مقالات

أريد بيت جدي وأرض أبي في القبيبة/ بقلم: جهاد المنسي

في مثل هذا اليوم، الثامن والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) 1948، أي قبل 24470 يوما، وبعد ما يقرب من 5 أشهر على النكبة الفلسطينية، وفي زمن الهدنة الوهمي، قامت كتيبة قتل صهيونية، تدعى “يوعاف” باجتياح بلدي وبلد أبي وجدي وأمي “القبيبة”، التابعة لمحافظة الخليل في فلسطين.

نشأت القبيبة على رقعة من التلال، كانت تمثل الجبال الغربية للخليل، وبنيت بيوتها من الحجر والطين، وتشتمل على دكاكين وجامع ومدرسة ابتدائية، ويشرب سكانها من مياه بئرين، وتحتوي على آثار لمعاصر منحوتة في الصخر.

في مثل هذا اليوم، وقت القتل، لم يكن يوجد مع أهل البلدة، وعددهم حينها نحو 1300 نسمة، يقطنون في 217 بيتا، سوى أدوات الزراعة، من معاول و”كريكات” ومقالع وفؤوس، للدفاع عن أرضهم وعرضهم، من قوة النيران الصهيونية، التي باغتت أهل البلدة برشقات مدفعية متواصلة، وتقدم لسلاح المشاة، والضربات الصاروخية.

استشهد من استشهد جراء العدوان، فلم يستطع الكف الوقوف امام المخرز طويلا، ولم يستطع أهل البلدة الصمود امام نيران المدافع والرشاشات بأيد خاوية، وعتاد لا يمكن أن يقاوم آلة قتل ضاربة، فخرجوا على أمل ان تستعيد قوات الردع العربية البلدة بعد أيام! فكانت النتيجة تطهير البلدة عرقيا بالكامل، مع الإشارة الى أن كل الوثائق الموجودة في اسطنبول، وسندات الاراضي ببريطانيا أيام انتدابها، كانت تشير إلى أن ملكية الأراضي في القبيبة تتوزع على 11081 دونما، ملكية فلسطينية خالصة، و111 دونما مشاعا، ولا دونم واحد تسرب للصهاينة.

هدم الصهاينة البيوت المبنية على مساحة 35 دونما من أرض البلدة، فيما كانت المساحة الباقية (8160 دونما) مزروعة بالزيتون والحبوب والتين والعنب، ونحو 3750 دونما كانت عبارة عن أرض “بور” غير مستغلة زراعيا.

اليوم تصادف الذكرى الـ67 لاحتلال القبيبة من قبل الصهاينة الفاشيين، تلك البلدة التي تبعد عن قلب الخليل غربا 24 كيلو مترا، وترتفع عن سطح البحر نحو 250 مترا. نتج عن احتلالها تشريد أهلها، وهدم بيوتها، وتسويتها بالأرض.

الحقيقة الواضحة، التي لا يريد كيان الاحتلال معرفتها، أن أبي، أطال الله بعمره، روى لي عن كل شبر في القبيبة، فبتّ اعرف مكان بيت جدي، رغم انه مهدم، من دون أن أراه، وأعرف مناطق الدوير، وخربة أم طلعة، والقيفة، وبيرم، وقرقرة، والرومية، والغبية، والشقاق، وفارة، والجيو والخروع. عرفت أيضا سكن جدي وأبي وأعمامي، وقصص بئر البلد، وخلافه من قصص، يطرب أبي  كثيرا وهو يرويها لي. وانا بدوري، رويت كل تلك القصص لأبنائي مؤيد ويارا ومراد، فحملوا مشعل معرفة المكان والحق الموجود لهم هناك.

اما والدتي، أطال الله في عمرها، فهي لا تعرف إلا أن القبيبة كانت مسقط رأسها، وانها غادرتها وهي في عمر السبعة أشهر أو يزيد قليلا، بيد أنها تعرف الكثير عن البلدة، مما سمعته من جدي لامي، الذي كان يعرف الكثير الكثير عن حال البلد، فباتت أمي الطفلة، تعرف ما يوازي معرفة أبي أحيانا.

مؤيد ويارا ومراد، يعرفون ما أعرف، وما يعرفه أجدادهم عن القبيبة، وهم أيضا مثلي يعشقون الأردن، وعمان عشقا صوفيا جنونيا، فهي الحضن الدافئ، ومسقط الرأس، والبلد والمكان والزمان، ولكنهم لا ينسون أبدا، أن هناك، حيث الاحتلال، يربض حق لهم، يجب أن يبقى موجودا، وأنّ لهم هناك أرضا سيطالبون بها، وإن لم يفلحوا في مسعاهم، سينقلون مطلبهم لأولادهم من بعدهم.

ببساطة، وليسمع كل العالم المتحضر وغير المتحضر، النامي وغير النامي، وليسمع الكيان الصهيوني، والعرب أيضا، أريد، كما أبنائي يريدون، وأمي وأبي وإخوتي أيضا، إعادة بيت جدي، وزيتونة جدتي، وأرض أبي، ومسقط رأس أمي، في القبيبة، من عصابة فاشية نازية، سرقتها منا، في وضح النهار وأمام العالم. ولن يموت حق وراءه مطالب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى