النمو: بصراحة الأرقام لا تكفي
إذا صدقت الدراسات التي تتوقع تضاعف عدد سكان المملكة خلال العقدين المقبلين، يكون لا مجال أمام الحكومات إلا أن تراجع خططها، لتبنيها على ما ينسجم مع هذه التوقعات.
عدد الأردنيين اليوم يكاد يقترب من 7 ملايين نسمة، يستضيفون على أرضهم حوالي 3 ملايين شقيق عربي، غالبيتهم هجّرتهم الحروب والأزمات في بلدانهم، ويتقاسم معهم الأردنيون كل شيء.
التعايش متوفر حتى اللحظة. إلا أن ذلك لا يخفي تصاعد لغة الشكوى عند الأردنيين، نتيجة التزاحم على الموارد؛ الأمر الذي يقضي بمراجعة المخططات القائمة لتستجيب للتحديات. فالارتفاع الكبير والمفاجئ في عدد السكان، يعني تلقائياً ارتفاع معدلات البطالة والفقر، كما تدنّي مستوى الخدمات حتماً.
الأرقام الأخيرة الخاصة بالنمو الاقتصادي، تؤكد أن النمو المتحقق خلال النصف الأول من العام الحالي، لم يكن كافيا لمواجهة التحديات. إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4 % خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب أحدث إصدار لدائرة الإحصاءات العامة.
وتُظهر مراجعة سريعة لأرقام النمو خلال الأعوام الماضية، أن نسب النمو المتحققة غير كافية للتخفيف من المشكلات الاقتصادية، بل هي تؤشر إلى تباطؤ عميق في الاقتصاد، يتزامن مع عجز مرتفع للموازنة العامة، ومعدلات بطالة متزايدة بين الشباب تحديدا.
الاقتصاد بنموه الحالي عاجز، للأسف، عن استيعاب التدفق السنوي لطالبي العمل الجدد الذين يقترب عددهم من 70 ألف خريج سنويا، عدا عن الأعداد الكبيرة المتراكمة من العاطلين عن العمل في السنوات الماضية.
وثمة مشكلة أخرى تظهرها التقارير الوطنية، تتمثل في انخفاض إنتاجية العمل، نتيجة عدم زيادة النشاط الاقتصادي الحقيقي، إضافة إلى تدني مستوى تعليم القوة العاملة ومهاراتها.
الحساسية في القصة أن معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة، تترافق مع معدلات نمو سكاني مرتفعة؛ إذ قدرت دائرة الإحصاءات العامة في حزيران (يونيو) 2012 عدد الأردنيين بنحو 6.6 مليون نسمة، في حين يعيش على أرض الأردن الآن نحو 10 ملايين إنسان، بسبب الهجرات القسرية إلى المملكة.
وإذا كانت تلك الهجرات هي العامل الأبرز، فإنها ليست وحدها المسؤولة عن الزيادة الاستثنائية في عدد السكان، بل هناك كذلك تراجع معدلات الوفاة وتحسن مؤشرات التنمية، إلى جانب تزايد معدلات الخصوبة، أو استقرارها على ارتفاع.
ومن ثم، فإن التحدي الحقيقي الذي يحتاج إلى تحضير، هو التوقعات التي تشير إلى أن عدد سكان المملكة مرشح للتضاعف خلال العشرين سنة المقبلة، بحيث يقترب بحلول العام 2035 من 20 مليون نسمة، لاسيما أن الأرقام الحالية تُظهر أن حوالي 60 % من السكان تتراوح أعمارهم بين 15-64 عاما.
العامل الديمغرافي يشكل عامل تهديد اليوم، لأن النمو السكاني السريع الذي يزيد على معدلات النمو المتحققة، يهدد -كما هو معروف- الموارد المحدودة، ويفتح على احتمالات أزمات كبيرة تهدد استقرار البلد. واللجوء الكبير للأشقاء بدأ يتحول إلى عامل تأزيم، خصوصا أن المنح التي يتلقاها الأردن لا تغطي إلا ثلث الكلف المترتبة على الاقتصاد نتيجة ذلك، فيما يغيب التخطيط للمستقبل بكل تحدياته.
التصدي للتحديات يتطلب توجيه الاقتصاد بشكل مختلف، يؤدي إلى زيادة النمو، ووصولا إلى نسب لا تقل عن 5 %. أما أرقام النمو اليوم، فهي بصراحة عنوان صارخ للعجز عن حل المشاكل.
بالنظر إلى أزمات الإقليم والتوقعات باستمرارها لسنوات، فإنه لا تُتوقع عودة سريعة للاجئين. وستستمر معدلات النمو السكاني بالصعود. ما يعني أن أردناً جديدا يتشكل، يقوم على واقع ديمغرافي مختلف. وعلى الجميع التعامل مع هذا الواقع الآن من دون أي تأجيل، لتجنب انتقال الأزمات إلينا.