الأردن 2018: أزمة اقتصادية قد تنعكس حراكاً في الشارع والمزيد من تضييق الحريات وتقارب “مؤقت” مع محور المقاومة وتركيا
عام جديد يستقبله الأردنيون بخوف وريبة، بعد أن “أهداهم” مجلس النواب في بدايته قانون الموازنة العامة الذي يعطي الضوء الأخضر للحكومة برفع أسعار الخبز والسلع الأساسية. فيما كان ترمب قد ودع عام الـ2017 بالمصادقة على قانون القدس الذي تقر بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لتندلع شرارة الاحتجاجات في كافة أنحاء الأردن رفضاً للقرار ودفاعاً عن عروبة القدس، إضافة إلى قناعة المواطن الأردني بأن الأردن سيكون له النصيب الأكبر من تحمل التبعات الكارثية لهذا القرار.
نداء الوطن استمزجت آراء مجموعة من الخبراء والمحللين والمختصين، في ما ينتظر الأردن والمنطقة والوطن العربي في عام 2018، ومدى إمكانية أن نتفاءل بهذا العام أم أنه سيكون استكمالاً لمسلسل النكسات التي استقبلنا بها الأعوام السابقة الأخيرة؟!
كيف يمكن مواجهة الأزمة الاقتصادية وهل الشعب قادر على تحمل هذا العبء الكبير، فيما تغيب ملاحقة الفاسدين عن أجندة الحكومة؟
يواجه الأردن هذا العام تحديات اقتصادية كبيرة متمثلة بازدياد المديونية العامة وعجز الحكومة عن إيجاد حلول منطقية دون ان تثقل كاهل المواطن. في هذا السياق وضح الدكتور منير حمارنة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الأردني لـ نداء الوطن أن الأزمة الاقتصادية هي أزمة عميقة وتاريخية وبدلاً من أن تتتراجع، هي تزيد عاما بعد عام، ولقد شهدنا وضعاً شديد الخطورة العام الماضي وسنشهد وضعا أخطر هذه السنة لأن معدل النمو المتوقع لن يتحقق والايرادات المتوقعة لن تتحقق.
وبين الحمارنة انه لا يمكن مواجهة الأزمة الاقتصادية الا بتبديل النهج الاقتصادي السائد خاصة أن البطالة منتشرة وهناك نسبة تضخم مرتفعة ونسبة الفقر أكثر من 25% تقريبا.
وأضاف انه بالنسبة لاعتمادنا على المانحين فلا يمكننا البقاء معتمدين عليهم خاصة ان المانحين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة بدأوا الان يعانون من أزمات. حيث بدأت الولايات المتحدة تشعر بأن موقعها في قيادة العالم أصبح في موقع خطر فأصبحت تلجأ الى وسائل دموية بأمل أن تستعيد مكانتها فهذه المعطيات تتطلب خطوات كبيرة وجبهة وطنية عميقة من كل القوى التي تطالب بالتغيير.
الدكتور سعيد ذياب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية أكد في حديثه لـ نداء الوطن بأن السياسة التي اتبعتها الحكومة منذ بداية العام المنصرم برفع الدعم عن العديد من السلع وفرض ضرائب جديدة عليها , هذا الوضع خلق حالة اقتصادية صعبة لدى المواطنين سواء بسبب ارتفاع الأسعار أو ازدياد حالات الفقر والبطالة. ومع إقرار الموازنة الجديدة بصيغتها الحالية نكون قد دخلنا بإجراءات اقتصادية جديدة من شأنها تعميق الأزمة الحياتية للناس.
وبين الذياب بأنه من الصعوبة الكبرى أن يتحمل المواطنون هذا الواقع، وهنالك سلسلة من السياسات لو اتبعتها الحكومة لما كان عليها أن تصل الى هذه المرحلة من الانسحاب من دورها في عملية التنمية.
ويضيف ذياب كان بإمكان الحكومة بدلا من اتباع سياسات صندوق النقد أن تضع تصورات من شأنها التصدي للثقافة الاستهلاكية وتعزيز الثقافة الإنتاجية لدى المواطن الأردني. وكان بإمكانها أن تعيد النظر بسياسة الانفاق الحكومي وتحديدا ما يسمى بالمؤسسات المستقلة ثم إعادة النظر بمجمل الانفاق المتسم بالترف والهدر الكبير , بمقدور الحكومة أن تحل جزءً من أزمتها بالنظر الى مشكلة التهرب الضريبي الذي يقدر بحوالي 2 مليار دينار أردني.
