مجدلاوي لنداء الوطن: السلطة تتعامل مع الانتفاضة في إطار الاستعمال والتوظيف التكتيكي المبتذل الذي لا يوصل إلى نتائج ذات قيمة
في خضم هبة الشعب العربي في فلسطين والتي تجاوزت كل التوقعات من حيث توقيتها وحجمها ونوعيتها، كان لا بد من الاستماع إلى رؤية من داخل الحدث.
أجرينا هذه المقابلة مع الرفيق جميل مجدلاوي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضو المكتب السياسي السابق للجبهة وأحد أهم قيادات العمل الوطني في غزة.
نداء الوطن: لماذا القدس؟ وهل ستكون شرارة الانتفاضة الثالثة كما كانت الانتفاضة الثانية؟!
جميل مجدلاوي: أي متابع لمجريات الصراع مع الغزوة والاحتلال الصهيوني لبلادنا يرى بسهولة ووضوح أن جذوة النضال الوطني لم تنطفئ على امتداد سنوات الصراع، وأن جمرات الاشتعال دائمة الاحمرار والتهيؤ لأن تهب عندما تصلها شرارة الاشتعال في الوقت المناسب.
الشرارة جاءت هذه المرة من القدس لتشكل العتبة التي اجتازتها جمرات الشعب من الاتقاد إلى الاشتعال.
القدس العاصمة …
القدس التاريخ وأحد المواقع التي يتكثف فيها وحولها الصراع مع الغزاة، اليوم غزاتنا وغزاة القدس هم الصهاينة، وقبلها كان الفرنجة وهكذا على امتداد قرون سبقت من التاريخ ..
القدس هوية ومقدسات …
القدس تأكيد للعروبة بمكونها التاريخي والثقافي والحضاري والديني … القدس هي المكان الذي سيقبر فيه شعبنا “الأسطورة التوراتية” الزائفة عن هيكل الصهاينة المزعوم وتاريخهم المدّعي والملفق حول الشعب اليهودي وارتباطه بفلسطين.
لكل هذه المعاني وغيرها جاءت الشرارة هذه المرة من القدس.
نداء الوطن: هل ما نشهده حالياً هو انتفاضة ثالثة؟!
جميل مجدلاوي: أعتقد أن جماهير شعبنا وفي طليعتها هؤلاء الشباب والشابات الذين حوّلوا سكاكينهم وخناجرهم ومن ثم أرواحهم إلى شعلات لهذه الانتفاضة، لم يتوقفوا أمام توصيفها.
بيد أنني أراها انتفاضة بحق تشارك فيها كل الجماهير الشعبية داخل فلسطين من أقصاها إلى أقصاها متجاوزين فيها حدود ما يسمى بالخط الأخضر، وخطوط الفصل مع قطاع غزة، وموانع الانقسام الكريه وما جلبه على الشعب والقضية من كوارث.
ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كنا أمام انتفاضة، أو هبّة، أو غضبة جماهيرية، هو المقاربة بين ما يجري الآن، والانتفاضتين الأولى والثانية بعمرهما المديد الذي امتد على مساحة سنوات بكاملها، فرضت الانتفاضة كمفهوم له طابع الاستدامة في العديد من لغات العالم.
لكنني أعتقد أن شمولية الانتفاضة لكل فلسطين، ومشاركة كل فئات الشعب فيها، وتنوّع أشكالها ووسائل الفعل فيها تجعلها انتفاضة بامتياز، وأدعو إلى البحث عن سبل استمرارها وتطوير فعالياتها وشعاراتها لتكون أحد الروافد والروافع القوية في معركة الاستقلال والعودة.
نداء الوطن: ما هي المعيقات التي تواجهها لفرض ديمومتها واستمراريتها؟!
