اعتذار السياسيين بعد خراب مالطا! ماجد توبة
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي تبع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن كظله، في الحرب على العراق واحتلاله العام 2003، خرج علينا أمس، بتصريح “مهم”، يعتذر فيه عن “الأخطاء التي ارتكبت خلال حرب العراق وإسقاط نظام صدام حسين“!
ليس السؤال هنا، لماذا اعتذر بلير، في تصريحاته لشبكة “سي. إن. إن”؟ بل السؤال، هو، وما الذي يمكن لاعتذارك أن يقدم للشعب العراقي، ولهذه المنطقة المنكوبة من العالم؟! مئات الألوف من العراقيين قتلوا منذ احتلال العراق، وملايين هجروا، ودمار شبه كامل طال البنى التحتية لهذا البلد، واقتصاده.
يعتذر بلير “عن الأخطاء، وعن حقيقة أن المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها كانت خاطئة، لأنه، وحتى مع استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين، إلا أن ما ظننا أنه يمتلكه (الاسلحة النووية والعلاقة مع “القاعدة”) لم يكن موجوداً بالصورة التي توقعناها”. هكذا ببساطة، يلخص قائد سابق لإمبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس ذات يوم، اتخاذه، ومعلمه في واشنطن تلك الفترة، لقرار الحرب والتدمير للعراق، وإطلاق ديناميكية خطيرة، أوصلت المنطقة كلها اليوم، إلى أعقد الأزمات المركبة، وخلفت وماتزال، نهرا من الضحايا والدماء والتفتيت والأحقاد.
هو يعتذر أيضا “عن أخطاء أخرى متعلقة بالتخطيط، وبالتأكيد عن الأخطاء التي ارتكبناها، حول الطريقة، التي فهمنا بها ما يمكن أن يحدث بعد إزالة النظام” في العراق. كان يمكن لبلير وبوش الابن، أن ينجوا من حكم التاريخ، لأنهما حاولا كتابته باعتبارهما المنتصرين في حرب تدمير العراق، لكن نشوة الانتصار الزائف، في نيسان (ابريل) 2003، يوم أسقط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد بعرض سينمائي هوليوودي، كانت تخفي خلفها تأسيسا خطيرا لفوضى وعنف وأحقاد ستطال كل المنطقة، قبل أن ترتد وبالا وأضرارا استراتيجية على الولايات المتحدة ذاتها.
ما يسميها بلير أخطاء، يعتذر عنها اليوم، لم تكن إلا جرائم وأطماعا ومخططات خرقاء، أعمته وسيده بوش الابن ومحافظيه، عن رؤية الحقائق كما هي. هم لم يكترثوا لمئات آلاف العراقيين الذين سيدفعون حيواتهم ثمنا لمقامراتهم وجرائمهم، ولا لبلد عريق ستتم إعادته إلى ما قبل التاريخ.
له أن يأسف، ربما، على تخطيطه الأخرق، هو وبوش الابن، لتسليم العراق لقمة سائغة لإيران، وقلب المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، قبل أن يصرا لاحقا على حل الجيش العراقي، ونبش أحقاد تاريخية تعود لقرون طويلة، وتفتيت الشعب العراقي، وفتح الباب واسعا لقدوم “القاعدة”، ولاحقا “داعش“.
ربما الأهم اليوم، وما هو أبعد من قصة اعتذار سياسي بريطاني متقاعد، لا يقدم اعتذاره ولا يؤخر، هو السؤال إن كانت السياسة البريطانية، ومعها الأميركية والغربية، قد تعلمت حقا من دروس احتلال العراق وتدميره؟!
قد يكون الجواب على هذا السؤال ماثلا اليوم في ليبيا وسورية، ففي الأولى اندفع الغرب لإسقاط النظام الليبي، مستندا إلى تمويل ودعم مليشيات مسلحة، حققت هدف إسقاط النظام، لكنها لم تحقق هدف العودة إلى إطار الدولة والنظام السياسي البديل. ويبدو أن ليبيا ستبقى بعيدة لسنوات طويلة عن الاستقرار، وانتهاء مرحلة المليشيات المسلحة، والتي ترتبط كل منها بحبل سري مع دولة أو مجموعة في الخارج!
أما في سورية، فالجواب أيضا ماثل بما هو أبشع منه في النموذج الليبي. فالغرب، وتحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وحلفاء له في الإقليم، وعلى رأسهم تركيا، لم يترددوا في امتطاء ثورة الشعب السوري قبل نحو خمس سنوات على الدكتاتورية وغياب العدالة، ليحرفوها سريعا إلى ثورة مليشيات مسلحة، تأتمر كل منها بأجندة ممولها ومسلحها وداعمها. بل ولم يمانع هذا الغرب وحلفاؤه بالاستعانة بجهود عدو الأمس، تنظيم “القاعدة”، وما فرخه لاحقا من عناوين، كجبهة النصرة و”داعش” وغيرها، لـ”إنقاذ” الشعب السوري من نظامه! حتى لو دمرت سورية وشرد شعبها.
هل سننتظر اعتذارا من سياسيين متقاعدين، بعد انتهاء غبار المعارك في سورية؟ وهل سينفع الاعتذار بعد خراب مالطا؟!