هل تعلمون نتائج ما تفعلون؟!/ جمانة غنيمات
لا أستطيع أن أتخيل ملامح وجه كل مسؤول ارتبط اسمه بأي موقع رسمي ذي علاقة بالاستثمار على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهو يقرأ خبر رحيل 70 مصنعا للألبسة من الأردن إلى مصر.
القصة صراحة ترتبط بأداء كل المعنيين في هذا القطاع، بدءا ممن تولوا حقيبة الصناعة والتجارة، مؤسسة الاستثمار حتى قبل أن يعدّل اسمها، فالمعلومات السابقة تحكي لنا قصة فشلهم في إدارة ملف الاستثمار.
كما يتحمل المسؤولية كامل أعضاء الفريق الاقتصادي على مدى هذه السنوات، فالغاية من مفهوم الفريق أن يكون له هدف عام يسعى لتحقيقه، ولا أظن أن ثمة هدفا أهم من تشجيع وتوطين الاستثمار في بلد مثل الأردن يعاني من مشكلات اقتصادية عميقة حلّها في الاستثمار.
سبعون مصنعا قررت الرحيل في سنوات كنا نتغنى خلالها بأننا بلد الاستقرار الجاذب للاستثمار، وفخورون بتجاوز سنوات الربيع العربي بسلام، لتكون مكافأة هؤلاء للأردن الإهمال والإخفاق في إدارة ملف الاستثمار، ولنكتشف في غفلة منا أن المستثمرين يهربون من نار السياسات، والبيروقراطية، وتقلب التشريعات.
يحدث هذا، ونحن نحتفل بقدرة الأردن على تجاوز الصعاب. لكن، وكأن الحكومات لا تعلم أن الاقتصاد وحلول مشاكله هو أساس الاستقرار والأمن الذي لا يعتمد على المؤسسات الأمنية والعسكرية التي قامت بدورها على أحسن وجه لحماية الأمان والاستقرار ووقفت في وجه الإرهاب، حتى يتمكن كل مسؤول حكومي من ترديد عبارة أردن الأمن والأمان.
السبعون مصنعا التي نشر عنها تقرير في ملحق سوق ومال في “الغد” للزميلة هبة العيساوي أمس، غادر أصحابها إلى مصر التي كانت تعاني ظروفا أمنية وسياسية قاسية، ورغم ذلك كان لديها بيئة حاضنة وجاذبة للاستثمار أفضل مما هو موجود لدينا، فكيف يستوي هذا الأمر؟ ربما لأن لديها وزيرة استثمار تتابع كل التفاصيل وتحل مشكلات المستثمرين، وربما لأن ثمة مسؤولين قادرين على اتخاذ القرار!
التقييم الحقيقي لمعنى هذه الأرقام هو فشل السياسات الرسمية في إدامة الاستثمار والحفاظ عليه، والفشل في جذب الجديد منه، إذ وجدت مئات المصانع ضالتها في مصر، وأسوأ من ذلك أنها باتت تنتج وتعيد التصدير للأردن.
المهم أن الأسباب التي أدت إلى هجرة كل هذه المصانع وإغلاق الكثير منها ما تزال قائمة، ولم يتم حلها من قبل الحكومات على حد علمنا، ما يجعلنا نتوقع استمرار المشكلة وبالتالي هروب الاستثمار أو موته إن لم نضع حلولا توقف هذا النزف.
ما يحدث في قطاع الألبسة قد يكون، أيضا، مصير قطاعات أخرى، لنكتشف في غفلة منا وإهمال وعدم اكتراث من المسؤولين أن المشكلة باقية وتتمدد، وأن اتساع مدى المشكلات وارد، والأخطر أن تنفيذ رؤية الاعتماد على الذات مؤجلة إلى حين وجود مسؤولين مدركين لدورهم.
أسباب الفشل في السياسات الاستثمارية ونتائجها باتت معروفة وليست سرا، ولا أدري كم يفيد إعادة تكرارها على مسامع المسؤولين، فهم الأعلم بها. وليس صعبا سرد كثير من قصص معاناة المستثمرين وضياعهم وتشتتهم وبالتالي رحيلهم أو تفكيرهم بالرحيل.
لكن، يمكن أن نسهب طويلا في الحديث عن نتائج مثل هذه الأخبار ووقعها على مزاج الأردنيين، وهم يشهدون إخفاقات حكوماتهم المتتالية، وتتعمق لديهم القناعة بعدم جدية المسؤولين في تشجيع الاستثمار!