جميل مجدلاوي: أبرز وأقسى وأخطر المعيقات التي تواجه الانتفاضة هو الانقسام، إذ على الرغم من تراجع اتضاح مخاطره مؤقتاً أمام هذا السيل الجارف لحركة الجماهير، إلا أن هذا الخطر سيظل ماثلاً، وإذا لم يتم تداركه، فإنه سيطل بحضوره الكريه بعد فترة ليدخل انتفاضة الشعب في دائرة التجاذب السلبي بين الحركتين – فتح وحماس – وبين السلطتين والسياستين في كل من الضفة والقطاع.
المعيق الثاني هو التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والعدو الإسرائيلي، ومعه باقي التزامات السلطة التي تفرضها اتفاقيات أوسلو، وكان الالتزام بها طيلة السنوات الماضية من الطرف الفلسطيني، في إطار سياسة خاطئة ابتدعها أصحاب الاتفاق أو المظهر المقرر فيهم، وملخصها أن نفي نحن الفلسطينيون بالتزاماتنا لنحرج إسرائيل وندفع العالم للضغط عليها، والمشكلة الجدّية مع هؤلاء هي إصرارهم على التمسك بسياساتهم طيلة الفترة الماضية رغم اتضاح بؤس وعجز هذه السياسة.
وفي إطار فتح بوابات المراجعة لهذه السياسة ومغادرتها فإن الوجهة التي لوّح بها الرئيس أبو مازن في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، والتي تشكّل “مشروع” استجابة لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الأخيرة، ينبغي العمل على أن تصبح سياسة فعلية للمنظمة والسلطة على طريق الفكاك من التزامات أوسلو بما فيها وربما أولها التنسيق الأمني ثم اتفاق باريس الاقتصادي، فهذه كلها عقبات في طريق ديمومة الانتفاضة واتساعها.
المعيق الثالث، هو غياب القيادة الموحدة للانتفاضة التي تشكل هيئة أركان الشعب ومناشطاته المختلفة، لتتولى هذه القيادة إدارة وتنسيق فعاليات الانتفاضة في المواقع والأشكال والأساليب المختلفة بما يستجيب ومتطلبات النضال في الميدان، وبما يحافظ على بوصلتها السياسية والوطنية ويحميها من أشكال الاستغلال والتوظيف السلبي أو الذي يحرفها عن أهدافها إلى متاهات من التجاذب السياسي والتنظيمي الضار.
المعيق الرابع يتمثل في الارتباك الراهن للوضع العربي الذي أثرّ بشكل سلبي على تفاعل الجماهير العربية مع انتفاضة الشعب الفلسطيني، وعدم استجابة النظام العربي الرسمي للحد الأدنى من موجبات الدعم المطلوبة سواء للقدس أو لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يسوّغ لأصحاب السياسات الهابطة في الساحة الفلسطينية الترويج لسياساتهم بذريعة تخلّي الآخرين عنهم، وترويج مقولتهم اليائسة يا وحدنا.
ومنبركم العزيز هذا يتيح لي الفرصة لدعوة الجماهير وكل الأهل في الأردن ليكونوا طليعة المبادرين في إظهار الدعم والتضامن مع الانتفاضة.
نداء الوطن: ما هو دور السلطة الفلسطينية في هذه الانتفاضة؟ هل ستعمل على كبح جماحها أم سيتم دعمها من تحت الطاولة أو سيتم اتخاذ قرار بحل السلطة؟!
جميل مجدلاوي: لا أعتقد أن حلّ السلطة مطروح على جدول أعمال القيادة المتنفذة في قرار المنظمة والسلطة، وإذا استمرت هذه القيادة في سياساتها التي تعطي الأولوية للمفاوضات كطريق للحل السياسي، وللولايات المتحدة الأمريكية كراعٍ ومرجعية لهذه السياسة فسيكون تعاملها مع الانتفاضة في إطار الاستعمال والتوظيف التكتيكي المبتذل الذي لا يوصل إلى نتائج ذات قيمة، والأرجح أن تأتي اللحظة التي تعمل فيها السلطة على كبح جماح الانتفاضة بما يبقيها تحت السيطرة، لأن الممسكين بقرار السلطة والمنظمة يدركون جيداً أن لاستمرار الانتفاضة وتطويرها تداعيات ونتائج تتناقض مع سياساتهم ومنهجهم التفاوضي الراهن، لهذا فالموقف الذي أدعو إليه قيادات الانتفاضة على اختلاف مستوياتها هو التنبّه الشديد والحرص على أن يكونوا خارج صندوق ومحددات القرار الرسمي للسلطة، مع تجنب السعي أو المبادرة للاختلاف أو الصراع معها، ففي ظل المواجهة مع العدو من مصلحة الانتفاضة وحركة الجماهير عموماً أن تُدفع التناقضات مع السلطة والتناقضات الفلسطينية – الفلسطينية عموماً إلى مواقع التناقض الثانوي المؤجل.
نداء الوطن: هل سنشهد توسعاً أفقياً في مشهد التحرك الشعبي الفلسطيني ليشمل غزة أيضاً؟ وهل غزة مستعدة للدخول في حرب أخرى مع الكيان الصهيوني؟
جميل مجدلاوي: لقد أجابت حركة الجماهير في قطاع غزة على استحقاق التوسيع الأفقي للانتفاضة، وقد عمّدت غزة مشاركتها بأرواح شهدائها أمس وأول أمس وصبيحة هذا اليوم، وبعشرات الجرحى الذين أكدوا وحدة هذا الشعب، وحدة الانتفاضة والدم والمصير، مع وعي جماهيرنا في القطاع لأهمية أن تبقى القدس والضفة الفلسطينية عموماً، العنوان الأول للانتفاضة الراهنة، فهي مواقع المواجهة الميدانية الأوضح والأكثر تجسيداً للاشتباك مع العدو ومستوطناته ومستوطنيه، وكذلك وعي قوى المقاومة في القطاع إلى أهمية أن يبقى طابع الاشتباك الجماهيري الواسع بكل الفعاليات الكفاحية التي واكبته هو المظهر الرئيس الذي تستمر فيه وعليه الانتفاضة، ولن يسعى أحد من القوى الفاعلة والرئيسية لاستدراج العدو لحرب جديدة على غزة تحرف الأنظار عن القدس والضفة وجرائم العدو فيها، أما إذا بادر العدو بالعدوان على غزة فلكل حادث حديث، لكنني أعتقد جازماً أن عدوانه لن يكون نزهة أو تنفيسة تكتيكية يغطي بها على ساحة المواجهة في الضفة والقدس.
وأخيراً، فإن ما ذكرته في المعيقات التي تواجهها الانتفاضة يحمل أسس ومضامين برنامج النهوض المطلوب لضمان ديمومة الانتفاضة واستمرارها وتجددها بموجات متقاربة ومتواصلة تُنهي الوضع المريح الراهن للاحتلال ومستوطنيه على طريق طردهم وتعزل دعاة التنسيق والتفاوض المبتذل مع العدو، وفي هذا الإطار، فإن الحلقة المركزية في النهوض، هي إنهاء الانقسام الكارثي واستعادة الوحدة، بما يعزز ويرسّخ من دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، ثم تجسيد الاعتراف بدولة فلسطين بإعلانها على أرض فلسطين باعتبارها دولة محتلة تنهي طابع وطبيعة سلطة أوسلو، ومتحررة من التزاماتها، وبناء كل مؤسساتنا في فلسطين، باعتبارها مؤسسات للدولة، برلماناً وحكومة وأجهزة على اختلاف مسمياتها.
الوحدة، والمنظمة والدولة هي الأساس الذي نبني عليه، في باقي عناوين برنامج النهوض، القيادة الموحدة، وقف التنسيق الأمني، كل أشكال المقاطعة للعدو، ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، البعد العربي الرسمي والشعبي للانتفاضة، الحاضنة الدولية، كلها عناوين تتطلب إنهاء هذا الانقسام واستعادة الوحدة وترسيخها على أسس وطنية وديمقراطية تتسع لكل قوى الشعب في الوطن والشتات.
جميل المجدلاوي
11/10/2015