فيما يلفت المحلل السياسي الدكتور موفق محادين في حديثه لنداء الوطن إلى أن مواجهة الأزمة الاقتصادية يحتاج لمستويين المستوى الأول مستوى راهن يمكن إحداث مراجعات شامله فيه بملفات الفساد ومراجعات شاملة لقانون الضرائب بحيث تقل الضرائب غير المباشرة على المواطنين وزيادة الضرائب على أصحاب الدخول العالية التي تتحملها الشركات والمؤسسات ذات الأرباح الكبيرة وينبغي توسيع مظلة الدعم الاجتماعي للسلع والخدمات الأساسية.
وبين المحادين أن المستوى الثاني هو مستوى استراتيجي “لا تحل الأزمات في البلدان التابعة إلا في إحداث مراجعة كبرى لفك التبعية وإقامة استقلال اقتصادي وطني يهتم بالصناعات الوطنية مع الرقابة عليها وتحسين وتطويرها وربط مسألة التنمية الاقتصادية بمشروع التحرر الوطني وهذه المسألة تحتاج الى الكفاح والنضال من القوى التقدمية في مواجهة خيارات “البرجوازية الحاكمة”.
هل يستعيد الشارع الأردني حراك “هبة تشرين”؟!
في ظل الظروف السائدة وازدياد نسبة الفقر والبطالة أصبح المواطن الأردني يشعر بحالة من عدم الاستقرار والخوف من المستقبل، ومع نهج الحكومة بمحاولات التضييق على المواطنين وتحميلهم فاتورة تقصيرها بإيجاد حلول منطقية للأزمة الاقتصادية، ومع المزيد والمزيد من استنزاف جيبه، بدأ المواطن يشعر أنه بحاجة ليدافع عن قوته وقوت أبنائه. ولكن زخم تحرك الشارع ومكان تنفيس غضبه لا يزال مقتصراً على الفضاء الالكتروني، والذي سواء اتفقنا أو اختلفنا على أهميته، لن يشكل ذلك الضغط على الحكومة كما التحرك على الأرض.
ويلفت الدكتور موفق محادين إلى أن الحراك الشعبي حتى يترجم بالواقع ينبغي ان يكون مرتبطا بنشاط وطني وسياسي منظم لأن الحراك الشعبي وحده لا يؤدي الى شيء ولا يراكم. وحتى يتسع هذا الحراك ويؤدي الى نتيجة يجب أن يرتبط بأجندة سياسية تقودها أحزاب وقوى سياسية وطنية وديموقراطية حقيقية وللأسف دائما ما يسبق الشارع القوى السياسية.
فيما يرى الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية أن كل شيء متوقع بمعنى أن الشارع وصل الى مرحلة كبيرة من الاحتقان وهذا الامر يجعل من احتمالية التحرك الشعبي العفوي واردة جدا ومرجح بدرجة كبيرة لكن ما يعطل نسبيا التحرك الشعبي هو تداخل العوامل السياسية التي تعيشها المنطقة ككل وتحديدا قرار ترامب بالنسبة لموضوع القدس الذي أدى الى زيادة اهتمام الشارع بالقضايا السياسية أكثر من المواضيع الاقتصادية. لكن الحقيقة كل العوامل التي يعيشها المواطن الأردني سواءً كانت الاخفاق في الحصول على مستوى اجتماعي لائق أو ما تواجهه البلاد من استهداف لسيادتها الوطنية بدءً من ما حدث في سفارة الكيان وقتل مواطنين أردنيين الى الاتفاقات المبرومة المؤدية الى التطبيع، كل هذه العوامل من شأنها زيادة الاحتقان في الشارع الأردني ومن الممكن ان تؤدي الى تحرك شعبي وفق ما صرح به لنا الدكتور ذياب.
الأزمة الاقتصادية والمزيد من تضييق الحريات العامة
في ظل الوضع الإقليمي المأزوم، وفي ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، يبدو أننا مقبلون على مزيد من تقييد الحريات العامة. فشعار “لا لسياسة تكميم الأفواه” الذي رفعته القوى الوطنية يصطدم بقانون الجرائم الالكترونية الذي رفع من نسبة الاعتقالات بتهم ملفقة تحد من حريات التعبير.
ويبين الدكتور سعيد ذياب في حديثه لـ نداء الوطن أن الحكومة لجأت لتقييد الحريات العامة مبكراً ومنذ بداية تسلم الرئيس الحالي مهامه. بل إننا من الممكن أن نعتبر أن إحدى سمات هذه الحكومة هو التراجع بمستوى الحريات العامة.
