مقالات

في نضال المرأة

في الثورات وهبات التحرر الشعبية في المجتمع يكمن فعل التغيير الحقيقي والتراكمي، فيكون تطبيق النظرية التي نحمل على محك صحتها أو إعلان فشلها. وفي عمق الحدث نجد تجليات القاعدة إذ قلنا يوما أن نضال المرأة وتحررها قضية غير منفصلة عن تكوين المجتمع وتحرره، ولايمكن لنا في مكان أن ننظر إلى مطالب المرأة على أنها مرتبطة بها خاصة، أو أن تحقيقها مرتبط بنضالها وحدها فقط.

مسألة تحرر المرأة، لا تنفصل عن مسألة تحرر المجتمع، و ارتباطها هذا لا يجعل من مسألة تحرر المرأة كنتيجة لتحرر المجتمع، بل على العكس تماماً، فتحرر المرأة هو شرط مسبق لتحرر المجتمع ككل.

ولا بد من الإشارة هنا الى أن دور المرأة المطلوب ليس بجديد على مجتمعاتنا العربية، بل هو فعلياً مغيّب عنّا، أو مخفي بقصد، نتيجة لثقافة مهيمنة ولنظام حكم طبقي يستمد قوته وسيطرته على المجتمعات بفعل فرض مفاهيمة وثقافتة، وعلاقات قوته، يوزع من خلالها الامتيازات على أعضاء المجتمع حسب مفاهيم دخيلة جندرية، وإثنية، وطائفية، وغيرها من معايير التفرقة والتمييز.

صورة المرأة لدى الحركات الجهادية المتطرفة لا تختلف عن صورتها لدى الأنظمة الرأسمالية المسيطرة طبقيا على العالم، فكلاهما يجد بالمرأة أداة تحقيق ربح مادي ومعنوي، وجزء مما يملك من المجتمع ليمارس عليه أبشع مايمكن ليحصل على أكثر ما يمكن.. يسخر لتحقيق سيطرته الأفكار والمفاهيم والفتاوى وكل الممكن.

الصورة الأخطر ربما من النظريات الباحثة في قضايا المرأة صنفت قضايا المرأة بكل مايتعلق بالخاص والشخصي، وتركزت على قضايا تفرغ نضالات المرأة من مضامينها مثل العلاقات الجنسية والشخصية، الأطفال والأسرى، أو العلاقات بين الجنسين، وفصلت قضايا المرأة في نظريتها عن مفهوم “المواطنة” في طرحه الليبرالي والاهتمام بالعام. فنجد المرأة في النظرية الليبرالية مواطنة من الدرجة الثانية تحول اضطهادها من الرجل الى الدولة، وتحولت الوصاية عليها من الأبوية الى العام.. وتغيير هذا غير ممكن إلا بتغيير المجتمع وتحقيق حريته ومفاهيم العدالة الاجتماعية الحقيقية فيه من خلال التخلص من سلطة الحكم الطبقي واستغلاله.

النظرية النسوية الماركسية التي ولدت من قراءة تاريخية جدلية عميقة للمجتمعات، أثبتت فعاليتها وصحتها ومقاربتها الحقيقية لـما تريده المرأة، ولما يحقق لها الضامن الحقيقي ضد الاضطهاد والتمييز والعنف. فتفكيك الرأسمالية أولا هو الطريق للوصول الى تحرر المرأة.

هذه الصورة الفطرية للمرأة والمرتبطة بقضايا مجتمعها تجلـّت فيما تقدمه المرأة الفلسطينية المناضلة، أنموذجاً صارخاً على أن صراعنا ضد التمييز، والاضطهاد، هو صراع في نفس الوقت ضد منطق العنف والاضطهاد المجتمعي، وضد منطق الفصل الجندري والجنسي، ومنطق التمييز السائد، الذي يحاول إلباس المرأة كما الرجل هويات تتناقض موضوعياً مع طبائعهما المختلفة والمتشعبة الفعلية.

النموذج الذي تقدمه المرأة الفلسطينية اليوم عكس جوهر قضايا المرأة والتصاقها في المجتمع، وعدم جمود دورها، بل على العكس نجد أنها شريكة الرجل في ساحات الاشتباك، والمبادرة في الفعل المقاوم وعمليات الطعن ضد المحتل، عدا عن دورها الرئيس في إعداد شباب قادر على حمل الراية واستدارك دوره الطليعي في المجتمع.

هذه الصورة حملت وجهات نظر انقسمت بين رفض المجتمع هنا، أو مباركته هناك.. وخلاف الطروحات مردّه الوعي النظري الذي يحمله الشخص ويعكس طريقة تفكيره. لذا نجد من يدفع باتجاه اضطهاد جديد ضد المرأة، ومن يدعمها ويدفع بها كشريك لا ينفصل لبناء مجتمع سوي.

بداخل كل منا إنسانية حقيقية ترفض الاضطهاد والظلم وتعلي العدالة الاجتماعية والحرية فليكن صوتنا صدى للحرية الحقة الشاملة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى