مقالات

اليمن والمواجهة المؤجلة

من الواضح أن اليمن أصبح مكانا لتفريغ التعارضات الخليجية. ففي جنوبه يستعر الصراع بين أطرافه المتوزعين على ثلاث قوى متصارعة قوة إماراتية وقوة سعودية وقوة الإخوان المسلمين وتفريخاتها. أما في الشمال هنالك تحالف الحوثيين والمؤتمر الشعبي والقوى القومية اليمنية من ناصريين وبعثيين وشخصيات وطنية مستقلة.

والقوة المؤثرة في هذا التحالف هم الحوثيون لكونهم القوة الاكثر تنظيما وتماسكاً. وقد حرص أنصار الله أن يصيغوا علاقة تحالفية قائمة على تشكيل لجان شعبية تمثل كافة القوى المكونة للتحالف واستطاعت ان تصيغ علاقة متينة مع المؤسسة العسكرية اليمنية وإعطائها الدور الرئيسي في المواجهة الوطنية لعدوان التحالف على اليمن. وحرصت أن تتعامل مع المؤتمر الشعبي كقوة سياسية بعيداً عن علي عبدالله صالح الذي لم يهضم هذه العلاقة ولكنه دائما كان محاصرا حتى جاءه اتصالا من الإمارات عبر ابنه أحمد علي عبدالله صالح الذي كان يشغل منصب سفير اليمن في الامارات حتى (2015 ) بداية العدوان وبقي في الامارات كقناة اتصال دائمة مع والده.

وبعد ان اشتد الصراع السعودي الإماراتي في اليمن ودعوة وفد حزب الاصلاح (الاخوان المسلمين ) اليمني للقاء مع ولي العهد السعودي في الرياض هذا اللقاء الذي وجدت فيه دولة الامارات عملا موجها ضدها على الأرض اليمنية. سارعت الإمارات بتفعيل قناتها مع علي عبدالله صالح لحضه على اعادة تموضعه والتحضير للانقضاض على العاصمة اليمنية في خطوة علها تنجح في تفكيك التحالف بين القوى اليمنية وتشكل مدخلا لإخراج قوى التحالف السعودي من مأزقها خاصة بعد تحول العدوان لعبء على دوله وداعميهم حيث ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف العدوان على الشعب اليمني.

إن المجابهة بين القوى الوطنية اليمنية مع علي عبدالله صالح كان لا بد منها عاجلا أم آجلا، حيث كان صالح وأعوانه هم الخاصرة الرخوة للتحالف الوطني الذي شكل لقيادة اليمن وجيشه ولجانه الشعبية في مواجهة العدوان والمغامرة التي اقدم عليها صالح هي مكتوب عليها بالفشل . هذه المغامرة التي كشفت أن علي عبدالله صالح هو الورقة الاخيرة لقوى التحالف وفشلها سيفجر الخلاف بين التحالف السعودي وخاصة بين طرفيه الرئيسين السعودية والإمارات. وسيعيد تموضع التحالفات الخليجية في اطار مجلس التعاون هذا التعارض الذي سيفتح الباب لعودة العلاقة السعودية القطرية من البوابة اليمنية وسيتحول حزب الإصلاح إلى ورقة سعودية في مواجهة التمدد الإماراتي .

فشل المغامرة التي أطلقتها الإمارات سيعزز الجبهة الداخلية اليمنية ويعطيها قوة دفع للتقدم والتمدد في ظل جبهة داخلية متماسكة, وفي ظل تغيير في الرأي العام لمصلحة وقف العدوان وفك الحصار عن الشعب اليمني. وستفتح بابا للعودة إلى طاولة الحل السياسي وسيكون صوت القوى الوطنية هو المسموع وستحاول قوى التحالف أن تجد لها مخرجا مشرفا عبر الطرق على أبواب موسكو للتدخل وإنزالهم عن الشجرة اليمنية.

الصاروخ اليمني الذي وصل إلى أبو ظبي هو رسالة مسجلة لاستلامها يلزمها التوقيع لتأكيد استلامها وقراءة مضمونها أن دولة الإمارات لن تتحمل الصواريخ على مدنها وأن لغة الحوار والتعقل والحل السياسي هي الحل. إن سقوط أول صاروخ على دبي سيغلقها وسيشهد مطارها ازدحام الهاربين وخلال 24 ساعة ستتهاوى أسواقها فالمصلحة الإماراتية هي في إيقاف الحرب والمباشرة في الحل السياسي.

فشل المغامرة “الصالحية-الإماراتية” وضعت التحالف في مأزق سياسي وعسكري وأخلاقي وقانوني. ومن الواضح أن دول التحالف لن تستطيع أن تتحمل الكلفة الأخلاقية لاستمرار الزج باسمها في الحرب التي يدفع ثمنها أطفال اليمن.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى