للأسرى الفلسطينيين عندما نعلم أن العدو الصهيوني ينتهج سياسة الإهمال الطبي المُتعمَّد بحق الأسرى المرضى والجرحى، ترافق ذلك جملة من الانتهاكات التي تُنفّذ بحقهم من دون مراعاة لحالهم الصحية، وهناك المئات من الأسرى المرضى داخل السجون، منهم نحو (20) أسيراً يقبعون في “عيادة سجن الرملة”.
وتؤكّد التقارير الفلسطينية أن “سلطات الاحتلال لاتزال تعتقل في سجونها (13) نائباً في المجلس التشريعي، بينهم امرأة وهي سميرة الحلايقة، وأقدمهم الأسير مروان البرغوثي المُعتقَل منذ عام 2002، والمحكوم بالسجن لخمسة مؤبّدات، إضافة إلى الأسير أحمد سعدات المُعتقَل منذ عام 2006، والمحكوم بالسجن لثلاثين عاماً (والذي سنتحدّث عن كتابه الرائع “صدى القيد” لاحقاً)، مؤكّدة أن (210) استشهدوا أثناء اعتقالهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وأعدموا خارج إطار القانون، وفي السجون نتيجة الإهمال الطبي المُتعمَّد أو نتيجة لعمليات القمع والتعذيب، وكان آخرهم محمّد الجلاد من محافظة طولكرم الذي استشهد في شباط/فبراير 2017″.
إن عمليات التعذيب المُمنهج – بل والقتل بحجّة الهروب – للأسرى، تتم بشكل يومي، في سجون الاحتلال وسط صمت عربي، ودولي واسع النطاق؛ وهو ما دفع أمثال المناضل أحمد سعدات، إلى أن يصرّح عبر الورق، طالباً التحرّك العاجل، عربياً ودولياً لإنقاذ (الأسرى المنسيين) وكان ذلك عبر كتابه الفذّ (صدى القيد).
ثانياً : الصرخة العالية في صدى القيد:
يتشكل بنيان كتاب صدى القيد للمناضل الأسير أحمد سعدات في سبعة فصول فضلاً عن المقدمة والخاتمة، تناولت حياة الأسر بالتفصيل والدقّة والتوثيق الرائع؛ ومشيراً إلى سياسات (عزل الأسرى) والتي تؤدّي تدريجاً إلى موتهم النفسي البطيء وقدّم أسماء مهمة لأسرى ماتوا بالفعل وهم في أقبية التعذيب والعزل، ولقد عرَّف أحمد سعدات سياسة العزل بنص غاية في الدلالة والخطورة تقول سطوره: “إن حالة العزل هي (وضع الأسير في حيّز مكاني يتميّز بالضيق الفيزيائي، خالٍ من أي مظهر من مظاهر الحياة المختلفة وجعلها في حدودها الدونية أو دون ذلك. وعلى الأخص منها مظاهر الحياة الاجتماعية والإنسانية، لإبقاء الأسير في حالة حصار وانحباس دائمين بتضييق المساحات الفيزيائية والإنسانية إلى أدنى درجاتها كي يصبح هذا الحصار والعزل عن المجموع نمط حياة قسرياً مفروضاً على الجسد والحواس للوصول إلى حصار القدرات الذهنية).
وبعد التفصيل المعلوماتي الدقيق لأحوال الأسرى ومكتوباً بلغة أدبية صافية وصادقة، يختم أحمد سعدات كتابه بأهم الدروس المستخلصة في (قيد الأسر)، محدّداً إياها في سبعة دروس يبدأ بـ(بالأولوية المتمثلة بإعادة الاعتبار لتماسك الحركة الأسيرة ووحدتها ودورها الكفاحي وصلابة منظماتها، وضرورة إخراج قضية الأسرى من دائرة المناكفات السياسية وإبعادها عن أمراض الانقسام الفلسطيني المعروف وتداعياته، مروراً بأهمية تصليب انتماء الأسير إلى قضيته وتعزيز ارتباطه والتصاقه بالجماعة وقيمتها وأهميتها، باعتبار أن ذلك يشكّل المناعة الضرورية لحماية تماسك الأسير ومواجهته للسجّان وظروف السجن والعزل الانفرادي، مؤكّداً أن الأسير لا يمثّل نفسه أمام السجّان الذي يسعى إلى تحويله إلى كتل فاقدة للحياة، بل إنه يمثّل كل شعبه وأهله وأفراد أسرته وعموم أصدقائه وجيرانه. وليس انتهاء بمطالبة الكاتب للأسرى المعزولين بنزع الغطاء القانوني عن إجراءات العزل ومقاطعة المحاكم الصوَرية التي يعقدها الاحتلال، ودعا إلى التحرّك خارج السجون وتوحيد الجهود لفضح جرائم التعذيب والعزل وحشد أحرار العالم والرأي العام الدولي لوقف تلك الجرائم ومحاسبة مُقترفيها).
بعد هذه الدروس المهمة نجد أحمد سعدات في كتابه (صدى القيد)، يدعو إلى ضرورة التحرّك الفعّال من قِبَل الفلسطينيين أولاً، والمهتمين بقضية الأسرى، عربياً ودولياً ثانياً، ولقد طالب (سعدات) بالتحرّك الجاد، وبشكل فعّال، وليس بطريقة (إبراء الذمّة)، فأسرانا في سجون العدو في خطر عظيم..
ترى .. هل يسمع حكّام الخليج، وأولئك الذين وقّعوا اتفاقات (سلام !!) مع الكيان الصهيوني، ونخبتهم الإعلامية، والسياسية التائهة، وأولئك الذين تخلّوا عن انتفاضة القدس، وساندوا بالصمت والنفط واتفاقات السلاح وقواعده، قرار ترامب تجاه القدس وقرارات إسرائيل تجاه الأسرى .. هل يسمعون جميعاً تلك الصرخة ؟ وهل إذا سمعوها .. سيستجيبون لها !! أشك !!