ولا يستبعد ذياب أن تتفاقم مسألة تضييق الحريات، حتى يتسنى للحكومة أن توقف حركة الشارع الذي يتجه للتعبير عن ذاته بسبب العامل الاقتصادي أو الظرف السياسي الذي يواجهه الإقليم.
فيما يعتبر الدكتور منير حمارنة أن خطوة ترامب فتحت بابا من أبواب التعبير لكنه مطوق ولدى السلطات رغبة بقيادة هذه التحركات بينما أنه يفترض أن تطلق الحريات العامة وتقوية الوضع الداخلي لمواجهة كل المؤامرات والتهديدات. لافتاً إلى أنه بدون جبهة موحدة ومتراصة ستكون الأمور صعبة
الدكتور موفق محادين أكد أنه لا نريد لهذه الحكومة ولا لأي قوى سياسية أن تستثمر هذا الحراك الشعبي الذي تحرك رفضا للسياسات الصهيونية والأمريكية ونصرة للقدس، لتمرير سياسات تمس الامن الطبقي. لافتاً إلى أنه من الواضح أن هناك توجه حكومي لاستثمار هذا الوضع لتمرير سياسات وقوانين التي تتحملها الطبقات الشعبية.
الأردن وفتح الباب أمام محور المقاومة!!
مشهدان لم يكن من السهل أن يمرا مرور الكرام: حضور الملك عبدالله الثاني القمة الإسلامية في تركيا والتناغم الذي كان واضحاً في لقائه مع أردوغان. والمشهد الثاني تمثل بلقاءات رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بسفير إيران والقائم بأعمال السفارة السورية، والحديث عن زيارة مرتقبة إلى طهران، والتغني بـ”إنجازات الجيش العربي السوري”. مشهدان فتحا الباب واسعاً أمام تكهنات بإعادة تموضع أردني رسمي في لعبة المحاور.
الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية أشار في حديث لـ نداء الوطن أن الأردن بحكم طبيعة النشأة والارتباط التاريخي بالمركز الرأسمالي العالمي وحالة التبعية التي تكرست له منذ عقود كبيرة غير قادر على الفكاك من هذه الحالة، والاتجاه نحو محور المقاومة. لكن الأردن يعيش ما يمكن أن نسميه حالة مراوحة المكان وعدم القدرة على حسم خياراته رغم صعوبة ما يتعرض له من استهداف سياسي وتحديدا في ملف الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة.
وأضاف ذياب أنه يعتقد أن الأردن قد يتجه نحو الانفتاح على بعض دول إقليمية أخرى (مثل تركيا) لا تسبب استفزازا للولايات المتحدة ولا للكيان الصهيوني.
ويتفق المحلل السياسي الدكتور موفق محادين مع ما ذهب إليه الدكتور سعيد ذياب، مشيراً إلى أنه من المؤكد أن طبيعة علاقات وتحالفات الأردن لن تسمح له بتقارب من هذا النمط، ولكن مهما كانت أية خطوة ولو كانت صغيرة، من الممكن أن يراكم عليها وتوسيعها بالمستقبل، ولكن تحت ضغط شعبي لانه يمكن أن يواجه الضغط السياسي الخليجي على الأردن بالابتزاز بالعمالة الأردنية لدى الخليج بضغط شعبي والسماح بتوسع الحراك والأهم أن على القوى والأحزاب السياسية الوطنية والتقدمية أن تدخل على هذا الحراك وأن تترجمه وتحوله لقوة ضغط حقيقية .
ويرى الدكتور منير حمارنة أمين عام الحزب الشيوعي السابق أنه لم يعد بصالح الأردن أن يبقى بنفس حجم العلاقات السابقة ولذلك أصبح من المطلوب اجراء تغيرات واسعة وفي مقدمتها الغاء كافة القواعد العسكرية الأجنبية الموجودة في الأردن وعدم فتح المجال للقوات الأجنبية بالتمركز في الأردن لأن وجود هذه القوات سابقا كان أداة لدعم القوى الإرهابية في الدول المجاورة وخاصة في سوريا .
وبين الحمارنة أن الوضع الاقتصادي السيء الذي يمر به الأردن يتطلب علاقات عربية أمتن وأقوى وبالدرجة الأولى بالدول العربية المجاورة سوريا والعراق وبدونها سيكون الوضع صعبا .